:: تفضلي هنا قبل دخولك مجلس النساء (آخر رد :الماسه)       :: عاجل الى الادارة (آخر رد :الحساس)       :: نصائح العقارات والحيل للحصول علي الممتلكات العقارية والقادمة (آخر رد :داماس ترك)       :: سائق في اسطنبول اسعار (2018) 😍 😍 (آخر رد :كنان)       :: معاملة . كوم | مجتمع المعاملات ، ضمان التعامل بسرية و حصانة (آخر رد :جاسم سلطان)       :: السلام عليكم (آخر رد :ابو يارا)       :: مشاركات محضورة (آخر رد :ام شيماء)       :: مشاهد مجزوءة من ذاكرة القرية (آخر رد :عيدان الكناني)       :: واحنا صغار (آخر رد :عيدان الكناني)       :: ............... (آخر رد :خير سعيد محبوب الغامدي)      
 
جريدة الرياض جريدة الجزيرة جريدة الوطن جريدة اليوم جريدة عكاظ جريدة المدينة جريدة الرياضي بنك الراجحي

 

 


الإهداءات



إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-26-2010, 03:07 PM   #1
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile روحها الموشومة به..( روآية)

روحها الموشومة به,,,

للكآتبة السعودية أمل الفارآن’’

الجزء الأول~

ــــــــــــــــــــــــــــ



في ساحة بيتنا القديم يقف بدوي فيالخامسة عشرة من عمره ،غترته الحمراء الحائلة معصوبة على رأسه. الوحش - الذي لاأراه- يهدده هو وأمه .
الولد طلب من أهل الديرة تخليصهما فلم يفعلوا ، لذا اختطفخمسة من أولاد شيوخهم وفي مشراق بيتنا وضعهم ،خط برجله على الأرض الترابية دائرةحولهم ، وحلف ألا يتركهم حتى ينقذه أهل الديرة وأمه من الخطر "
- يا ألله.. دايرة !! قالت الدكتورة هناء باندهاش أسعدني وأخافني .
قبلها كان نَفَسُهايتناغم مع المقاطع المهمة ( الخطر ، التهديد ، الأولاد الخمسة ثم الدائرة ) يعلووأنا أهبط تذكراً لإحساسي في كل المرات السابقة التي أعود فيها من عالمي السحريمحلقة صوب صوتها البرتقالي .بين يديها أضع آخر ما شاهدته من كوة الحلم السحرية ،أفد كل مرة كما أصغر الصغار يحمل كنـزه لأمه بفرح مشوب برهبة اكتشاف أنه ليس شيئاًمهماً.
إثر كل حلم أحسبه يستحق أن يروى آتيها مرددة أكثر من مرة: " أنا لم أفهمه، قد لا يعني شيئاً " أفـعلُ تحسباً لخيبة أمل ستصيبني إن لم تتوقف عنده قدر ماقدرتُ قبلاً أنه حقه .
الليلة أكرر :" قد لا يعني .. حتى أنا لم أفهمه .."
- لا هذا حلم مهم جداً يا وسمية …الحلم الذي لستِ من أبطاله ولا تكونين حاضرة فيه حلممن أعلى طبقات الروح ..
- طبقات الروح ؟!
- نعم الروح طبقات يا وسمية ،حوالي سبع طبقات ، والأحلام عادة تأتي من الطبقات الدنيا ، لكنها أحياناً تأتي منالطبقات العليا. وهذه تكون أحلام مهمة جداً .
- ألن نعود له يا دكتورة ؟
- بلى ،ولكن بحذر سنلمسه حتى لا نفسده … إنه حلم شفاف ..
وهي تستعيدني الحلم أردتأن أحكيه لها بتفصيل أكبر..أن أحكي كل شيء حتى رائحة المكان وشكل بيتنا، وددت لوأخبرها عن ثوب الولد كَدِرِ اللون ، وعن أمه التي لم أرها ، عن الوحش الطاغية الذيأبغضه قدر ما يتحفز الولد لمواجهته … لكنها رهبة الدكتورة التي تضاهي حبهاتخرسني..
مرة قلت لها بثوارتي كلها ودون مناسبة : أتصدقين يا دكتورة أني صرتأحبك ؟!
قالت -لأنتبه لغلطتي- بضحكتها المجلجلة : وقبل ذلك أما كنتِ تحبينني ؟!
- بلى ، ولكني كنتُ( إن شئتِ الدقة في التـعبير ) أحترمك احتراماً مشوباًبالخوف .
- وما الاحترام ؟! إنه حب ورهبة ،فإذا زال الخوف بقي الحب وحده ..
أعيد حكاية الحلم وحين أصل للدائرة تنطلق نفس الـ " يا ألله " منها ثم تقول : للدائرة شأن عظيم في كل الديانات ..في كل الأساطير ..الدائرة حصر ..الدائرةحِرز..
ببالي ارتسمت " دائرة السوء " الواردة في القرآن ، ثم بسرعة وجدتني علىرملة أخوالي عند بيوتهم في النخل ، النسوة منتثرات عليها في شكل دائرة منبعجة منأكثر من جهة ، إحداهن (لا أذكر الآن من هي)كانت تدفع عن نفسها تهمة من تهم مجالسهنالتي تحط كل يوم على رأس جديد ، تُتوجُهُ بها أخرى ، فتنتفض المتهمة لتـزيل الجُرمولو بيمين كاذب ، ويظل حبهن لبعضهن بحكم القرابة هو هو لا يتـغير ، وتظل التهم هيهي لا تخمد ..
لا أذكر الآن ماذا كانت تنفي. فقط أذكر حلفها ،ثم سبابتيهااللتين ارتفعتا متوازيتين بمحاذاة صدرها .
تلتقيان ببعضهما أمام حِجرها،لتنغرزا في باطن الرمل ، ثم تنداحان عن دائرة أعاق ردفاها الكبيران اكتمالاستدارتها ، لتعود يداها للعلو في ارتعاشة النفي مخرسةً ظاهرياً الألسن السود ..
من الرملة جرجرني استفهام الدكتورة : الأولاد خمسة ؟! لماذا ؟
- ما أدري ..
- اسمعي ..
عادةً أهاتف الدكتورة قبل النوم مباشرة لأحمل توصياتها للسريرطازجة ، في الوقت الذي تتكاسل فيه أمي عن فتح باب غرفتي لترديد جملها الامتعاضية منمكالماتي الطويلة.
أتمدد ..أرخي عضلات جسدي كلها ، كالعادة تبقى عضلات رجلياليمنى مشدودة ، أتجاهلها ، أحاول أن أتنفس بعمق ..قبل الخدر بقليل أقف -كما أمرتالدكتورة - على بوابة الحلم .. بيني وجسد بيتنا الطيني تنبتُ بوابة خشبية كتلك التيعلى مداخل مقاهي أفلام الكاوبوي الهوليودية أطل من خلفها وأسأل أهل الحلم : إلى أينوصلنا ؟ ماذا حصل مع الولد وأمه والطاغية ؟
بعدها أرفع يدي عن البوابة ، أخفضجفني و… أنام.

المنبه يدس آخر صيحاته تحت وسادتي محذراًأن سيصمت ، بعده أمي بالباب تهتف : الصلاة.. أتطلع من النافذة ، الليل لم يستسلمتماماً ، مازالت عباءته تقاوم مشاكسات الضوء الأولى ، وهي تلمُّ أطرافها عن وجهالسماء .
بمجرد أن تطفئ البلدية أنوار الشارع يجب أن أكون في الزاوية تحت محلالذهب أنتظر السيارة التي ستقلني للعمل .
حين أتذكر ذلك كله تبدأ حركتي المحمومةمسابقةً العشرين دقيقة الباقية على الموعد .
على مقعدي المعتاد أَسْترجع ليلتيالبارحة ، ليتني أستطيع أن أهاتف الدكتورة الآن قبل أن أنسى من تفاصيل حلمي الجديدما قد يكون مهماً .
لولا ما أعرفه من فضول زميلتي التي بالمقعد المجاور لكنتكتبت كل شيء . احترازاً أعيد ترتيل الحلم مستحضرة روح الدكتورة ، أنا لم أرها أبداًمن قبل ، لذلك فأنا حين أستحضرها تشرق روحها هالة نورانية على ظهر المقعد الذيأمامي . أحكي لها مرة بإسهاب ، مراتٍ بإيجاز ، مرة أعلـّق ، حيناً أحلل ، وأحايينأصف .وهي تسألني : إلام يرمز هذا ؟ وماذا يعني ذاك ؟ فيما أنا أعتصر لغتي بحثاً عنألفاظ تبهرها ، كما في تعليلي لذاك الحلم ..
" كنت كدأبي _ وبدافع الحب _ قدحشرت نفسي في مشكلة بين صديقتين ، أردتُ الإصلاح فأغضبت الاثنتين مني وتألمتُ جداً، وفي الحلم شاهدت نفسي أقطّـع كبدة نصفها مهترئٌ ونصفها مقروح . أخبرت الدكتورةبالحلم فقط فقالت :
- تقطّـعين كبداً ؟! هل تفعلين ذلك عادة ؟!
- ليس دائماً ..
- ماذا تعني لك الكبد ؟
- في تراثنا العربي وفي لهجتنا المحلية _ حتىاليوم _ الكبد محل المشاعر ..حكيتُ لها عن كبد شاعرنا القديم المقروحة التي كانيريد استبدالها بأخرى صحيحة .
_ هذا هو .. يا سلام على الفنان !! هكذا انبرتالدكتورة تقول ، ثم أكملتْ وأنا لا أزال أغتبط بمديحها للفنان الذي هو أنا : تدرينيا وسمية بعض الناس حين أسألهم عن رموز أحلامهم يظل الواحد كالعنـز الدايـخة لاينطق "
فسرته لي لأنشغل آن كل حلم أعده لأبسطه تحت سمعها بهاجس أن أكون الفنانذاته الذي امتدحته علها تنفحني إطراءها .
بروح الفنان ذي أجتهد كل مرة في الصعودمع خيالها بتحليقاته المبهرة.
يومها عادت لكبدي المجروحة فعلاً والمقروحة ،قالت : لا يجوز أن تبقى هكذا ؛ عودي للموقف المؤلم.تنفسي بعمق وأنتِ تحيينهكاملاً.مع أنفاسك ستخرج ألوان تعبر عن مشاعرك التي كُبتت معه . بعد ذلك احملي الكبدبيديك ، أعيديها طرية طازجة ككبد طفل ، ثم قولي لهم : هاكم .. خذوها .
أنا لاأدري من هم هؤلاء الذين سأخاطبهم ، ولم أسأل الدكتورة ، لكني أظنهم سادة عالم الحلم .
أعود لحلم البارحة . أتهيأ لكل سؤال محتمل حتى لا أغدو عنـزاً غبيةً دايـخة ،أرتِّب لساني : " أنا بعد أن عملتُ ما قلتِ لي يا دكتورة ( لما سألت أهل الحلم عنالولد وأمه والوحش ) نمت فحلمتُ أني تلقيت خمس رسائل ،فتحت واحدة فاكتشفتُ أنيأخطأت تسلسلها فـقد كانت تلك رقم (3) في الترتيب.
كل الرسائل كانت معنونة بنفسالعنوان ، وأظن أن كلمة " باكية " تتردد فيه ، ربما يا دكتورة أن ثمة علاقة بينالرسائل الخمس والأولاد الخمسة في الحلم السابق ما رأيك ؟ "
حين أصل مقر عمليأكتب الحلم كاملاً ، وأضع عدة خطوط تحت كلمة " باكية "
لو الدكتورة سمعت الحلمالآن لرددت باستغراب : باكية ؟! فأجيب بتردد: يبدو أن لكلمة باكية هذه علاقةً ماببيت مالك بن الريب :
" فمنهن أمٌ وابنتاها وخالة وباكية أخرى تهيج البواكيا "
في الليل قالت الدكتورة : وماذا تعني " تهيج البواكي " ؟ تبكي بحرقة فتزيدبكاهن كلما هدأن ؟
أردتُ أن أُضيف الكثير لشرحها المبسط للبيت ، لكني مدركةًأنه صحيح جداً ضحكتُ كما يليق بعنـزة دايـخة ، وأمّـنتُ أن نعم .
حكيت لها أنالقصيدة تستوقـفني دائماً وأتساءل عن باكيتها مجهولة الهوية ،تلك التي قالوا أنهازوجته ، وقالوا أخته ، بعضهم جزم أنها حبيبته ، و آخرين أكدوا أنها بنته التي وجّـهلها قصيدة أخرى..
- لكني يا دكتورة لا أحسبها أياً من هؤلاء ، إنها باكية أخرىلم يعرفوها ..
- فمن تكون إذاً ؟
ضحكتُ : ربما أنا ..
صوت الدكتورة خرجعميقاً متبتلاً وهي تهمس : إذاً فهي روحك يا وسمية مختطفة بالبكاء منذ خمس حيواتسابقة ، هذا ما يقوله الحلمان .
- لكني يا دكتورة لا أكاد أبكي ..
- البكاء _ هنا _ حزنٌ يا وسمية .
الحزن كله انهمر من صوتها ليُغرق روحي ، من داخلي انتزعتُسؤالاً أردته طوقَ نجاة قلت: ماذا عن الحيوات الخمس ؟
حكت بشكل بدا لي مبهماًعن الحلول والتناسخ التي يؤمن البعض بها . قالت بأني لن أفهم ، وقلتُ ما تريد منيفهماً تشك في نتائجه ، ربما تخشى أن أحلل كلامها فتتقافز بي استنتاجاتي لأخرجها منالملة كما يفعل بعض ربعنا إذا سمعوا الغريب عليهم .
لما غاب صوتها السند عدتُلي ؛ آسى لروحي الموشومة بالحزن بشهادة الدكتورة والحلم .
تساءلت : أمعقول هو ؟أنا السعيدة دوماً المتفائلة أبداً .. الحزنُ مكتوب علي منذ خمسة أعمار؟!
أضفتُمحتجة : لكني لا أبكي. قالت لي الساكنة في أقصاي : بلى .. لقد ظللتِ طوال حزنينتبكين ، ومن يدري قد...

