عرض مشاركة واحدة
قديم 08-02-2010, 02:10 PM   #1
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

تلزمني أبجدية بكر لأحكي بعضاً من علياء توأم الروح التي ما كفَّتْ روحي عن الترحال حتىسكنتها وطناً .
كلما نقص منسوب الرضا في داخلي استعدت وجهها الحبيب ، ورويتُ لياليوم الأول في زمانها ( زمان علياء ) :
" مع بزوغ الشمس تحت محل الذهب أنتظرالسيارة ، قطة سوداء خرجت _ من حيث لا أدري _ تتمطى ، لمحتني فتجنبتني .
انتحتمكاناً قصياً ولبدت فيه ، قلت لها : لا تراعي يا جارة ليس سواي هنا ، وأنا _ بعدُ _ أليفة.
مدت الشمس أذرعها الطويلة فسقطت إحداها على وجه السوبربان المكفهر، زعقفجرت القطة بعيداً وجريتُ أنا نحوه ، أوراق توجيهي بيد وبالأخرى حزمة آمال معقودةبناصية غدٍ أكون فيه أنا كما أريد أنا ، في قوادمي قيود منسوجة من مخاوف أميوتحذيرات أبي.
على ظهري تشككات الرفيقات من قدرتي على الاحتمال والمواصلة ،الرفيقات اللواتي ركبن الفرصة لما عرضت وتوظفن وعملن يبغين حرماني من فرصتي الثانية، قلتُ لهن : الزواج أضاع التوظيف مرة ، ولن أدع الثانية تذهب حتى وإن كان مقرالعمل بعيداً . ما كنتُ أدري أن ذا البعيد سيهبني أقرب قريبات القلب .
آخر مزرعةفي الديرة تلوِّح بجريدها لي مودعة فيما تصفعني أولى العلامات المركوزة على جانبالمارد الأسود معلنة أن المسافة الباقية تسعين كيلاً.
أكثر من ساعة أستطيع أنأجتّر فيها قديماً كثيراً وأحلُم بجديد كثير..كل شيء يركض للخلف ، وجه أمي وحدهيدنو ، تودعني فجراً بدعواتها التي تنضح قلقاً : " الله يدّلك ولا يغويكِ "
منورائها يُطل أبي : أما زلتِ مصرة ؟!
أحاول ضبط صوتي الجامح صوب الاحتجاج : أماكنتُ قلت لك ؟ لو كنتُ ولداً ما وقفتم في طريقي؟
يهز رأسه كالعادة ويمضيفتتشقَّقُ الأرض تحت خطواته المبتعدة مخرجةً استفهاماً آخر : أصار أكثر استسلاماًلرغباتي مؤخراً ؟ أم أني صرتُ أشد تشبثاً بها ؟
التفتُ للناحية الأخرى فيشرقصغيري بوجهه الطفولي بابتسامته الحيية التي حين تتنامى لتخرج ضحكة كاملة تكون أقربلضحكات البنات منها لضحك الأولاد .
يتقافز حولي كما البارحة وأنا أتفقد للمرةالسابعة حقيبتي اليدوية لأتأكد من تمام محتوياتها ، صخبه يعلو على هواجس الخوفبداخلي ، يهدأ ليسألني : إلى أين ستذهبين غداً يا أمي؟
-إلى المدرسة.
-أنتِفي أي صفٍّ يا أمي ؟
_ في أي صفًّ أنا ؟ في أي صفًّ يجب أن أكون ؟
أفكرطويلاً وأنا أتأمل عمري الفائت سارحة في عمق عينيه البريئتين. كان يزوي خصلة نافرةمن شعره الغزير منتظراً إجابتي ، قلتُ : في الأول .
أفلتت أصابعه شعره وتعلقبرقبتي مردداً : أنتِ مثلي ، أنتِ معي. كلنا في الصف الأول هذا العام !
أمسحرأسه وأردد: هو ذا يا صغيري..إنه زمن البدايات .
