بمؤنة شحيحة خرج من قريته القابعة في قعر النسيان ..
سلك الطريق الغربي تاركا ورائه ملعب صباه وأهازيج مناه .
حانت منه التفاتة وداع
سأشتاق لكم , وسأعود كما وعدتكم

أبي .. كم أقاوم دموعي حين ألقاك تكدح
أمي .. كأني أرى دمعتك , كأني أشعر بيديك تحضنني مودعة
زوجتي .. لا تقلقي , فانا أعمل من أجل طفلنا القادم
لم يكن الطريق أشد ظمأ للمطر من مشاعره
ولا أشد وحشة من غربته

بعد ثلاثة أيام وصل مكة التي طالما حلم بالعمل بها
أين يذهب , ومع من سيتحدث , وكيف سيعمل ؟!
عالم يختلف عن قريته الهادئة
ثمة ورقة يحملها في جيبه

إنه عنوان أحد أبناء قريته حصل عليه من رسالة أرسلها لوالده
وكعادة أهل القرية ما إن علم جارهم أنه سيغادر إلا وبادر بإعطاء عنوان ابنه
إلى محمد الشاب الوحيد الذي التحق بالتعليم الليلي واستطاع تعلم القراءة
والكتابة لينقل العنوان على بقايا ورقة ويسلمها صاحبنا .

أخرج الورقة , وقبض عليها بكلتا يديه كمن يقبض على فرصة عمره . .
ذهب إلى ابن قريته الذي كان خير معين له ..

مرت الأيام عمل فيها حمالا للمعتمرين والحجاج والتجار
أيام قاسية في ساعاتها لينة في أمانيها

تذكر ابتسامة والده , قهوة أمه , وبريق عيني زوجته
وطفله الذي لا يراه إلا كل سنتين

بيت الطين الذي يجمعهم


[img]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ][/img]

ومسجد القرية العتيق


[img]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ][/img]

شريط ذكريات لا نهاية له , وحنين يتنفس معه


مرت الأيام في تقلباتها ترفعه تارة وتهبط به أخرى
كم كسرت الريح مجاديفه
وكم دفعته الرياح لمواصلة المسير
وما كان الله ليضيع أجر من أحسن

فقد تحسن حاله , وكثر عياله , وتبارك ماله




صاحبنا الآن رجل مسن تجاوز السبعين مؤذن مسجد..
حوله كثير من الأبناء والأحفاد ورغد العيش






* و غدًا انتظرونا مع راكب آخر في سفينة الحياة *

-

كُن انتَ التَغيير الَذي تُريده فِي هَذا العالم ..

المهاتما غاندي *