أتمدد ، أركّز على عضلات رجلي ، أرخيها ،عضلات يدي ، كتفيّ ، بطني ، ظهري ، وجهي ،عنقي ، جبيني ، ثم أتنفس بعمق : شهيق ..زفير .. شهيق .. رنين ..رنيــن ..
لمتُ نفسي : لِمَ نسيت أن أفصل الحرارة عنالهاتف ؟كيف لم أكتم أنفاسه ؟!
بحنق على من بدد استرخائي قمت ، أرفع السماعة : نعم ؟
كانت أختي ريم ، صوتها العزيز متى جاء يرفعني لطقس خاصٍ به وحده ، يوماًما سأسأل الدكتورة عنها ؛ من أين لها هذه الطاقة التي تبثها في روحي متى حضرتفأُشْرق ؟!
ريم شقيقتي الأصغر مني ، الأجمل مني ، الأعقل مني ، حين كنّا طفلتينكانت _ لولا بعضٌ من شيطنة _ الطفلة النموذج ، و كنتُ أنا الصورة السالبة لها ، أميتمدحها ، وأنا أضربها انتقاماً، وهي ترد لي الأذى مضاعفاً بأن تتجّمل في عيني أميأكثر. نكبر والمعاداة تبرد ، ونكبر ويشوب المجافاة اعتياد ، ونكبر وتَفْصُح الألفةعن محبة..حين تتزوج لا أبكي لكني افتقدها جداً ، ويظل صوتها كلما جاء يستثير كلمافيَّ من ثرثرة..
أحكي لها حكاية الحلم الأخير ، يستدرجني انبهارها _ رغماعتيادها شطحاتي _ لمزيد من البوح .
أثرثر خافضة صوت الدكتورة الذي يرن في أذنيمحذراً : لا تخبريهم يا وسمية ( على الأقل الآن ) ليست لكلماتك بعد وزنهاومصداقيتها عندهم في هذا المجال ، كل ما سيحصل أنهم سيشككونك في قناعاتك ، ولنيقتنعوا هم .
قالت ريم : حين تحكين لي " سواليفك " ذي أسير معك على خط تفكيركذاته وإن بدهشة ، وحين أنفرد بنفسي ويترجع في أذني كلامك أسأل نفسي عن اتزانكالنفسي !!
لأقطع شكها باليقين في صحتي النفسية والعقلية وشوشتها بأني الليلةسأكشف عن الباكية غموضها كما أمرتني الدكتورة .
سألتني : كيف ؟
قلت : أزورمرابع أهله ( مالك ) ثم أرتب باكياته ، وحين تزهر في أقصى المسرح باكيته المجهولةأتجه لها ،أرفع الغطاء عن وجهها لأعرفها ..
ارتعشت سماعة الهاتف في يدي منشهقتها وهي تهتف: فكرة مرعبة ، لو كنتُ مكانكِ ما فعلت .
حاولت تخيلها لو كانتْمكاني ( تعيش يومياتي ) فسألتها : أما تتمنين تجارب كتجاربي ذي ؟
لم يستغرقترتيب الإجابة فترة طويلة ، كأنما تخرجها من أحد دواليبها العتيقة قالت : أنا ..لا .. ينقصني الكثير من الجنون لأفـعل .
أودعها . أفصل سلك الهاتف ، إطلالـة علىالصالة ، بعدها أندس في سريري ، أتمدد ، أرخي عضلات جسدي ، أركّز على عضلات رجلي ،أرخيها ، عضلات يدي ، كتفيّ ، بطني ، ظهري ، وجهي ،عنقي ، جبيني أتنفس بعمق : شهيق ..زفير ..



,’

,’


يتبـــــــــــــــــــــــع~

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-27-2010, 12:53 PM   #2
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
افتراضي

(2)

موعد إرسال مقالتي الأسبوعية للجريدة حان و الباكية لازالت بين عيني ،كالعادة أحاول الكتابة إلا فيمايشغلني ، وكل كتابة أيضاً أنهزم . قرَّبتُ أوراقي وسجلت تحت عنوان " باكية " :
" كل مرة لا أقرأ قصيدة مالك بن الريب في رثاء نفسه حين أقرؤها بل أحياها،وألقاني مشدودة لبيت فيها ما أظنه يحسب في ميزان جمالياتها. ذاك الذي فيه مالكالفارس المغترب يواجه الموت وحيداً نائياً يرعبه خلو آفاقه من أحبائه يتفجع شعراً :
" تذكرت من يبكي عليّ فلم أجد "
وهو يريد كل الدموع: العاجلة، الآجلة ؛أغزر ما قد تجود به أعين من دموع .
يستنـزف بدءاً دموعاً ممن لا أعين لهم : يُبكّي سيفه.. يبكّي رمحه ولا يكتفي.. يبكّي فرسه ، ثم لا يكتفي . يجتلب خياله صورقريباته البعيدات يحشدهن حوله: أم وابنتاها وخالة ، وقرينته، وابنته، وبماسوشيةتليق به وحده يجسد لهن ميتته التي لن يفينها حقها نياحةً ما لم يرينها، يبلغهن ألاّتلاقٍ بعد اليوم فيستجبن ويبكينه ولا يكفيه ؛ كل الدموع المنسربة من الأحداقالحبيبة لا ترضي إحساسه بقيمته كمفقود فيفرد بناحية مجلساً لباكية أعلى صوتاً ،باكية أخرى تهيج البواكيا كلما جفت مآقيهن أنشجتْ فرفـعت فيهنالوجع بكاءً يبدأ كيلا ينتهي .
ذا ما كان يشدني في القصيدة، كلما قرأتها توقفت عند بيته الذي حوىذي الباكية وتناثرت استفهامات بعدد أحرفه : ترى من هي؟ قيل لي : قد تكون زوجته ،وقيل : بل ابنته ، وقيل أنها ربما هي حبيبة ما أراد فضح اسمها وما تطاوعه نفسه إلااعترافاً بوفائها الـ باكِيهِ . لكني بعد كل قراءة للقصيدة أخرج أكثر تشككاً فيشخصيتها.
اليوم حين استرجع القصيدة وبيتها الـ.. يعاودني استفهامي، لذا أجدنيأخط رمساً تذكارياً لمالك قرب مرابع أهله بداخلي ثم أصفُّ باكياته حوله فإذابالباكية المجللة غموضاً تنبتُ بطرف المكان، أقترب منها قبل أن تبدأ مهمتها الأهم ،وبتردد أرفع النقاب عن وجهها فيتكشَّفُ عن ملامح كملامحي ! "
ريم لما قرأتهاسألتني : أهذا ما حدث ؟
_ الحقيقة أني لما رفعت الغلالة عن وجه الباكية كانوجهها بلا ملامح ، أما كونها أنا فـقد أحسسته فـقط وأنا أكتب المقالة .
تظهرالزاوية في موعدها فأحزن ، وكلما أردد النظر فيها أحزن أكثر ، قبل الكآبة بمسافةواحدة يصلني طرد بريدي أفتحه وفي سجل يومياتي تلك الليلة أكتب : " حقاً المصادفـاتلا تحدث مصادفـةً ؛ برنامج التطوير الذاتي (السعادة في ثلاث شهور ) الذي طلبته منفترة طويلة تأخر جداً ليصل في أنسب وقت ، حين وجه الباكية يحاول ارتدائي "

-------------------------------------------------------
ذات زمانقديم قالت ريم حين تبكين أعرف أن أمراً خطيراً جداً حدث . هي تعرفني جداً وتعرف أنباستطاعتها أن تعد في لحظة المرات التي رأتني أبكي فيها . أما أنا فأستطيع حصر مارأت منها وما لم تره ..
أطرف المرات التي بكيت فيها كانت في بداية احتكاكيبعالم الدكتورة هناء ، كنت أقرأ مقالاتها فتشدني ، أنتظرها في مواعيدها ، أجمعقصاصاتها، أعرضها على بعض صويحباتي في المدرسة .أعني البعض الأقل منهن ممن يقرأ .
كنت بينهن قلما أتحدث فلا أستشهد برأي قرأته لها حتى عرفتُ بحماسي لكل ما يصدرعنها .
من ناحية أخرى كنت أسمع من صديقة الكثير من أفكار الدكتورة التي لاأجدها في مقالاتها، كانت الأفكار عبرها أجمل ، أقرب، أفصح ...
صارت فكرة مقاربةعالمها تلح علي ،طلبت منها رقم الدكتورة فتمنعت ، ما أرادت أن تغضبها ربما ، لكنهاأعطتنيه أخيراً ، هاتفتها فرحبتْ ثم اعتذرت بأنها مشغولة .
بعد أيام قرأت مقالةأخرى لها في الجريدة تحدثت فيها بشكل رمزي عن مفهوم القيم في عصرنا وأن لا أطرواضحة له ، وقتها كنتُ مقتنعة أن ذلك غير صحيح إطلاقاً فوجدتها فرصة لأثبت لها وعييومعرفتي . مقتنعة بعدُ أن لا سبيل لإثبات التميز إلا المخالفة ، دبجت لها تعليقاًبأسلوبي الأدبي الراقي انبهرت أنا به قبل أن أرسله،ثم .. إلى فاكسها مباشرة .
هاتفتها منتظرةً تقريضاً يليق بي.. بمجرد ما سمعتْ اسمي سألتني غاضبة : ماذاتريدين مني بفاكساتك واتصالاتك ؟
كان سؤالاً طعنة تحشرجت إجابته في حلقي ، خرجبعضها تمتمة والتصق باقيها بلهاتي مرارة ظلت في روحي يومين متتاليين.
تساءلتولولا خوفي منها لسألتها : ما خطأي ؟ .
انفرط وجعي دموعاً خرساء ، استشفتها هي، حاولت التخفيف عني حين الوقت فات لثنيي عن دخول مدينة الألم .. أذكر الآن كلمتهاالحنونة : ماذا أفـعل لتكفّي عن البكاء ؟
ماذا تفعل ؟ حين أبكي لا أريد إلا أنتغمض الدنيا عينيها فلا ترى ضعفي .
أغلقت السماعة بعد أن طلبتْ مني أن أهاتفهامتى شئت..
في ذلك المساء أخواتي لاحظن أني أغوص داخلي بين حين وآخر ثم أعود وقدشرقت عيني بمائها.
ربما سألنني فما أجبت ، كنت فقط أتذكر أني أردت قربهافأغضبتها وقدمت نفسي لها في أسوأ صورة ، ربما مذ ذاك الوقت أو قبله اقتنعت أني لاأُحْـسِن ترك انطباعٍ جيدٍ عن نفسي في المرة الأولى مع أيٍ كان ..
أوجع البكاءلا في حينه بل في ذكراه دموعي التي رآها قريني السابق ، ذاك الـ غادرته منذ سنوات ،ذاك الـ رآها فأساء فهمها ولم يقدّرها ..
أمامه فـقط لم أُخف دموعي ولم أخجلمنها ! أحيانا أتساءل لم هو بالذات ؟ أهو الحب ؟ ألأني أحببته ؟ فهل الحب ضعف ؟ أمهو استساغة إظهار الضعف ؟
" البكائيات الأخرى كانت أخف تأثيراً في آنها ومداها" أقرر ذلك والحلم وكلام الدكتورة بين عيني ، وأنا أريد أن أحتج : أروحي مختطفةبالبكاء ؟! المرات المعدودة التي بكيت فيها طوال حياتي لا تؤكد ذلك .
الدكتورةتقول أن بكائي ذا " حزن " حزن اختطفت روحي به من خمس حيوات سابقة ..
قلتُ لنفسي : " الجهل أفضل من بعض المعرفة " و بذي القناعة ألجمتُ جوامح استفهاماتي عن " الحزنالمُتخطّف لروحي " أقد بان فيما مضى من عمري أم محله الآتي ؟ وهل من أمل في أنأتحرر منه ؟

