بسم الله الرحمن الرحيم
بدايةً :في العام الدراسي 92/1393 هـ انظم العبد لله لقافلة المعلمين , وتم تعييني (بناء على طلبي) في قرية تسمى (مدركة) والّتي تقع شمال شرق مكة المكرمة , ذلك لأنني رغبت في الاغتراب عن الأهل (لم أتزوج بعد) ورغبة في تجربة حياة العزوبية وللإحساس بالاستقلالية, وأيضا لما كنت أسمع من قصص العزاب من الأهل والأصدقاء في جده والرياض , وما فيها من الطرائف والنوادر , وفوق هذا كانت (قنقنة) أحد الزملاء غامدي الأصل بعيد كل البعد عن الأصالة (هذه الصفات عرفتها فيما بعد) , فقد سبقني في التعيين في تلك القرية , وضل يروي لي على مدى أسبوع ما رآه في قرية (مدركة ) , ويعيد ويزيد ويذكر لي كل لطيفٍ رآه , وهو في الحقيقة كان يبحث عن رفيق , وفي البداية كنت متردّداً , ولكن هناك مثل شعبي عند أهل جده يقول (الدّوي على الآذان أمرّ من السحر).
وبعد هذا : فقد كان له ما أراد, وذهبت في يومٍ على قول الإخوة المصريين(لم تطلع له شمس) ولا أدري بمعنى المثل (ربما مجازي) فكل يوم من أيام الله تطلع فيه الشمس , المهم أنني ذهبت إلى إدارة التعلم , وصرخت أريد قرية مدركه , فنظر إليّ الموظف وقال: من دون صياح تفضل , ورمى لي بخطاب التعيين, وكأن لسان حاله يقول : من هذا المهبول الذي يريد أن يضارب لكي يتعيّن في قرية , المهم وصلت (مدركه) في زفةٍ برفقة (أحمد مرزن وأخي سعيد ـ رحمه الله ـ وأخي عبد الله) , وصلنا القرية ونحن صائمون فقد كنا في شهر رمضان , وحاولت أن يبقوا معي لأستأنس بهم على الأقل إلى ما بعد الإفطار, ولكن يبدو أنهم اقتنعوا من أول نظرة , أن ذلك المكان أشبه بمنفى (جزيرة فرسان) في بداية الحكم السعودي , وعادوا أدراجهم وأنا أراقبهم حتى غابوا عن عيني وفي القلب غصّة .
ومع مرور الأيام تمكن مني الملل والضجر (وأنا أصلاً بطبعي ملول), وإن كانت تقطعه بعض الأيام اللطيفة , ولكنها نادرة كندرة الواحات في صحراء (الربع الخالي) , وعندما جاءت حركة النقل فرحت فرحةً عظيمه , وطلبت استمارة لأكتب فيها رغبتي في الانتقال , فإذا بصديقي السالف الذكر يسعى بكل حيلة لكي يثنيني عن ملء الاستمارة (ما بقي له إلا أن يقبّل رأسي), ويجزم أنهم (أي الوزارة) لن يوافقوا على انتقالي , وأحاول أن أعرف منه السبب فيضل يلف ويدور ويكرر أننا جئنا معاً ونعود معاً , فأكبرت فيه هذا الوفاء ظناً مني أنه صادق , ولكن ما فهمته فيما بعد أن (الأخ في الله) قد رفع رغبته في النقل قبلي , وعن طريق الوزارة مباشرةً , ويبدو أنه خاف إن رفع غيره برغبته في النقل من نفس المدرسة أن يكون هناك خيارات , تُضْعِف تحقيق رغبته لاسيما أن تقريري يفوقه بمراحل , المهم انطلت عليّ حيلته (وللمرة الثانية) .
وما صدمني حقيقة بعد شهر أو أكثر بأن اسم (المخفي) جاء في بيان بالمعلمين المنقولين .
وسألته كيف هذا ؟؟
قال : يا أخي هذا خالي في الرياض نقلني من غير رغبتي , (وإذا تريد) سأعدل عن النقل.
قلت : آآآه إذا أريد !!!! على العموم الله يبارك لك..... لا تعدل ولا شيء من هذا القبيل.
وذهبت لمدير المدرسة وطلبت إجازة اضطرارية , وكنّا في السابق لا نُمنح إجازة إلا بمعروض يُقدّم للمدير .
وافق المدير على الإجازة وذهبت إلى جده وأنا أفكر ترى من يساعدني؟؟؟
وسبحان الله... والله ما خطر في بالي إلا هو (عبد الله بن محمد المصنعي).
