سار (مناع ) خلف المعلم إلى داخل الفصل وكان الفصل عبارة عن عينين بمقاييس ذلك الزمان للبيوت وكان يوجد بتلك العينين علوه (العلو هو غرفة النوم باختصار) وكانت أحد هذه العلوه مستودعاً للكتب وكان ياتي فراش المدرسة ليأخذ بعض الكتب ويذهب وكان (مناع) يُراقب كل ما حوله في ذهول وتمضي الحصة وراء الحصه وبينها الصافرات إلى أن يجيء وقت الفسحة فيخرج مع أقرانه إلى فضاء من الأرض جنوب غرب المدرسه وينظر حوله وقرية الصقاع تفصل بينه وبين قريته الحبيبه وعندما يرفع بصره يرى حصون الدار ولهذه الحصون في نفس كل من سكن تلك القرية مكان فهو إذا رآها من بعيد علم أن هناك قريته فهي كالبوصلة دائماً تشير إلى القريه ووادي الفارعه أمامها لهذا فهذه الحصون لا تخلو منها معظم القصايد التي تتغنى بتشييدها ومكانتها ورحمة الله على محمد بن قدوم عندما يقول:
(قريالزمّار(أي أثبت) وادي الفارعه شارك( أمامك)
.وحصون الدار قرت ( أي ثبتت ورسخت) مبانيها ,
لاقام لها مبروك صفرق ( صفّر) له مبارك ،
والدقاين ما تعقل سوانيها )
وعندما رأى(مناع) الحصون أخذه الحنين إلى القرية ولرفقة لم يحن بعد دور دخولهم المدرسه
وتنته الفسحة ولا زال بيد (مناع) بقايا من كسرة الخبز شغله النظر والحنين عن الإستمتاع بإفطاره ويعود للفصل وينتهي دوام ذلك اليوم وينطلق (مناع ) بصحبة أبناء القرية صغاراً وكباراً وما أن يصل إلى المنزل حتى يحلف لأمه الأيمان العظيمه أنه ما عاد يسرح المدرسه فعندها تقول أمه خلاص نوصي أبوك يشتري لك غنم تسرح بها ترعاها مع البنات ( تريد أن تثير نخوته ) ولكن (مناع) يوافق ويبدي رغبة ملحة في رعي الأغنام مع البنات فتقع الأم في حيرة ولكن تتدارك الأمر وتقول طيب سأخبر أبوك . وما أن يجيء الأب حتى تقول له الأم ما قاله (مناع) ..فيأتي الرد الصارم (يسرح والعصاة في مؤخرته...قالها بلهجة عاميّه) عندها توقف النقاش فقد كانت هذه عادة الآباء إنهاء النقاش بصرامة ولم يكن عند الآباء (ياحبيبي الله يخليك تسرح المدرسه علشان تصير شاطر) هي كلمتان أو ثلاث وينتهي النقاش...ويتبع إذا كان في العمر مهله.