-----------------------------------------------------------


فيغرفة أخواتي قرب الباب أقف . أنظر للصالة . عينها الذئب غافية ..بمزيد من التحديقأمرن ناظري على اعتياد الظلمة مترقبة بفزع مجيء أحدٍ ما ، أحسه سيهبط من الأعلى ،عيني على السلم ، من آخر درجاته قد يبزغ الآن ..
شقيقي الأصغر "سعود " خلفي فيالغرفة يحادث ريماً ، لكني أراه اللحظة التالية آتياً من المطبخ ! أريد أن أسأله : كيف ؟ فـ… ينبتر الحلم .
بعيون مواربة بكسل أعيد ترتيب صور العالم من حولي وأناللتو أفترش بساط اليقظة ، متمتمةً بلاوعي : " أهلاً يـا مطير .. أهلاً يـا مطير .. أهلاً يـا مطير .."
يتردد صدى الكلمات في رأسي. أعيه فأنتفض ، أتلفف بلحافيخائفة من ذا المطير الذي أرحب به ولا أعرفه، أخاف أن يهجم علي فيعيق لحافي هربي لذاأطرحه برعب . أتلفت حولي ، أوقن أنّ وحشاً هلامي التقاسيم في الخارج سينقضُّ متىأحس بصوت في أي مكان ، أستعيذ بالله من الشيطان ، أحاول أن أتنفس بعمق فيلتهب صدري، ويتجمد جبيني . أنظر للساعة في انعكاس الضوء الخافت من النافذة فأجدها الحاديةعشرة والنصف . أحمد الله مطمئنة نفسي أن الدكتورة بالتأكيد لم تنم بعد .
برعبأتسلل إلى مكتبي ، أحاذر أن أصطدم بشيء من أثاث الغرفة في الظلمة فينتبه الرابضخارجاً .بأصابعٍ مرتعشة أتحسس وجه الهاتف البارد .
يأتيني صوتها مُرَحِّـباًفيتبخر الوحش غيظاً وجبناً وأهلوس أنا : دكتورة .. دكتورة ..حلمٌ آخر.. حلم ليس فيهما يخيف لكني خائفة .. " أنا لم أفهمه ، قد لا يعني شيئاً "
بعد أن أغلقالسماعة يتسرب الخوف لداخلي مجدداً فأهرب لغرفة شقيقاتي ، أتطلع في وجوههن التي لميجعدها حلم كحلمي الليلة ، ثم أعود لغرفتي .أستلقي في سريري. أقطّـع هواجسي بكلالتعاويذ التي أحفظ والتي أبتكرها للحظتها .

---------------------------------------------------

_ مطيراً ؟تقولين مطيرا ؟ ما هذا الاسم ؟!
تتـعالى ضحكتي المغتبطة بي في وجه مها : اسأليالحلم.
حين أتعقل أكثر أقول لها : كما قلتُ لك استيقظتُ لأجدني أردده... تصدقين ..؟ الدكتورة أيضاً سألتني نفس السؤال فأخبرتها أنها المرة الأولى التي أسمع فيهاهذا الاسم !
قالت مها : بسم الله .. كأنه اسم " جني "
ضحكت مرة أخرىوأخبرتها أن الدكتورة أكدت أنه أحد الأولاد الخمسة المختطفين .
_ هيَّا يا مهاباركي لي ؛ حررنا واحداً .
- مبروك ولكن ما علاقة هذا بالحلم السابق ؟!
- في الحلم السابق كنا فتحنا الرسالة الثالثة في الترتيب ( أطلقنا الولد الثالث ) وهذا اسمه " مطير " الدكتورة تقول أن خروجه من المطبخ له دلالته ( من مطبخ روحي خرج )
- وأخوك سعود ما علاقته بالموضوع ؟
- الولد يشبه سعودا في صفاته ..
سألتني مها عن صفات سعود ( أبرزها ) فبدأ عدد من صورنا العائلية يومض أمام عيني، في ثنايا الصور يندس سعود ، طفلاً تتآمر ضد شخصيته الرجولية قامته وسني عمرهالمعدودة فتظهرانه أصغر مما هو..
مع تتالي الصور تبزغ ببالي فكرة عجيبةلِجِدَّتِها ؛ هذا الكائن نصف الرجل ونصف الطفل تقول نظرات الأهل في الصور أنه يحظىباحترامهم أكثر من غيره من الأشقاء الأكبر ، في صور المشاحنات العائلية لا يكاديُرى ، وحين يحشر في إحداها لا يبدو أن هناك من يستطيع أن يدوس إصبع رجله الأصغر .
ألملم الصور وأعيدها لعتمة الذاكرة ولمها أُصرّح : أكثر ما يميزه استقلاليتهالتامة.
أضغط السماعة وأؤكد : كذا قلت للدكتورة ، وهي قالت : إذاً فهيالاستقلالية ، وقد أمّـنتُ أنا متذكرة أن هاجسها الذي ظللت الأعوام الخمسة الماضيةأمسّده في داخلي هو ما يسيطر علي هذه الأيام بصورة أنا نفسي أتعجب منها .
مهامفجوعة قالت: استقلالية ؟! أكثر من استقلاليتك الآن ؟! مساكين أهلك لو كنتِ ولداًلكانت المصيبة أهون ، لو كانت الديرة أخرى لكانت المصيبة أهون .. مساكين أهلك ؛كممن المتاعب سببتها لهم جرياً وراء الانعتاق !!
العزيزة مها الفتاة التي ماعرفتها إلا مسالمة ، من غيرها يفجعه حديثي عن استقلالية أكبر ؟!
مذ عرفتهازميلة دراسة ما ارتفع صوتها في خصومة ، ولا تعصبت لرأي تطرحه ولو كان الأجمل ،وكثيراً ما هو..
فتاتي السمراء النحيلة الطويلة كان كل ما فيها انسيابياًتماماً ، لاشيء نافر فكيف تتعاطف مع النافر ؟ لكنها دوماً تفهمني قدر ما أريد ،وتحبني للحد الذي أريد .

------------------------------------------------------

الأيامالتالية للحلم الأخير ألزق صورتي وصورة سعود بمخيلتي متجاورتين وأحاول أن أصلللاختلافات والمشتبهات الجديدة والقديمة بيننا .
سعود أكثرنا في العائلةتحقيقاً لرغباته ، هو لا يصادم أحداً إلا نادراً ، يجيد الالتفاف على كل العوائق . قليلاً ما يقول لا ، ورغم ذلك فهو لا يفعل غالباً إلا ما يريد !!
هذه الأيامبدأت أفكر في هذه الصفة التي بها كان يخترق قوانيني حينكنتُ شرطية العائلةالمتفرغة لهذا العمل وحده ، أفكر فيها فأتمناها عارفة أني لو كنت امتلكتها لربماتفاديتُ مشاكل كثيرة في البيت ، وفي المدرسة وأني لو أمتلكها الآن لتفاديتُ عواقبصداماتٍ تباري خطواتي في عملي الجديد كما فطرٍ سام .
قبل مدة حلمتُ أني فيسيارة مسرعة على طريق جبلي ، كان الطريق على ضيقه مزدحماً بالجِمال . أصطدم بهاواحداً بعد الآخر ،كلما ناطحني واحد نطحته بجبين السيارة ، الجمال كما في ألعابالبلاي ستيشن تفرقع ثم تختفي .كنت خائفة قليلاً من النتائج ( قليلاً فقط ) قلت : بدلاً من أن أصدمها فلأجرب أن ألتفّ حولها وأكمل سيري.
أقرر ذلك في اللحظة التييظهر في منبت الطريق جمل أسودٌ ضخم . أتفاداه فأسلم .
أروي الحلم للدكتورةفتبشرني بتغير في شخصيتي التي سأحاول أن أنـزع عنها شارة الصدامية لتصير مثل سعودتحصل على ما تريد وقتما تريد بأقل قدرٍ من الخسائر .
حتى اللحظة بعد كل موقفعنيف أجتازه أعود لي . أسترجع الحدث أنـزع صورتي منه ، و ألزق صورة سعود فتختلفالأحداث .وأقتنع أن ثمار الحلم لم تنضج بعد .

-------------------------------------------------------

قلت لها : " أتريدين أن تكوني من أبطال الحرية ؟! أتعرفين أين هم الآن ؟ تماثيلهم في الشوارع، أما هم فـقد ماتوا ( قُتلوا ).
هل هذا ما تريدينه لنفسك ؟! يا بنتي مذ بدأتِالتدريس قلتها لك كلمة لم تعيها وقتها : حين تهب الريح اخفضي رأسك حتى تمر ، لنيضيرك ذلك في شيء . وحدها الأعشاب الصغيرة تبقى بعد العاصفة .تذكري ذلك "
كنتأراها تشوه علاقتها مع مديرتها في المدرسة فلم أحتمل ، نسقت كلامي جيداً ، وحكيتهلإحدى شقيقاتها قبل مواجهتها لأتلمس معها ردودها المحتملة .
نعرف جميعاً أن ليعنق عادات وسمية أمر أقرب للاستحالة لكنني قررت أن أحاول ..
ناقشتني قليلاًوأنا ألقي درسي عليها ثم سكتت ..
خرجت مسروراً في تشكك كالعادة ، لكنها ( وكالعادة أيضاً ) قصفت عمر فرحتي ؛ سمعتها تحادث صديقة لها ، تروي لها ما دار فيجلستنا ، ثم تقول : ذاك أبي وتلك كلماته القديمة ، يظل يأكل بها أذني آن كل غلطة ،ثم يسرد حكايات مقتطفة من سيرته لأخذ العظة ، أبي شبه الكامل في سلوكه أحبه ، وأكره صورة الرجل المثال التي يصر على أن يوشِّح بها سيرته ، أنفر من ذلك أكثر إنكان السياق انتقادات لسلوكياتي المصادمة للسُّلطة أنى كنت .
لم لا تشبهني الآن؟! لم لا تشبه أخاها سعوداً ؟!
أحياناً أتذكر فورة شبابي فأقول : ربما حاولتفلم تستطع ، مراتٍ أومن أنها لم ترد بعد بالشكل الكافي .
اليوم عرفت أنها لايمكن أن تريد..
حكت لي أمها حادثة حصلت معها اليوم في المدرسة .
" قابلتْزميلة لا تكاد تحتك بها ، استعرضتا آخر مستجدات تجبر مديرتهما وما يجب أن تفعلا ،قالت وسمية أنها كانت محبطة وتظن ألا مجال لفعل شيء ، فظلت تلك تتأملها ، ثم قالت : هناك حكاية أحكيها دوماً لطالباتي ، يقال أن فيلسوفاً سُئل ذات مرة " هل تُغيِّرنقطةٌ مجرى النهر ؟ " أتدرين بم أجاب ؟
بعد لحظات صمت تشويقي سألتها : لو كنت مكانه يا وسمية بم كنتِ تجيبين ؟
تماماً جاء الرد على مقاس أفكار وسمية ، قالت : بالنسبة للنقطة فيكفيها شرف المحاولة ، ثم .. مادامت واحدة قد استطاعت السير عكسالاتجاه فيمكن أن تلحقها نقاط أخرى كثيرة .
نفحتها الأخرى إطراءها ، ولم تدرِأنها إنما كانت تعبر عن نفسها ؛ الصدامية ، المخالفة ، ثم تلك الثالثة التي ينطقبها لسانها المتغطرس دفاعاً عن فعلة جديدة لم ترتكب قبلها " اعتدتُ أن أشق الطرق لاأن أسير فيها "
كم مرة صادمتني أنا ؟ لعل من الأسهل لو سألت : كم مرة امتثلتوأطاعت ؟!