أريد أن أسأله إن كان غاضباً هوالآخر من فكرة خروجي للعمل ، أقطف من مفرداته تقاسيم سؤالي ، أُنسقها ، وأقرر أنهلو أجاب بنعم فسأخبره صادقة أن لا خيارات لي ؛ أني لأجله سأذهب ، أني لا أقدر أنأُعِده للغد وأنا بلا حاضر.
حين يلغط سائق السيارة لزوجته بكلماتٍ لا أفهمهايهرب صغيري ، التفت ناحيتهما فينعطفان بالسيارة يساراً متجاوزيْن سرب الحافلاتالمصطفة أمام مركز التفتيش ، يومئ سائقنا بيده لشرطيها نصف النائم ، وحين يخلّفهوراءه يلعنه..
أنظر في الساعة لأحسب الزمن المتبقي ، نصف ساعة أقرر أن أمضيها فيترتيب ملامح وجهي الجديد ( وجه العمل )
حين تربض السيارة أمام البناية الحائلةالضخمة أرتعش ، أردد اتفاقيتي مع نفسي ( لن أصادم أحداً ، ولن أصادق أحداً ، ولنيستدرجني أحد لأحكي قصة حياتي ..)
السائق يتنحنح ، يبصبص في المرآة وزوجته بعينقوية ترمقني ، ينتظران نزولي الذي تأخر ، أفتحُ الباب وألقي عليهما نظرة أخيرة ،أريد أن أتبعها بسؤال : ما الذي يخيف في الجديد ؛ غموضه أم مغايرته؟!
من تحتشرنقتي السوداء أخرج أكثر رعباً ، لم أعرف مقدار ما كانت تمنحني من طمأنينة حتىنزعته معها.
أتلفت استنطق الوجوه في المكان ، كلها ابنته ، تعرفه ويألفها ،وحدي الغريبة .
أتبع حدسي صوب المكان الذي أظنه مكتب المديرة ، الباب مفتوح تسدثلثي فراغه عجوز سوداء ضخمة ، وأنا أقترب منها ألحَ عليّ هاجس أنها لن تتزحزح لتفسحالمجال لي للدخول .
ألقي عليها السلام فترده بارداً يربكني أكثر .
منذ صغريأخاف السود ، وهم كأنما يعرفون ... يتحرشون بحالات ضعفي الأقصى ليفضحوني أمامنفسي.
البلية السوداء ـ دون أن يرف لها رمش ـ لا تزال تتفحصني وأنا أتلفتُ مرسلةنظراتي المستنجدة لتصطك بكل الجدران المحيطة ، في ذاك المكان ، في زمان البدايات منإحدى الزوايا أطلتْ هي ، خلاصة الأنوثة ، ابتسامتها الصافية ـ وهي تلم ليل شعرهاالذي تعبث به نفحةٌ مشاكسة ـ محت الغربة كلها من داخلي.
تأخذني بيدي فأنقاد لهاكما طفل ، تطلع بي لمكتبها ، تتناول مني أوراقي وتنصرف بها للمديرة و أنشغل أنابتفحص المكان ، غرفة صغيرة ملمومة أنيقة ومثقفة ؛ هذا ما وشوشتني به كتب التراثودواوين الشعر في مكتبتها التي تفرد منكبيها العريضين على الجدار المقابل للباب .
في كل المرات التالية حين أدخل مكتبها يستغرقني سؤال: ألأماكن حين تحب أصحابهاتتشبه بهم ؟ أم هم مع العِشرة يأخذون من صفاتها ؟
تعودُ فأبادرها : جميلة " عِليتُكِ " ذي .
تضحك فأستعيد ابتسامتها الأولى : أهي أجمل حين تضحك أم وهيباسمة ؟
قبل أن ترجح كفة أحداهما يأسرني عمق عينيها ، ابتهل إلى الله ألا تكونتلك المسحة الساحرة فيهما حُزناً..
أبتهل من أجل الأنثى المصفاة التي رأيتها ذاكالصباح لأول مرة وتقسم روحي أنها تعرفها ..
تلك علياء التي يهمس صغيرها المرقشالذي ثوبه حديقة الألوان كلها كلما التقت عيناي بعينيه " تفضلي إلى قلبها " فأداعبخده الوردي قائلة : " عساه مكاني أبداً يا زاهي,,

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78