كان في تلك الأيام يعمل موظفاً في الضمان الاجتماعي فذهبت إلى مكان عمله فأخبروني أن لديه دورة في معهد الإدارة العامة , فذهبت إلى هناك وسلمت عليه وأخبرته بموضوعي.
قال: لنذهب إلى إدارة التعليم لعلّ وعسى.
وهناك قابلنا مدير شؤون الموظفين (عبد الله المطوّع) الله يذكره بالخير , وشرح له موضوعي , وأثناء وقوفنا جاء (عبد العزيز النهاري) الله يذكره بالخير أيضاً , وهو في ذلك الوقت مدير مكتب مدير التعليم , وعرف الموضوع وقال للمطّوع : أنت أكتب قرار النقل , وأنا سأجعل مدير التعليم يوقع عليه إكراماً (لأبي محمد) , وسبحان الله تم نقلي من (مدركه) في دقائق ونُقِلْت حتى قبل أن ينقل منها صديقي طيب الذكر , وعندما عدت بقرار نقلي (لمدركه) صُدموا جميعاً , فالناس تقضي أيام وربما شهور في تحري النقل , وأنا في ظرف يومين كنت منقولاً وأصدقكم القول أنني شعرت بالانتصار حقيقةً , والفضل في هذا (بعد الله سبحانه) لعريفتنا المربي الفاضل (أبي محمد) حفظه الله ووفقه أينما حل وأرتحل.
وبعد :هذه أبيات لا تفي أستاذي حقه (وهو أستاذي ومعلمي حقيقةً لا مجازاً) ويشهد الله ما وصفته جيداً, ولكنه جهد المقلّ , والجود من الموجود , أسجل بها شكري له على عملٍ أنا أظن أنه لا يتذكّره , ولكنها يدٌ من الأيادي التي لا أنساها.
في هذه الأبيات أنادي ضمير الشعر كي يملي عليّ قصيدة تليق بمقام (أبي محمد) ولكنه يأبى إلا أن يذكّرني بما حولنا من أحداث متلاحقة وأمورٍ متغيّرة , نسأل الله أن يجيرنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
يا ضــمـــير الشـــعر وينــك ما تشـــــرّف
تنتقــــي أحـــلى ورودك فــــي نَضَــدْهَا
لا يقــولــــوا شــــاب راســــــك وبتخرّف
وبـــاح بـــارودك ولا يــــقــــــدح زَنــَــدْها
قـــال : بالله يـــارفـــيق الــــــعــمر وقّف
ولا تلـــوم اللي شـغلنــــي وأنت أحَدْهَا
وألمـح الأحــداث مــــن حــــــولك تخوّف
الله يـكفينا الــــــــفـــتن واللــي نَشَـدْهَا
قلـــت: أدري بــــك فــهيـــم فـلا تسوّف
قـــــــال: هـات اســـمه ولك مُزْن وبَرَدْها
وتــــــحـت أمرك وأعـطني اسمه و عرّف
وخذ عــــروس الشعر ..خذها... له بيَدْهَا
قـــــــلـت: راس الــدار مـــــا فيـه التكلّف
قال:يا حــظ المـــــــعـــــانـي ويا سَعَدْها
عــنــد (أبـــــو محــمد) يطيب لنا التوقّف
والقـــــــصـــايد تستجـــيب وهو سَنَدْهَا
والرجـــال تقــــــاس بالفــــعل المـشرّف
والــــــحقــــايق واضــحه ما حـد جحَـدْهَا
والــمثــل بايــــن ولـــو نبــغــي نصــــنّف
مالجــــمــايل منـــه ما نحصـــي عَـدَدْهَا
هو كـــــبير القــدر سيّــد كل مــــوقـــف
وهو عـــــمـــــيد الدار بالحكمه رَفَـــدْهَا
يشـــــهد الله ما وصـــفت إلا بتــــصّــرف
يا عـــــريـــف المصنعـه خِــــيرَةْ وَلَـــدْها
نقــــطة(ن)من بحـر (عبــد الله) تشــرّف
والمـــناشي خـــيرها يعـــقـــب رَعَــدْها
دامك الله بصــــحتك تحنـــي وتـعـــطــف
وجنّــــبك شـــرّ الــمــــواقـف أو نَكَــدْهـا
وأسلم لمحبك
محمد بن سعد الكريمي
ملاحظة: الصورة من تصوير (محمد حمزه) في أحد الاجتماعات.