---------------------------------------------------

ـجميلة صورة بطلة الحرية التي أسبغها أبوك عليك يا وسمية .
ابتسمت وقالت متفلسفةكما هي دوماً : هذا الجانب فيَّ لا يعرفه أحدٌ كما يعرفه أبي يا مها ، أكاد أجزم _ رغم الصورة المسالمة التي يرسمها لسانه له _ أنه حاول في زمان كنتُ فيه أصغر من أنأعيه أن يتصرف بما تمليه روح بطل الحرية ، وأكاد أجزم أنه لقي في ذاك الزمان ماألقاه أنا ابنته وامتداده من ضرائب نشدان الحرية .
أحياناً حين ألجأ للدكتورةوقد أدخلت نفسي في مأزق جديد ألاحظ أنها أيضاً لا تريد لي دور بطلة الحرية ، فأقولأنه هاجس الأبوة والأمومة في الاثنين يريد لي السلامة ، لكني كل مرة لا أَسْلمُ ( لا أحاول )
أتذكر كلمتها عن والدها حين قالت أنه مريض بالألفة ، وأفكر أنهاربما مريضة بالاختلاف ..
هذه القوة غير الموجهة فيها أخاف منها وعليها ، وحينأحاول إقناعها بالعدول عما أسميه تهوراً لا تغضب لكنها تقول بشموخ يبدو مضحكاً : هيإرادة الله ، ثم تعود لتقص علي حكاية حلمها النبوءة كما تسميه .
تذكرُ برهبة ( غير متناسقة مع سيرتها ) عن تلك اليد الضخمة التي لا تشبه يداً بشرية تعرفها ، التيكأنما تنزل من السماء مفرجةً ما بين أصابعها ..
ولا تنسى أن تذكرني أنها نزلتفي ليلة عصيبة ، هلهلت فيها شباكاً أحاطها بها السيئون الموترون من عدالتها .
أكاد أكمل عنها فأقول : " وأخبرتِ الدكتورة بالحلم فأمرتك أن تقتربي منهاوتسأليها ما تريد ثم تنامين ، دون أن تلمسيها لأنك ودكتورتك لا تدريان بعد أخيرٌ هيأم شر ؟ "
أود أن أفعل ، لكني أحبها ، ولا أحب أن أغضبها ..
أتابع عينهاالمرتفعة صوب زاوية رأسها اليسرى وهي تهبط قليلاً لتتجه صوب أذنها مستخرجة كلماتدكتورتها : من قال أن عصر المعجزات انتهى ؟! تلك يد سماوية يا وسمية ..
ورغماعتيادي المشهد كله إلا أنها تفاجئني كل مرة بصوتها وهو يعلو مردداً " يد سماويةلوسمية "
أبتسم ، أهز رأسي مبددة نبوءتي السوداء ( تمثال غامض لامرأة أظننيأعرفها في أحد ميادين بلدنا )
كل مرة يقرر فيها دور بطل الحرية أن يلعبها يغرربي بفكرة النقطة المتفردة التي تسير عكس اتجاه مجرى النهر ، أحياناً يطمئنها بأنتلك اليد ستهبط مرة أخرى لتنقذها ، تاركة أمر حساب النتائج إلى حين تهطل .
الأسوأ أنها أحياناً تورط معها غيرها .
قالت مرة وهي تغرر بأخرى : التغييرابن الروح الجماعية وإن كانت شرارته فردية .
أقول لها حذر أن تلتفت لي : دعيعنك من لا يريد أن يفعل ، فتتحمس أكثر ، تهتف : آن كل مغامرة لا أريد أن أحرم منحولي لذة إزالة قشرة الرماد عن فوهات مكامن القدرة فيهم ، طاقة التمرد تكاد تكونالوحيدة بين طاقاتي التي لا يحتملها جسدي وحده ، وسواء أذنتُ أم لا فهو في كلمناسبة يبثها في كل جسد يدانيه .

--------------------------------------------------

فيم لم تشبه سعوداً بعد ؟ في التركيز على الهدف ، والبعد عن المعارك الجانبية أو المعروف حجمخسائرها مسبقاً ، رغم حلم السيارة المجنونة التي تحلت ببعض العقل مؤخراً إلا أنهالازلتها تلك التي تنطح كل جمل في الطريق مقتنعة أنها أقوى منه .
فيم يشبههاسعود ؟
الاستقلالية التي لا زالت تنشد المزيد منها .. حقاً مساكين أهلها لوكانت ولداً لكانت المصيبة أهون ، لو كانت الديرة أخرى لكانت المصيبة أهون .. مساكينأهلها ؛ كم من المتاعب ستسببها لهم جرياً وراء الانعتاق !! مساكين ..

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2010, 04:49 PM   #3
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

بعينيه المفتوحتين علىاتساعهما سروراً أبدياً ، وشعره الأبيض الذي لم يفلح في تغطية عمره الصغير ، وخديهالأحمرين ، وحاجبيه المقوسين بشقاوة حبيبة ، بثوبه المرقش وقبعته العالية التي هيحديقة الألوان كلها ،بيديه الصغيرتين واحدة ممتدة لي لتسلمني راحتها ، والثانية منمجلسه الذي لا يفارقه على مكتبي جنوباً صوب مقر عملي تشير فيما يردد كله : تفضليإلى قلب علياء ، وأهمس له حتى لا يسمعنا أحد : عساه مكاني أبداً يا زاهي .
هيأهدتني إياه ، لم يكن قد مضى على معرفتي بها أكثر من ثلاثة أشهر ،كانت علاقتنا فيهاتتوثق بصورة سريعة جداً .
قبلها بأيامٍ كنت أحدثها عن صديقةٍ قديمة فقلت أنيدوماً أفسد علاقاتي الجميلة . كانت هذه كلماتٍ مطمئنةً لها جداً !! صمتنا كلتانابعدها، ثم عوضاً عن أن أصحح غلطتي انبريتُ قائلة : الله يستر !
بسرعة هتفتْ : كنتُ سأقولها ..
لفنا الصمت أخرى حتى قالت ضاحكة : ولكن لماذا \" الله يستر \" ؟
لمست في سؤالها رغبتها في أن تستدرجني لاعترافٍ أولٍ بمكانتها في نفسي ، ولأنيمدينة لها بأكثر من اعتراف قلت في محاولةٍ لمحو خطيئتي السابقة : لأن هناك علاقةجديدة جميلة تتشكّل وأخاف أن أفسدها .
بشقاوتها التي أحب قالت : إذاً احرصي علىألا تفـعلي ..
ليلة رأس السنة الهجرية الجديدة قالت لي : غداً منذ الصباحتأتينني في مكتبي .. سأنتظرك .
من السيارة أهبط وأنا أستعيدني تفاصيل حركتيخلال الدقائق الخمس التالية قبل مكتبها علني ألتقط خطوة مطولة فأختصرها ، كنت حريصةعلى أن أكون - كما وعدتها البارحة - الأولى في مكتبها الذي يزدحم منذ الصباحبالجميع ، أدخل الغرفة وابتسامتها الحبيبة تلقاني ، تأخذ يدي بيديها معلنة أنهادخلت مغمضة العينين حتى يكون وجهي أول وجه تراه مطلع العام !!
من ذا البعدأتساءل : هل كان وجه سعدٍ عليها وجهي ؟ لولا خوفي من إجابة تؤلمني جداً بصدقها أوتجرحني بمجاملتها لسألتها...
ذاك الصباح من تحت مكتبها أخرجتْ الجميل الصغير ،أرجحته في الهواء ممسكةً بقبعته المخروطية ، مدتني به فتلقفته بيدي الاثنتين ،أتأمله وألملم أطراف لساني لأجد ما أعبر به عن امتناني .
يهرب حرفي المناسباتيفلا يسعفني غير سؤال ربما كانت هي تنتظره ، قلتُ : إلام تشير يده هذه الممدودة ؟
نظرت في عيني وقالت : تقول تفضلي إلى قلب علياء .
أرتبك فتسألني : ماذانسميه ؟
-ماذا نسميه؟ هذا الصغير الزاهي .. ماذا نسميه ؟
وضعت يدها علىكتفي وهتفتْ بغبطة : زاهي .
زاهيها / زاهيّ / زاهينا زهـى في بالي لما قالتالدكتورة أن عالم الروح يحب الرموز وأن علي أن أجعل للولد الذي حررته ( تقصد مطيراً ) رمزاً عندي وأحسن معاملته ؛ أكلمه وأطلب منه أن يدعو أخوته الباقين للخروج .
أحكي للدكتورة عن زاهي ، أصفه بسرعة وأسألها إن كان ينفع أن أجلب واحداً يشبههليكون الرمز الذي تتحدث عنه فترحب ..
في السوق أبحث عنه ، و أُعِدُّ له لسانيالمجنون .
وفي البيت أنظر للمهرجين الصغيرين الذيْـن جلبتهما ، أرفع أخضرهماوأقول : أنت مطير ، والثاني سيسمي نفسه حينما يخرج من الدايرة .


-----------------------------------------------------------

ريمتتفحص الصغيرين الملونين ، وتسألني : مادام قد خرج واحدٌ من \" جنك \" فلماذا أحضرتمهرجين لا واحداً ؟!
_ لأني أتوقع خروج الثاني سريعاً فأريد أن تكون صورتهالمجسدة أمامي حتى إذا أراد أن يجيء لا تظل روحه تحوم في المكان ما تلقى جسداً تحلفيه .
أصد عنها وأنتظر خروج صغيري الذي لم أحدد بعد مشاعري تجاهه . أناجي الأول :\" غداً يا مطير حين يخرج كل رفاقك سأغدو أجمل \"
أقعده على راحتي وأضع عيني فيعينه : \" مطير هل أنت حقاً _ كما يقولون _ جني ؟
أتدري .. كلما يتكلمون فيمجتمعي عن الجن أحسه عالماً مبهراً لشدة غموضه . أحياناً أشك في كل الروايات التيتحكي عمن يتلبسهم الجن .. حتى حين أُصدّق أصدّق بحذر ، ثم أرجع لعقلي وأردد : لمأرَ شيئاً بعيني إذن لا شيء قاطع في هذا الشأن .
بعض السود في المدرسة (حين أناطالبة ) كانت الزميلات يتهامسن أنّ فيهن جناً ، البعض ( حين أنا معلمة ) يحكين عنقريباتهن المسكونات ، لكنَّ واحدةً لم تقل ذلك عن نفسها ..مراتٍ أتمنى _ لو علىسبيل التجربة _ أنْ أُحسُّ لمرة واحدة فـقط بهم ..
أُومئ إلى \" ليلة الجن \" التي حكت لنا أمي عنها فينفض مطير رأسه المخروطي مستفهماً : ما قصة ليلة الجن ؟أجلسه على طرف سريري . أداعب أنفه الأفطس وأبدأ روايتي :
\"حين كنا صغاراً كانتأمي في أماسي الصيف تروي لنا الحكاية التي لا نملها تقول : \" كانت جارتنا معروفةبكونها مسكونة ، لم أكن أخافها، ولم ألاحظ عليها شيئاً غريباً إلا تلك الليلة لماذهبنا نسقي .
على البئر صارت تضحك وترش الماء على الزاوية الغامقة منه وتسبشخصاً لا أراه . ثم حملنا قدورنا وسرنا ، في الطريق كان يبدو أن هناك من يهز قدرهافوق رأسها . كان الماء يتناثر رغم محاولاتها منع ذلك ، ثم فجأة ظهر مخلوق أسود صغيرشكله بين شكل القط والقرد ، وصار يتدحرج أمامها حتى وصلنا بيتنا ، بدا لي أنه جنيهايعابثها .
خفت وصرت أستحث رجليَّ التي ثقلت من الرعب لنصل ، لكنا لما دخلنامنـزلنا طلبت المرأة من أمي أن تجعلني أنام عندها تلك الليلة لأن زوجها مسافر وهيخائفة ، لم تخبر أمي ، وأنا خفت أن أفعل فينتقم مني جنِّيها .
أمي أمرتني أنأرافـقها . لم أجد بداً من الامتثال فاشترطتُ أن يذهب شقيقي الأصغر معي .
كانتليلة طلع فجرها ولم يغمض لي جفن .جنيها انتظرنا بوجهه القط عند باب بيتها . دخلناإحدى الغرف بسرعة وأغلقنا الباب ، مواؤه الزئير شلَّني من الرعب ، فيما كانت المرأةنائمة أو تتظاهر بذلك \"
هذه حكاية أمي والجن يا مطير .على كلٍّ في ذاك الوقتكانت طـفلة ، وربما ضخم خيالها القصة .
أتدري .. مراتٍ يجرفني فضولي المجنونفأصرح برغبتي في مشاهدتهم ( الجن ) أقول ذلك في التجمعات الكبيرة علّ جنياً يسترقالسمع فيشاكسني من باب إثبات الوجود ..لكنهم والحمد لله لم يفعلوا..
المعتم أكثرفي الموضوع حديثهم عن المتاعب التي يسببها الجني لقرينه ، كلامهم يلقي في خاطريبظلالٍ جنسية لا أعيها وأخجل أن أسأل عنها .
بعد أن أعيد مطير لمجلسه ، أتذكرحكاية لا أحكيها له ، لأني لا أدري إن كان من جنٍّ في أبطالها أم لا ، قبله بعامينقرأتُ مقالة للدكتورة هناء عن فتاة مأزومة يبدو أن لها هواجس انتحارية ختمتالدكتورة كلامها فيها بالحديث عن أحلام البنت ، كانت ترى رؤوساً مقطوعة .
- أناأيضاً يا دكتورة أرى لا رؤوساً بل وجوهاً كثيرة .
-تحلمين بوجوهٍ كثيرة ؟
_ لا ، بل أراها قبل النوم . حين أغمض عيني تعتم الشاشة تبدأ الوجوه تومض ؛ يظهرالوجه من عمق الشاشة صغيراً وبسرعة يتقدم حتى يملأ الشاشة ، يختفي في اللحظة التيينبثق فيها الآخر من ذات البؤرة . لا وجه يشبه آخر في نفس الليلة ولا في اللياليالسابقة . لا وجه يشبه أي وجه أعرف. ملامح الوجوه ليست إنسانية بالتأكيد..رغم أنهامرعبة إلا أني لا أخافها لكني لا أحبها .. ما هذه يا دكتورة ؟
الدكتورة عوضاًعن أن تقدم لي تفسيراً فاجأتني بأمرها : حدقي في الوجوه بقلب رجل وعقل امرأة !!

