الدكتور جهاد بني عودة
إلى أهلنا في غزة المحاصرة
سَمعتُ خِطابَ رجلٍ من سادات الأمة نِصفهُ في الآخرة فأحزنني وقلت :
اِصبِر فإني أرَى في وَجهِكَ الفَرَجـا = وَوَجهُ غَـزَّةَ فـي خَدَّيـكَ مُبتَهِجـا
وفي جَبينِكَ آيـاتٌ مُطََـرَّزَةٌ بالحَـقّ = فاصـدَح بِهـا مُستَعصِمـاً لَهِـجـا
اصبِِر فإنّـكَ – أيـمَ اللهِ – رائِدُهـا = نحو الخُلود فَشيِّـد حولَهـا البُرُجـا
قَاتِل بها الدّهرَ ، أنت اليومَ فارِسُهـا = واعبُر بها البَحر، أقحِم صِيدَها اللُّجَجا
يا أشيَبَ الحقِّ إن الأربَعيـن قَضَـت = لا تَخشَ في شَيبَةِ الإسلام أن تَلِجَـا
فليـسَ أوّلَ مَـوتٍ قُمـتَ تَقحَمُـهُ = ولَستَ أوّلَ من رَامَ الـرّدى ونَجَـى
فَكيفَ تُكتَبُ في سِفر الخَالِدينَ ولـم = تَسفَـحْ لِمَبدَئِـكَ العَينيـنَ والوَدَجَـا
حِصارٌكَ اليومَ بالحَقِّ الّـذي حَمَلـوا = حِصارُ يَثرِبَ لَمَّا استيئَسوا انفَرَجـا
وجوعُكَ اليوم جوعُ الرَّهطَ من مُضَرٍ = في شِعبِ مَكَّةَ لمَا حوصِـروا حِجَجـا
لِتَعلَـمَ الأرض أن الحَـقَّ مُنتَصِـرٌ = ونوقِدُ الدّمَ في الأقصَى لَـهُ سُرُجـا
كَمِ ادلَهَمَّـت بأهـلِ الحـقّ مَرحَلَـةٌ = فقُمتَ تُدلِجُهُـم لَمَـا الظّـلام دَجَـا
اصبِِر ونفسـي فِـدا حَـقٍّ يوطِّئُـهُ = رَسيـمُ خَطـوٍكَ إذ دَمَّغتَهـا حُجَجـا
اصبِر فَديتُكَ ما أوتيـتُ مـن سَعَـةٍ = وجُلُّ قومي هُنـا يَفدُونَـكَ المُهَجـا
فانهَض بأمرِِكَ هذي الأرض غالِيَـةٌ = إن المَعالـي إذا مـا رُمتَهـا دَرَجـا
الرّملُ جاعَ وما جاعَـت ضَمائِرُكُـم = والبَحرُ جَفَّ ومَاءُ العَزم ما انحَرَجـا
عشرونَ عاماً عَطـاءً لا نَفـادَ لَـهُ = وكُلَما جُـزَّ فيهـا زَرعُكُـم نَضَجَـا
ضَاقَت عَليكـم بِـلادُ الَلـه قَاطِبَـةً = ولا يَـزالُ مـن اللهِ اللَطيـفِ رَجـا
ضاقَ الحِصارُ وضاقَ البَحرُ حولكُـمُ = والبَغيُ والظلمُ في عَصرِ العبيدِ سَجا
فاصبِر أبا العَبدِ فالعُقبى لمن صبروا = ومن على دَرب أصحابِ العُلى نَهَجـا
(واصبِر لَها غير محتالٍ ولا ضَجِـرٍ) = ففي الزّمانِ مَواعِيـظٌ لأهـلِ حِجـا
فالـزَم حُقوقَـكَ إن الحـقَّ مُلتَـزَمٌ = وبعضُ قَومي هُنـا يَبغونَـهُ عِوَجـا
واعلَـم بأنّـك مَطلـوبٌ وذو خَطَـرٍ = وتَصعَد اليومَ عَكسَ الرِّيحِ مُنعَرَجـا
فابرُز لِحَتفِـكَ لا شَـاكٍ ولا ضَجِـر = فـإنّ فيـهِ وفـي عِلاّتِـهِ حَـرَجـا
فلن يَكون دَمُ الثـوّارِ فـي شَـرَفٍ = حتّى يكون بِرمـلِ الشّـطٍّ مُمتَزِجـا
تَظلٌّ مـا بقـي الإسـلام فـي بَلَـدٍ = تُزكي الحُقوقَ علـى طُلاّبِهـا أرَجَـا
فَي سَاحِلُ الشّامِ قومٌ للوَغـى صُبُـرٌ = لاقُوا المَنايا زُحوفاً إذ أقبلَت هَرَجـا
رُحماكِ غَزّةَ رُحمى الصّادقيـن بِهـا = ما أنَّ فيـكِ حَزيـنٌ بالبَـلاءِ شَجـا