---------------------------------------------------

الثانيةصباحاً أحمل وسادتي أدفع باب غرفة أمي مخلفة ورائي ابني وشيئاً لا أدري ما هو ..
لم أره ، فقط أحسست به ، أمي تسألني ـ وأنا أندس بقربها ـ عما بي فألهث وأصمت. لا أحاول التفسير . الخوف يعقل لساني والخجل من ضعفي يكبله أكثر ، يجعلني _ وأناالتي منذ ما لا أذكر من سنين لا أحاول حتى لمس أمي حين أحادثها _ أنطوي في رحم ظلهاالمنعكس من نور مصباح الصالة .
هو يعود ..أحسه ، أخافه ، أعوذ بالرحمن منه ولوكان جنياً .
وهو لا يرتدع ؛ يقترب ، أنفاسه تعلو ،تصطك بصدغي متسارعة ، عالية . لا حارة ولا باردة ، لكنها مرعبة .
محاولة الهروب مجدداً لن تفيد ؛ فـقبل فراريمن غرفتي كنت قد حاولت كل شيء .غيرت موضع رأسي ، قمت من السرير .. فتحت عيني علىاتساعهما عله يكون حلماً حين تتلبسني اليقظة الكاملة ينسلخ عني .. لكن جسده الذي لاأشك في ذكوريته رغم هوائيته يدنو أكثر كل مرة . لا اللحاف الذي أشده علي يقينيه ولاتراتيلي ..
في الصباح أتعجب : أنا التي لم أحدد بعد إحساسي تجاه ذاك الذي لاصقجسده جسدي عامين كاملين أقع تحت اختبار جسد ذكوري مرعب هو الآخر.. لِـمَ ؟!
فيالليلة التالية نمتُ بعد أن رأيتُ وجوهاً جديدة . استيقظتُ بآخر الليل لأجد ابني ( نادراً ) يدنو من سريري. أطل أنحف مما هو ، جسده ألين مما أعهد ، يتمايل كشخصياتمسرح العرائس باسماً ، مدلياً يديه أمامه. يمازحني ربما ! لكن شيئاً فيه لم يرحني .
أغمضتُ عيني ، ثم فتحتها ، عدت ألتفت لسريره لأجده فيه بمنامة أخرى غير تلكالتي كانت عليه قبل قليل . كان علي أن أفهم لحظتها أن \" جنييّ \" اختار الليلة أنيظهر صغيراً في صورة ابني .
الآن وأنا أعود لذكر هذا الموضوع ، للتفكير فيهولكتابته تعود لي الوجوه . هل أعود للتحديق فيها كما أمرتني الدكتورة وأستمر فيالتجربة حتى نهايتها أم أتجاهلها .
الدكتورة في المرة الأولى استحثتني قائلة : إنه عالم جميل يا وسمية لو دخلته ..
-أجميل هو عالم الجن يا دكتورة ؟!
- قديكونون جناً وقد .. لكنه رائع ..
لأول مرة لا أقتنع بما تقوله .أخجل من أن أقوللها أن ليس جميلاً أبداً ذاك الذي يسابقني إلى فراشي .. لهاثه الحشرجة لا يمكن أنأحتمله ولو قيل لي أن وراءه ما وراءه فكيف وأنا لا أعرف ما وراءه ، وهي لا تخبرني .
لم أعد أفاتح الدكتورة في موضوع هذا العالم بعد أن توقفت عند أعتابه المخيفةلا أتجاوزها بنظرة الإصرار على الولوج التي طلبت الدكتورة أن أتسلَّح بها .
الآنوالوجوه تدعوني للعودة تستجرني مرة أخرى أقرر أني أبداً لن أذهب ..
حين أخبرتالدكتورة عن اختفاء الوجوه في المرة السابقة ، قالت أنها انسحبت حين فقدتُ الإيمانبها .
في خاطري يومها قلت: أحسن . لا ردها الله .
الآن أشك إن كان أحسن أمأسوأ ..
أشد الصغير الملون من قبعته المخروطية . أحدق فيه بقلب رجل وعقل امرأةوأسأله : مطير هل أنت جني ؟ وهل كانوا هم أيضاً جناً ؟ هل أنت مؤذٍ مثلهم ؟ هل هممؤذون حقاً ؟
هو لا يفعل شيئاً غير أن يبتسم ، أيّاً كانت يومياتي لاشيء يُفقِدهانشراحه ، كم أحسده هو الآخر على ذي الميزة .
أقعده محله وأتحسس شعر زاهي الهائش فيبسم أيضاً ، و يومئ لي براحته المفتوحة \" تفضلي إلى قلب علياء \" فأُقَبِّلَهُ ،وبعيداً عن مطير أوشوشه : تظل يا ابن علياء _ كما هي _ اليقين الذي لا يخالطه شك .

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2010, 07:35 AM   #4
كاتب ذهبي
 
الصورة الرمزية كادي~
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 135
افتراضي

روآيه في قمـة الـروعـه...

<قريتها كلهاااااا كآمـله

يعطيكـ الف عآفـيه كـبـوووووورهـ...

لاعدمــنــا إبــدآعــكـ...

//

كـآدي~

__________________

كادي~ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-02-2010, 02:10 PM   #5
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

تلزمني أبجدية بكر لأحكي بعضاً من علياء توأم الروح التي ما كفَّتْ روحي عن الترحال حتىسكنتها وطناً .
كلما نقص منسوب الرضا في داخلي استعدت وجهها الحبيب ، ورويتُ لياليوم الأول في زمانها ( زمان علياء ) :
" مع بزوغ الشمس تحت محل الذهب أنتظرالسيارة ، قطة سوداء خرجت _ من حيث لا أدري _ تتمطى ، لمحتني فتجنبتني .
انتحتمكاناً قصياً ولبدت فيه ، قلت لها : لا تراعي يا جارة ليس سواي هنا ، وأنا _ بعدُ _ أليفة.
مدت الشمس أذرعها الطويلة فسقطت إحداها على وجه السوبربان المكفهر، زعقفجرت القطة بعيداً وجريتُ أنا نحوه ، أوراق توجيهي بيد وبالأخرى حزمة آمال معقودةبناصية غدٍ أكون فيه أنا كما أريد أنا ، في قوادمي قيود منسوجة من مخاوف أميوتحذيرات أبي.
على ظهري تشككات الرفيقات من قدرتي على الاحتمال والمواصلة ،الرفيقات اللواتي ركبن الفرصة لما عرضت وتوظفن وعملن يبغين حرماني من فرصتي الثانية، قلتُ لهن : الزواج أضاع التوظيف مرة ، ولن أدع الثانية تذهب حتى وإن كان مقرالعمل بعيداً . ما كنتُ أدري أن ذا البعيد سيهبني أقرب قريبات القلب .
آخر مزرعةفي الديرة تلوِّح بجريدها لي مودعة فيما تصفعني أولى العلامات المركوزة على جانبالمارد الأسود معلنة أن المسافة الباقية تسعين كيلاً.
أكثر من ساعة أستطيع أنأجتّر فيها قديماً كثيراً وأحلُم بجديد كثير..كل شيء يركض للخلف ، وجه أمي وحدهيدنو ، تودعني فجراً بدعواتها التي تنضح قلقاً : " الله يدّلك ولا يغويكِ "
منورائها يُطل أبي : أما زلتِ مصرة ؟!
أحاول ضبط صوتي الجامح صوب الاحتجاج : أماكنتُ قلت لك ؟ لو كنتُ ولداً ما وقفتم في طريقي؟
يهز رأسه كالعادة ويمضيفتتشقَّقُ الأرض تحت خطواته المبتعدة مخرجةً استفهاماً آخر : أصار أكثر استسلاماًلرغباتي مؤخراً ؟ أم أني صرتُ أشد تشبثاً بها ؟
التفتُ للناحية الأخرى فيشرقصغيري بوجهه الطفولي بابتسامته الحيية التي حين تتنامى لتخرج ضحكة كاملة تكون أقربلضحكات البنات منها لضحك الأولاد .
يتقافز حولي كما البارحة وأنا أتفقد للمرةالسابعة حقيبتي اليدوية لأتأكد من تمام محتوياتها ، صخبه يعلو على هواجس الخوفبداخلي ، يهدأ ليسألني : إلى أين ستذهبين غداً يا أمي؟
-إلى المدرسة.
-أنتِفي أي صفٍّ يا أمي ؟
_ في أي صفًّ أنا ؟ في أي صفًّ يجب أن أكون ؟
أفكرطويلاً وأنا أتأمل عمري الفائت سارحة في عمق عينيه البريئتين. كان يزوي خصلة نافرةمن شعره الغزير منتظراً إجابتي ، قلتُ : في الأول .
أفلتت أصابعه شعره وتعلقبرقبتي مردداً : أنتِ مثلي ، أنتِ معي. كلنا في الصف الأول هذا العام !
أمسحرأسه وأردد: هو ذا يا صغيري..إنه زمن البدايات .
أريد أن أسأله إن كان غاضباً هوالآخر من فكرة خروجي للعمل ، أقطف من مفرداته تقاسيم سؤالي ، أُنسقها ، وأقرر أنهلو أجاب بنعم فسأخبره صادقة أن لا خيارات لي ؛ أني لأجله سأذهب ، أني لا أقدر أنأُعِده للغد وأنا بلا حاضر.
حين يلغط سائق السيارة لزوجته بكلماتٍ لا أفهمهايهرب صغيري ، التفت ناحيتهما فينعطفان بالسيارة يساراً متجاوزيْن سرب الحافلاتالمصطفة أمام مركز التفتيش ، يومئ سائقنا بيده لشرطيها نصف النائم ، وحين يخلّفهوراءه يلعنه..
أنظر في الساعة لأحسب الزمن المتبقي ، نصف ساعة أقرر أن أمضيها فيترتيب ملامح وجهي الجديد ( وجه العمل )
حين تربض السيارة أمام البناية الحائلةالضخمة أرتعش ، أردد اتفاقيتي مع نفسي ( لن أصادم أحداً ، ولن أصادق أحداً ، ولنيستدرجني أحد لأحكي قصة حياتي ..)
السائق يتنحنح ، يبصبص في المرآة وزوجته بعينقوية ترمقني ، ينتظران نزولي الذي تأخر ، أفتحُ الباب وألقي عليهما نظرة أخيرة ،أريد أن أتبعها بسؤال : ما الذي يخيف في الجديد ؛ غموضه أم مغايرته؟!
من تحتشرنقتي السوداء أخرج أكثر رعباً ، لم أعرف مقدار ما كانت تمنحني من طمأنينة حتىنزعته معها.
أتلفت استنطق الوجوه في المكان ، كلها ابنته ، تعرفه ويألفها ،وحدي الغريبة .
أتبع حدسي صوب المكان الذي أظنه مكتب المديرة ، الباب مفتوح تسدثلثي فراغه عجوز سوداء ضخمة ، وأنا أقترب منها ألحَ عليّ هاجس أنها لن تتزحزح لتفسحالمجال لي للدخول .
ألقي عليها السلام فترده بارداً يربكني أكثر .
منذ صغريأخاف السود ، وهم كأنما يعرفون ... يتحرشون بحالات ضعفي الأقصى ليفضحوني أمامنفسي.
البلية السوداء ـ دون أن يرف لها رمش ـ لا تزال تتفحصني وأنا أتلفتُ مرسلةنظراتي المستنجدة لتصطك بكل الجدران المحيطة ، في ذاك المكان ، في زمان البدايات منإحدى الزوايا أطلتْ هي ، خلاصة الأنوثة ، ابتسامتها الصافية ـ وهي تلم ليل شعرهاالذي تعبث به نفحةٌ مشاكسة ـ محت الغربة كلها من داخلي.
تأخذني بيدي فأنقاد لهاكما طفل ، تطلع بي لمكتبها ، تتناول مني أوراقي وتنصرف بها للمديرة و أنشغل أنابتفحص المكان ، غرفة صغيرة ملمومة أنيقة ومثقفة ؛ هذا ما وشوشتني به كتب التراثودواوين الشعر في مكتبتها التي تفرد منكبيها العريضين على الجدار المقابل للباب .
في كل المرات التالية حين أدخل مكتبها يستغرقني سؤال: ألأماكن حين تحب أصحابهاتتشبه بهم ؟ أم هم مع العِشرة يأخذون من صفاتها ؟
تعودُ فأبادرها : جميلة " عِليتُكِ " ذي .
تضحك فأستعيد ابتسامتها الأولى : أهي أجمل حين تضحك أم وهيباسمة ؟
قبل أن ترجح كفة أحداهما يأسرني عمق عينيها ، ابتهل إلى الله ألا تكونتلك المسحة الساحرة فيهما حُزناً..
أبتهل من أجل الأنثى المصفاة التي رأيتها ذاكالصباح لأول مرة وتقسم روحي أنها تعرفها ..
تلك علياء التي يهمس صغيرها المرقشالذي ثوبه حديقة الألوان كلها كلما التقت عيناي بعينيه " تفضلي إلى قلبها " فأداعبخده الوردي قائلة : " عساه مكاني أبداً يا زاهي,,

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-02-2010, 02:11 PM   #6
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

صباح اليوم التالي كنتُ أنتظر اتصال علياء ، محملة بوجع لاأستطيعه وحدي ، أُقطّع الوقت باستفهاماتي : منذ متى غدت علياء ضميري ؟ منذ متى وهيوحدها التي أريد أن أكون بين يديها بلا سواتر وأن أكون أيضاً بلا شوائب ؟
هيسألت صوتي المبعثر عن ليلتي السالفة .
حاولت أن أتمالكه حتى لا يتهاوى ، بعدسكتة قصيرة قلتُ لها : أُخبركِ إن وعدتني ألا تغيري رأيكِ فيَّ .
تحلف لي أنهمهما يحدث فلن أكون في عينها إلاي..
- أتذكرين يوم قلت لك أن ليس في حياتي ماأخجل منه ؟ الآن يا علياء صار عندي الخطيئة التي تخجلني .
ضحكتها الحبيبةسكَّنتْ بعض الألم فيما حمم الباقي تطيش على حواف صدري .
أحكي لها فتسألنيسؤالها الإدانة : ووصفتِ له شكلك يا وسمية ؟!
- كانت تلك منه نقلة غير متوقعة فياللعبة ، فاجأني ، كدتُ أرفض ، ثم لما تذكرتُ أني أنا من بدأ عرفت أن علي أن أواصل . قلت لنفسي : لو رفضت الآن فسيعيرني بها .كنت محرجة ، حاولت مداراة حرجي بضحكة ،قلت : هو الآن أقرب فامشي هذه الخطوة يا وسمية .
خجلتُ أن أخبر علياء أنالاقتران به طاف بي خاطراً حُلواً تلك اللحظة ، وأني ناجيتُ عقلي الراغب في إيقافاللعبة عند هذا الحد : من يدري قد أصبح في غدٍ زوجته .. فما المشكلة لو صورت نفسيبلساني له ؟
إنها كما لو فعلتها امرأة أخرى له ، لا حرج ، ثم أن ميزة هذا الأمرأني - وإن لن أكذب فأُجمِّل صورتي - لن أشوهها كما قد تفعل أخرى .
كانت علياءتحاول أن تزن فعلتي بميزان القيم فيما كنتُ بألم أستعيد كلامي معه : " تعرف ذاتيومٍ حين كنا في حفل مدرسي استوقفتني امرأة لا أعرفها ، سألتني : أأنتِ معلمة هنا ؟
أومأت برأسي أن نعم ، قالت : معكم وسمية الكاتبة ، وأريد أن أراها ..أين هي؟
مستمتعة بمراوغتها قلت : قد تكون في أي مكان .
- أرجوك صفيها لي لأبحث عنها . أريد أن أراها .
كانت بالقرب منّا زميلة أخرى تسمع الكلام من أوله ، ظللت أنظرلها وأبتسم ، ثم قلت : ولماذا تريدين رؤيتها ؟ إنها ليست جميلة على كل حال .
لما أصرت قلت بابتسامتي نفسها ونظرتي للأخرى أني لا أحسن الوصف ولعل هذهتساعدني .
قالت سائلتي : لابد أنك أنت وسمية .
أتدري يا نواف لم أكن أتهربمنها ، فأنا حقاً لا أحسن الوصف ولكني سأحاول لأجلك .."
لما شرعت أنسلخ مني ،وأنظر لي نظرة فاحصة وأحكي كان بكله يسمع ، ويستفهم عن أدق التفاصيل ، حتى أني لمانسيت أن أخبره عن وزني سأل عنه .
لحظتها كرهت شبقه للمعرفة ، لكني أكملت .
كما بعد كل خطيئة توارت نفسي الأمارة بالهوى ، وجاءت اللوامة كرَّهَتْني فيَّ ؛أشعرتني أني أستحق أن أُصفع على وجهي لما أفعله ، ذكرتها بكلمته " أن علي أن أعيشلحظتي " فأُخرِست .
علياء - ما بين العدل والتسامح - قررت أن جنوني استدرجني ،حتى لما تعهدتُ لها بأن تكون ذي خاتمة الهفوات سألتني عما حصل بعدها .
أعود مرةأخرى لليلة العجيبة ، وأتذكر إحساس من ارتكب الخطيئة بعد طول تردد ، ثم قرر أن وقتاللوم والحساب ليس الآن ، وأن عليه أن يواصل لذته حتى ثمالتها .
لم أخبرها بذاك، فـقط أكملت لها سرد الحكاية .
- قلت له : ما الخطوة التالية ؟ قال : قرريهاأنت ؟
قلت : طبعاً لن أطلب منك أن تصف لي شكلك لأني أعرفه .
- ثم أنه لنيعنيك كثيراً ؛ فجسد المرأة مركزي في تفكير الرجل بينما جسد الرجل هامشي في تفكيرالمرأة .
أطبق الوجع كله علي فسألتها : علياء فيم يختلف حوار كهذا عن معاكسةهاتفية بين مراهقين ؟
علياء - لا أدري ألأجلي أم صادقة - تلمست له أعذاراً ،قالت : من الطبيعي أن يحرص على تكوين صورة لك في باله ، أنتِ نفسك حين تهاتفينشخصاً ما لمدة طويلة ، تبنين خلالها معه علاقة متينة ألا يشغلك شكله ؟!
- أهذاالسبب في ظنك ؟ لكنه قال لي بنفسه أن " جسد المرأة مركزي في تفكير الرجل .."
- صدقيني ، سواء كان رجلاً أو امرأة كان سيطلب ذات الطلب ، لكن تحسسك جاء من كونهذكراً .
قلت للساخطة بداخلي : أرأيت ؟ علياء أيضاً ترى ألا خطأ فيما فعلت .
قبل أن أهنأ بإفحامها جاء صوت علياء : المهم الآن ألا تنـزلقي إلى ما هو أبعدمن ذلك لاحقاً .
لم أشأ - وأنا المذنبة لا هي - أن أصيح محتجة كما طفل : فأنتِترينها سقطة إذاً ؟

--------------------------------------------------------


- باركي لماجد .
- خيراً إن شاء الله ؟
قال أبي بنصف فرحة : وجد وظيفة ، سيعملمؤذناً للمسجد القريب منا .
ألتفت لأخي الذي بالكاد أعرفه ، أتأمل ساقه الخارجعن حشمة ثوبه الذي يقصر يوماً بعد يوم : مبروك ماجد .
- الله يبارك فيك .
أغادر المكان فيلحق بي : أنا خارج ..هل تريدين شيئاً ؟
أتأمله ، ويوجعني أنلم يبق من ماجد القديم غير هذه العبارة .
أحاول ألا أحزن ، أتذكر نبوءة الدكتورةهناء بأنه سيعود لاعتداله بعد فترة ، وأتمنى أن تتحقق ، أطلب منه أن ينتظرني وأركضصوب غرفتي لأعود له بسرعة بالنقود .
- تفضل .
- مشكورة . يقولها ويغادر ،أدعو له بهداية دائمة .

-----------------------------------------------------

- فهومازال يطلب منك النقود بطريقته الخجولة القديمة ..جيد ، لعلك تجدين في هذا مؤشراًعلى أنه لم يتغير بالكامل .
- هو تغير بالكامل ، ولم يعد فيه منه إلا هذه يا ريم .
- لم أعرفك سوداوية في نظرتك إلى أي شيء أو إلى أي أحد من قبل ، فلماذا كل هذهالقتامة في الصورة التي ترين بها ماجد ومستقبله ؟! أهو بسبب انضمامه للمطاوعة ؟ليسوا كلهم سيئين ، بل إن فيهم أناساً رائعين جداً .
بعد كلمتي هذه غيرت وسميةمجرى الحديث كله ، لا أعرف لم تتحامل على المطاوعة بهذا الشكل ؟
هي لا تقبل حتىمناقشة هواجسها فيما يخصهم !
أحياناً أفكر في كم التناقض في شخصيتها ؛ العقلالمنطقي جداً الذي يبهرني حين تتحدث به دائماً يتعارض بقوة مع تعميماتها الطفوليةحين ترد سيرة المطاوعة أمامها .
أتذكر أمراً فأعاود الاتصال بها .
- خيراً ،هل من جديد ؟
- لا .. نعم ..أقصد أني تذكرت بعد ثورتك المعتادة قبل قليل علىالمطاوعة أنك انضممت أيام الدراسة الثانوية لشلة مطوعات في المدرسة ، وها أنت الآنمن خيرة النساء ، فلم تخافين على ماجد هكذا .
- جميل أنك تذكرت تلك الفترة ، لكنما نسيته أني لست كماجد ؛ فحين أردن تدجيني تركتهن ، هل يستطيع ماجد أن يفعل ؟ هليملك وعياً يجعله في اللحظة المناسبة يغادرهم ؟
كنت قد غضبت ، أحسست أن اللهسيعاقبها على ما تقول ، وسيعاقبني لأني أسمع ، لذا دعوت الله لها بالهداية وتركتها .

-----------------------------------------------------

- هاه .. ما الخطوة التالية ؟
- أتعرف يا نواف ..أحس أنّا نرقى سُلماً صوب الجنون ،وأنتَ كل مرة تدفعني لأخطو قبلك فإن كانت درجة السلم آمنة صعدتها لتجاورني ، وإن لمتكن.. تركتني أهوي وحدي .
ضحك وردد : أنا قلتُ لك قبلاً أن مشكلتي أني لا أبادرأبداً . أليس جميلاً أن تجدي رجلاً تقودينه إلى حيث تشائين ؟
أردتُ أن أقول لهأني لم أحسب ذلك في يومٍ من الأيام جميلاً ، وأني الآن تيقنتُ من صواب فكرتي منخلاله هو ، لكني وجدتني أهتف : مازلت تدفـعني لتوريط نفسي كل مرة متنعماً براحةالانقياد ، لكني لن أخطو خطوةً أخرى فاصعد أنت .
قال : حسناً سأفعل .
بدأيحدثني عن ممارسة الجنس على الهاتف ، كان جنون الفضول يلهبني ، توجسي في تلك اللحظةكان أقل جداً من رغبتي في معرفة المختلف .
أُلحُّ في السؤال : كيف ؟ وأناأتساءل : هل سيجرؤ على أن يطلب مني مشاركته لعبة كهذه ؟ وهل يعتقد أنيسأقبل؟
ساعتها تذكرت إصراره أكثر من مرة بأن أُغير موقفي من الرجل ومن الجنس .
كان صوته يأتي ثقيلاً ومنخفضاً جداً ، وأنا أتعجب : أمعقول أن هذا الذي عرفتهخمس سنوات مؤدباً رزيناً يخفي في داخله هذا الشذوذ ؟ إلى أين يمكن أن يصل ؟
هلينوي أن يتداول معي مفردات الجنس هذا الذي خلال الأعوام السالفة ما كان من أبجديةتجمعني به إلا لغة الثقافة وهمومها ؟!!
بصوته الذي استحال همساً اعترف أنه يعرفأن شباباً كثيرين هنا يمارسونه ، وأنه وإن لم يفعل فهو يحسُّ أن عنده ميلاً له .
أحسستُ في داخلي وللحظة أني قد أضعف فقلت له : إلى هنا يكفي سأنزل من السلم .
حاول أن يستبقيني دون عنف فرفضت .

-------------------------------------------------------

- أعلمأنك كنتِ تنتظرين اتصالي البارحة ، لكني لم أستطع يا علياء ..كنتُ مثقلة بفكرة أنروحي تدنست ..بعده .. نمت نومة غريبة .
- ماذا حصل ؟
كانت دموعي وحدها الجواب، وجهي الليلي الجديد مقرفٌ جداً .
- وسمية ..ماذا حصل ؟
أمنحها تفاصيل ليلتيالسوداء ، وأبكي ..
- لا تكوني قاسية على نفسك .. أنتِ لم تعرفي نواياه مسبقاً ،ثم أنك لم تنقادي لها حين أفصح ، ولا تكوني قاسية عليه ، لا تنسي أنك من استفزهليفعل ما فعل ، ربما هو فقط أراد أن يثبت لك أنه مجنون مثلك .. لا تسمحي لليلة أنتمسح من ذهنك صورته التي تعرفين . ومادمت ستتألمين هكذا كفي عن اللعب معه .


-------------------------------------------------------

طوالاليوم أعتصم من طائف الوجع بكلمات علياء ذي فيخف .
في الليل أتذكر أنَّا لم نتفقعلى موعد المكالمة التالية فأحس بالراحة .
تمر الأيام بعدها دون أن يتصل أو يرسلحتى رسالة على الجوال .
- أما قلتُ لكِ ..إنه خجل من فعلته .قالتها علياء ثمكررت : لستُ مجبرة على إتمام اللعبة معه .
كان تعليقاً أشبه باستفهام متوجسفرددت : معك حق ، لكنها شهوة المعرفة .
قلتها وسكت عن باقيها ، خجلتُ أن أُضيف : " ولذة قربه هو "
لما اتصل بعدها عاد لذكر السلم فأبغضته تلك اللحظة ، رغم أنهفقط أومأ إليه إيماءة قصيرة . سألني : ما أخبار السلم ؟
قلت : أما ركنّاه منذالمكالمة السابقة .
قال : ألن نستعمله مرة أخرى ؟
لم أعرف ما يعني بالسلمتحديداً : لعبة الجنس الهاتفية ، أم مجرد فكرة الصعود صوب الجنون خطوة خطوة؟
قررتُ ألا أسأله ، ثم قلت : اسمع .. لقد فكرتُ آخر مرة أني لن أستمر ، وأنيإنما كنتُ أجاريك قناعة بأن التجربة كلها قد تكون خامة جيدة للكتابة فيما بعد ( أشرتُ لذلك رغبة في تخويفه ) " كما أوصتني علياء"
- تذكري أني قبلها بحثت الأمرمعك ، وأنك لم تمانعي في أن يتطرق حديثنا لأي مجال .
- …
- حتى الجنسي .
- حسناً ، وأنا أرجع في كلامي الآن .
- لك ما تشائين .
ثم بعد فاصل صمتٍ قال : فماذا نفعل الآن ؟
خفت العودة لسلم الهوى فقلت بحزم : سنجرب شيئاً آخر ..
- حسناً فهو دوركِ إذن .
قلت له أني في صغري شاهدت مسلسلاً مصرياً لكمال الشناوي ،كان يمثل دور أستاذ جامعي اختار عدداً من طلبته المقربين كعينة دراسة حول الوضوحأيضاً ، وكان يلعب معهم عدة ألعاب ، منها لعبة يتقمص فيها كل واحد شخصية الآخرويحكي بلسانه ، يفضحه أمام نفسه والآخرين .ما رأيك أن نلعبها ، أصير أنا أنت وأنتأنا لدقائق فقط .
أعجبته الفكرة ، وطلب إلي أن أبدأ .
كانت أسئلتي جاهزة ،قلت : أريد أن أسألك يا وسمية لماذا قبلتِ أن تلعبي هذه اللعبة ؟
قال : إنهاالرغبة في مقاربة الآخر .
لحظتها غضبت ؛ لماذا قال الآخر ولم يقل نواف تحديداً؟
قلت : وإلى أين تعتقدين أنها ستأخذك يا وسمية ؟
قال : لا يهم . إنها لحظتيوسأعيشها ولن أفكر في النتائج .( هنا فقط لم يحسن التعبير عني فأنا كنتُ أمتلكتصوراً شبه كامل للنهاية التي أريد )
قلت : طيب يا وسمية .. لو كانت اللعبة معآخر غير نواف هل كنتِ تلعبينها ؟
- لا .
حنقت عليه ، هو يعرف محله في صدري . بادرته : لماذا أهي ثقة بنواف ؟
قال : لا بل ثقةً بنفسي .
أراحتني الكلمة ،ما أردت أن أشوهها بسؤال تردد في خاطري ، أقال ذلك معبراً عن رأيه فيَّ حقيقة ، أمما أراد أن يجرحني فيفضح حرصي عليه .
قلتُ : إلى هنا أكتفي ..تفضل أنت تقمصلساني ، وسائلني لأفضحك .
لم يضحك هذه المرة ، بدا لي من جديته أنه مليء هوالآخر بأسئلة يريد مناقشتها بصوتٍ عال .
قال : هل كانت فكرة السلم محورية عندك؟
تنفستُ بعمق محاولةً أن أستشرف داخله ، ثم قلت : لا ، ولكنها طرأت فما كان منالممكن التخلي عنها ، لأني بطبعي لا أتخلى عن فكرة لي إلا بنجاحها ، أو اقتناعيبفشلها .
ومشكلة هذه الفكرة أنها لا هي بالتي نجحت ولا أنا وثقت من فشلها .
- هل ستـعود لها ؟
وأنا أقول له نيابة عنه : " لا أدري .. مشكلة وسمية أنها امرأةلا يمكن المراهنة عليها ."كنت أعبّر عني لا عن رأيه فيَّ .
هنا انتهت أسئلته هوالآخر .
بعد أن أعرب عن إعجابه باللعبة سكت قليلاً ، ثم تضرع : وسمية أرجوك فجريالموقـف .
قلت :افـعل أنت .
لا أدري كيف استحال طفلاً صغيراً وهو يردد : لاأرجوكِ افـعلي أنتِ .. الله يخليك افـعلي .
لا شيء يقتلني كانتظار المجهول ، فيأحيان كثيرة أفضل الخسارة على الانتظار ، ولا أدري إن كان يعرف ذلك .
في مكالمةسابقة كان قد أعلن أنه قد يستمر في هذه اللعبة سنة أو سنتين ، ولم يكن عندي منالصبر ربع ذلك .
فكرتُ وهو ما زال يردد " الله يخليك " أني لن أحتمل حتى عدةأشهر . تنفست بقوة وقلت : حسناً ، أنا فـعلاً أحسستني أقرب في الأيام السابقة ،وكنت مسرورة بهذا القرب، و..
هذه الـ " و " ورطتني فأنا لم أكن أملك ما أصلهابه .
كنت أمدها وكلمته " فجري الموقـف " تدوي في رأسي ، ترجني بقوة ، تميد بيفأكمل : أنا ..أحبك
كأن الكلمة هدية كبيرة وضعت بسرعة في يد طفل صغير فتبعثر كلهوهو يريد أن يمسك بها وأن يفرح أيضاً . ظل يهتف : الله يسلمك .. الله يخليك ..
هذا الرجل لا يعرف المرأة ، على الأقل لا يعرفني ، كنتُ أحتاج أن يضمنيبلسانه ، كنت مرهقة جداً ، كنتُ أحتاجه لكنه بقي محشوراً بين كلماته الغبية " اللهيسلمك .. الله يخليك .."
لما طال انتظاري بدأت أغضب ، كان صوته يصلني من بعيدوهو يقول أنه سعيد لأني عبّرتُ عن مشاعري .
غضبتُ أكثر فقلت : ومشاعرك أنت ماذاعنها ؟
قال : وأنا أيضاً أحبك .. لا أقول ذلك اليوم ، بل مذ عرفتك وأنا أحبك .
كنتُ سعيدة جداً ومحرجة جداً ، أستحضر علياء فألوم نفسي: أياً كانت الأسباب ماكان ينبغي أن أفـعل ما فعلت .
في صوتي امتزج فرح المكاشفة بخوف الغد مع وجعالفضيحة .
أردت أن أغلق الخط ، هو انتبه لتغير صوتي ، سألني ما بي ، قلت أني فقطأريد أن أبكي قليلاً . طلب إلي ألا أفـعل ، حاول أن يستبقيني فرفضت .
كان يجب أنأحتسي لذتي يتيمةً إلا من نفسي ، وكان علي أن أجلد نفسي طويلاً .

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-02-2010, 02:12 PM   #7
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

ياحمارة .. قلتِ له كذا ؟!
ذا بالضبط ما أردته من علياء ، كنتُ أحتاجها تجلدنيقليلاً حتى أُحس أن العقاب طهر بعضي ، لم أتلمس الأعذار لنفسي أمامها ، واصلت : أتدرين الآن تحدد كل شيء . هذا كله سينتهي قريباً . الآن ما عاد من الممكن أن أستمر، هذه المرة لن أجد ما أضحك به على نفسي .
قالت : ماذا تـعنين ؟
- الآن صاريجب أن تسير العلاقة في خط محدد أو أن تنقطع .
علياء لم تستوضحني ، وأنا لم أكنأعرف بوضوح ما سيحدث . ودعتها ونمت .
ليومين فقط ظللت أستحضر خياله ، وأستعيدهالكلمة السحرية لأغدو كلي قلباً ينبض بسعادة ما عرفها قبله .
في الليلة الثالثةأرسلتُ له رسالة أطلب فيها أن يهاتفني .
فترة ترقب هاتفه أطرزها بتخيل بيتٍيضمني وإياه ، وحين يأتي أتحدث معه وأنا أنتظر أن يحدد هو ملامح المرحلة التالية ،لكنه لا يفعل .
تساءلت : هل صدَّق كذبته التي كذبها بنفسه على نفسه أنه لايبادر ؟!
قلتُ بعد أن تحدث عن علاقتنا الجميلة والتي ستمتد : وماذا عن الغد؟
- ماذا تعنين ؟
- كيف سيكون شكلها ( علاقتنا غداً ) ؟
ردد نفس الكلامبأنها ستظل جميلة .
أغضبني فقلت : أقصد ما فضاؤها؟ ما أرضها ؟
بدا أنيأحنقته ، لكني كنتُ أعرف أن لا مفر لي من لساني فسألته : كيف ستنتهي هذه العلاقة هلفكرت مثلاً بأن يكون الزواج خاتمتها .
- تعرفين يا وسمية ..مرة حدثتني عن واحدٍأحببته ، وكدت تعرضين عليه الاقتران بك ( يقصد الرمادي لأني حدثته عنه دون ذكر اسمه ) يومها تمنيت لو كنتُ مكانه .
- فأنا لم أفعل معه ، وها أنا أعرض الأمر عليكأنت .
- الزواج لن يناسبنا كلينا نظراً لظروفي وظروفك .
ها قد حشرتُ رأسي فيالجحر الضيق ، كان علي أن أخرجه بأقل قدرٍ من الأذى ، لكني اخترت أن أقذفه بأسرع مايمكن . حسبتُ أن علي أن أحسم كل هذا ولو على حساب كرامتي .
قلت : لا عليك منظروفي .
يطل وجه علياء غاضباً ، أحسها تريد أن تقول : ماذا تفعلين بنفسك ؟
أجيب طيفها دون أن أنظر في عينيه : أنا نفسي لا أصدِّق أني أقول ما أقول .
يرد هو : حسناً فهي ظروفي أنا .
تذكرت كيف كنتُ أفكر في عرض نفسي علىالرمادي ، هل هذا ما كان يخيفني ؟ أن يتملص مني .
بعدها عاد لنبرته الأهدأ ،وقال :ستظل علاقتنا كما هي ، وحتى لو تزوجتِ .
طعنتني الكلمة فلم أمهله حتى يكمل، قلت : تزوجت ؟!
- أجل .. وساعتها لن أقتحم عالمك أبداً .
كدت أصرخ : لا لنينقصني ساعتها إلا هذه .. اقتحم عالمي وهددني بتسجيلاتٍ لمكالماتنا ..لكني تنبهتإلى أنه منذ البداية لم يعد بشيء .
أكمل قائلاً : عموماً بإمكانك في أي لحظة أنتقولي أنك كنت مستمتـعة طوال الفترة السابقة و.." مع السلامة "
قلت : حسناً .. لقد كنتُ مستمتعة في الفترة السابقة .
- ماذا يعني هذا ؟!
- يعني " معالسلامة "
وهو يكرر : " مع السلامة "بدا وكأنه يواسي نفسه بأنه سيستوعب هذا فيمابعد .
لم أبك ، وبالتأكيد لم أكن سعيدة ، لكني كنتُ مرتاحة .
لأول مرة أتساءل : هل كنتُ سأسعد لو وافق ؟ هل أريد الزواج حقاً ؟
لا أعني الزواج منه تحديداً ،لكن فكرة الاقتران بأي رجل حتى لو كان حبيباً .
هل كان نواف حبيباً ؟ ما أناواثقة منه أنه كان صديقاً جميلاً ، وأني فقدته .
تذكرت رجائي الواهن قبل أن أفتحمعه الموضوع " أنا لا أريد أن أخسرك " وضحكت من تأكيده : لن تخسريني .
كان عليأن أعرف فلسفته في الحب خارج إطار الزوجية ؛ قال أني لن أخسره لأنه لن يسمح لي بأنأكسبه ، هو الحب بلا تملك ، كيف لم أفهم ؟!
في اليوم التالي وأنا أطالع صورته فيالجريدة تتصدر مقالته أطويها ، ويصيح جرحي محتجاً : لِمَ لم يخبرني ،كان يمكن أنأفكر في الموضوع بشكل آخر قبل أن أبدأ ؟! كان بإمكاني أن أختار طريقي معه على بينة .
في مقالته كان يحكي عن الازدواجية في شخصية المثقف العربي ، وعن التناقض بينسلوكه وكتاباته !!

-------------------------------------------------------

- لابأس ، لم يكن ليناسبك على أي حال .
قلت محاولة الضحك : أتعرفين - يا علياء - أني قرأت اليوم في موقعٍ للأبراج في الانترنت أن أسوأ شريك للقوس هو العذراء ؟
قالت : برجه العذراء ؟
- أجل .
- وهل قرأت عنه في كتاب الأبراج الذيأهديتك إياه ؟
- الكتاب ؟ تصفحته ، لكن يبدو أنه يجب أن أعود له .
- ستخبرينني إن كان كلامه عن العذراء ينطبق على نواف أو لا .
أصمت متأملة مشاعريحين ذكرت اسمه ، ثم أبادرها : أتصدقين.. أنا لم أحزن بعد على ما حدث .
- لم؟
- بعض التزامات تشغلني الآن ، حين أُنهيها سأبكي .
كان ردها هذه المرة ضحكةطويلة ، بدت لي علياء بها غير مقتنعة بما قلت فأكملت : إنه حزنٌ مؤجَّل . أستبقيهخلف غلالته الرقيقة حتى إذا فرغت قلت : هيت لك .
أغلق السماعة وأفكر في اليومالطويل الذي لن أختمه بصوته ، ثم تفرحني فكرة أن قصتنا لم تطل جداً ، أتساءل : كيفيكون حالي لو أني تعودت عليه ؟
منذ الحادية عشرة ليلاً وأنا في سريري ، والجوالقرب رأسي ، كلما ألقيتُ عليه نظرة ، أو اصطدت نفسي متلبسة بجرم التأكد من ضبط مستوىرنينه حلفت للمنتظرة بداخلي أنه لن يفعلها ، ثم عدت أتساءل :أحقاً أني ما تعودتُعليه ؟
بعد الثانية عشرة يأتي صوت علياء ، تسألني إن كنت أُريد أن تنشدني شعراً .
علياء تدللني أكثر حين أكون حزينة ، أو بعد خصامٍ يحصل بيننا . صوتهاالملائكي يحلِّق بي في فضاءات لا يستدل لمكانها صوتٌ آخر .
أنشدتني " ألف أهواه "
تردد : " ماذا أقول له إن جاء يسألني
إن كنتُ أكرهه أم كنتُ أهواه "
قبل أن أستنجد بها لتعلمني ماذا أقول له في عودة لا تبدو لي ممكنة تجيئنيإجابتها في القصيدة الثانية وهي ترتل : " متى ستعرف كم أهواك يا رجلاًأبيع من أجلهالدنيا وما فيها "
لا أحد يقرأ قلبي وخواطره كما هي . كنت ملتذَّة بالوجعالجميل الذي يقطِّره لسانها الحبيب .
تسألني إن كنت اكتفيت فأجيب برجاء طفل أنأكملي ، باقٍ من الوجع باق لم تفتح مغاليقه .
بعين قلبها رأت وجعي يسيل فأرادتأن تلملم ما تهاوى من عزيمتي ، قلبت صفحات الديوان الذي تحمل ثم شَدَتْ : " أيظنُّأني لعبة في يديه ؟! أنا لا أُفكِّر في الرجوع إليه "
-علياء ربما يجب أن أعترفأني أُفكر في الرجوع إليه .
- إياكِ أن تفعلي يا وسمية !
- بالتأكيد لن أفعل، إنها فقط أمنية ، كفى بالزمن شافياً .. سأنسى صدقيني .

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-02-2010, 02:13 PM   #8
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

لا بأس ، لم يكن ليناسبك على أي حال .

قلتمحاولة الضحك : أتعرفين - يا علياء - أني قرأت اليوم في موقعٍ للأبراج في الانترنتأن أسوأ شريك للقوس هو العذراء ؟

قالت : برجه العذراء ؟

-
أجل .

-
وهلقرأت عنه في كتاب الأبراج الذي أهديتك إياه ؟

-
الكتاب ؟ تصفحته ، لكنيبدو أنهيجب أن أعود له .

-
ستخبرينني إن كان كلامه عن العذراء ينطبق على نواف أو لا .

أصمت متأملة مشاعري حين ذكرت اسمه ، ثم أبادرها : أتصدقين.. أنا لم أحزن بعدعلى ما حدث .

-
لم ؟

-
بعض التزامات تشغلني الآن ، حين أُنهيها سأبكي .

كان ردها هذه المرة ضحكة طويلة ، بدت لي علياء بها غير مقتنعة بما قلت فأكملت : إنه حزنٌ مؤجَّل . أستبقيه خلف غلالته الرقيقة حتى إذا فرغت قلت : هيت لك .

أغلق السماعة وأفكر في اليوم الطويل الذي لن أختمه بصوته ، ثم تفرحني فكرة أنقصتنا لم تطل جداً ، أتساءل : كيف يكون حالي لو أني تعودت عليه ؟

منذ الحاديةعشرة ليلاً وأنا في سريري ، والجوال قرب رأسي ، كلما ألقيتُ عليه نظرة ، أو اصطدتنفسي متلبسة بجرم التأكد من ضبط مستوى رنينه حلفت للمنتظرة بداخلي أنه لن يفعلها ،ثم عدت أتساءل :أحقاً أني ما تعودتُ عليه ؟

بعد الثانية عشرة يأتي صوت علياء ،تسألني إن كنت أُريد أن تنشدني شعراً .

علياء تدللني أكثر حين أكون حزينة ، أوبعد خصامٍ يحصل بيننا . صوتها الملائكي يحلِّق بي في فضاءات لا يستدل لمكانها صوتٌآخر .

أنشدتني " ألف أهواه "

تردد : " ماذا أقول له إن جاء يسألني

إنكنتُ أكرهه أم كنتُ أهواه "

قبل أن أستنجد بها لتعلمني ماذا أقول له في عودة لاتبدو لي ممكنة تجيئني إجابتها في القصيدة الثانية وهي ترتل : " متى ستعرف كم أهواكيا رجلاًأبيع من أجله الدنيا وما فيها "

لا أحد يقرأ قلبي وخواطره كما هي . كنت ملتذَّة بالوجع الجميل الذي يقطِّره لسانها الحبيب .

تسألني إن كنت اكتفيتفأجيب برجاء طفل أن أكملي ، باقٍ من الوجع باق لم تفتح مغاليقه .

بعين قلبهارأت وجعي يسيل فأرادت أن تلملم ما تهاوى من عزيمتي ، قلبت صفحات الديوان الذي تحملثم شَدَتْ : " أيظنُّ أني لعبة في يديه ؟! أنا لا أُفكِّر في الرجوع إليه "

-
علياء ربما يجب أن أعترف أني أُفكر في الرجوع إليه .

-
إياكِ أن تفعلي يا وسمية !

-
بالتأكيد لن أفعل ، إنها فقط أمنية ، كفى بالزمن شافياً .. سأنسى صدقيني .


-------------------------------------------------------

-
أظنهالازالت حزينة يا ابنتي ، لا تبوح بأي شيء لكن انزواءها ، قلة أكلها ، المسجل الذيلا يسكت في غرفتها ..

-
دعيها يا أمي ..وسمية قوية ، لكن ليس من السهل أن تتجاوزما حصل بسرعة ، زواج زوجها السابق ، وخيانة صديقتها .

-
أخاف أن يصير لها شيء ،إنها تذبل بسرعة هذه الأيام ، والناس لا يرحمون ، ماذا ستقول زميلاتها في المدرسةإذا رأينها بعد الإجازة وقد فقدت نصف وزنها ؟ كلميها يا ابنتي ، أرجوك ، أنت تعرفينأنها لا تسمع مني .

-
لو قلت لها أن تنتبه لنفسها لأجل الناس فقد تصوم عناداً ،لكني سأكلمها ، أعدك بذلك .

-
حسبي الله على من في بالي .


-------------------------------------------------------

صباحاًقبل أن يستيقظ البيت وبعد أن أمل مخاتلة نوم لا يجيء أستحضر روح مها ، ومن مثلها ليالآن ، الفتاة التي لا تجزم بشيء ، لا تُخطِّئ أحداً ، التي تفهم كل وجهات النظر ،وتتعاطف مع كل الأطراف استحضرها لأستفتيها ، قالت : ربما بعد أن سرتِ الطريق حتىآخره ما كان أمامك إلا الابتعاد عنه ، ولكنه أيضاً مسكين ، الأكيد أنه ما كان ببالهأن هذه ستكون النهاية ، إنها لعبتكما المجنونة .

-
أتعرفين ليت كل هذا يُمحىويعود نوافي القديم ، سري الذي لا أبوح حتى لك به .

أتساءل : لو سمعت مني مهاهذه العبارة الأخيرة ألن تغضب؟


--------------------------------------------------------


فيالسابعة والنصف يأتي هاتف علياء .

-
كيف يكون حاله الآن ؟

- "
يفرك منالحسرة " قالتها علياء بتشفٍ جعلني أنشغل بها عنه ، أتساءل : لم تماهت مع دوري بهذاالشكل ؟ هل مرتَّ بتجربة مماثلة يوماً ؟

عدت أفكر في كلامها ، هل هو حزين الآنحقاً ؟ لا أدري إن كان يجب أن يسعدني ذلك أو يُحزنني .

بعد أن تغلق السماعة أعودلسريري الذي ليس فيه نوم ، نواف يقف بجانبه يغني بصوت كاظم الساهر شاكياً حاله معيوبعدي :

"
قالت لكل الأصدقاء :

هذا الذي ما حركته أميرة بين النساء،

سيستدير كخاتم في إصبعي ،

ويشب ناراً لو رأى رجلاً معي ،

ويكون بيديأضعف من ضعيف .

ويكون ما بين أقدامي كأوراق الخريف "

أقرر أني بعد شهر منالآن سأجعل واحدة ( لا يهم الآن من تكون ) تكلمه ، تخبره أني أحببت آخر وأنيسأتزوجه ، وهو يبكي ، ثم ..ثم .. أنا أبكي .

بعد سنة على هذه القصة أحكي لصديقة ( كاتبة ) حكايتي مع نواف دون أن أسميه فتتعاطف ، تنصحني بتناسيه .

حس التفهم فيصوتها يجعلني أندفع : ما سألتني من هو !

-
تلك خصوصياتك وليس لي أن أسأل .

لكني أردت أن أخبرها رغم أني أعرف أن علاقتها الرسمية به جيدة جداً .

لمانطقت باسمه صاحت : فعلها معك أنت أيضاً !!


--------------------------------------------------------

أُقلِّبكتاب الأبراج الذي أهدتنيه علياء قبل مدة ، أتذكر صدمتي لما طالعته أول مرةفاكتشفتُ أنه يعرفني أكثر مما أعرف نفسي .

مؤلفة الكتاب ساحرة عجوز ، قبل أن تخطحرفها الأول فيه ظلَّت تمسِّد بلورتها حتى من بين دخانها تكاثفت أنا ، تأملتني ،قلَّبتني طويلاً ، ثم كتبت : " هكذا دائماً القوس ، ذكاؤه حاد ، سريع الخاطر ، صادقوبشوش ، يحب المزاح ، إلا أنه يفتقد لصفة هامة جداً ألا وهي اللباقة رغم أنه يعتبرنفسه نموذج الدبلوماسي .

ثرثار بشكلٍ غير عادي ، وعدم ضبطه لحديثه والتأني فياختيار العبارات كثيراً ما يدفع ثمنه غالياً . لا يوجد لديه ولو جزء بسيط من التملق، يختلف عن الآخرين بشجاعته النادرة ، تجاربه المصيرية الخاصة مرتبطة بشكل أو بآخرباللعب مع الموت ، له روح مرحة ، لكن لأن رمزه النار ( وهي يمكن أن تهب فجأة وتشعلما حولـها ) فإنه ينقلب كائناً آخر عندما يحاول أحد أن يتخطى حدوده أو يظلمه .

لديه استعداد حتى للخروج على طاعة السلطات وفيه رغبة في التمرد على الأنظمةوالقوانين .

يتصرف بالقول والفعل أولاً ثم يبدأ التفكير .

هو في الحبرومانسي لكنه غير ثابت أبداً . أما الجوانب الأقل إشراقاً في طبع القوس فهيالانفعالية البركانية المفاجئة ، التطرف الحاد ، الاستهزاء .

تنهي حديثها هذالتروعني أكثر وهي تصف شكلي ؛ ذو رأس جميل الشكل ، كبير الحجم نسبياً ، جبهته عريضةعالية ، خطوط الوجه ناعمة قريبة للقلب ، سريع الحركة ، كثيراً ما يستخدم الإشاراتوالإيحاءات في حديثه .

عند هذا الحد أنظر في المرآة لأتأكد ثم أعود لها : عيونهمشرقة ساطعة فيها كثير من الحيوية وشيء من المكر ، في فترتي الطفولة والشباب تتدلىعلى جبينه عادة خصلة من الشعر ، وبعد أن يكبر ويغير تسريحة شعره ، أو يصاب بالصلعتبقى عنده عادة رد رأسه للخلف .

بالنسبة للمرأة القوس لن يعجبك ما تنطق بهأحياناً ، فقد تقول أشياء تجعل شعر رأسك يقف من شدة الانفعال . وإذا ما أحسستْ أنحديثها ليس لائقاً ولا في محله ستحاول أن تنسيك إياه بطرفة أو قبلة . على الرغم منأنها متطرفة السلوك ، لكنها تنظر إلى الحياة بتلك النظرة الثاقبة والحادة كثيراً .

هذه المرأة صادقة إلى درجة أنها ترغب ولو لمرة واحدة أن تحيد قليلاً عن الصوابلأن الجميع لا يهوون سماع الحقيقة المجردة .

إنها تحب الاستقلالية ولا تكترثللروابط الأسرية ، وتفضل العيش بمفردها . إذا أردت منها أن تنفذ لك أمراً فلا تحاولإصدار الأوامر إليها بل اطلب منها بلطف لأنها حتى في طفولتها لم تسمح لأمها بإصدارالتوجيهات والتعليمات لها .

المرأة القوس قد تصاب بجرح عميق في قلبها ، لكنها لاتُظهر ذلك أبداً على الملأ وإنما ستتظاهر بالمرح ، بينما هي حقيقة ستملأ الوسادةبالدموع تحت أجنحة الظلام .ولن يشعر بذلك حتى أقرب المقربين إليها ، وسيعتقدون بأنهلم يتبدل لديها شيء .

القوس الزوجة لا تنـزع أو تميل للزواج . لذا عليك أنتُحْسن اختيار أسلوب التعامل معها كي تنجذب إليك وتتعلق بك ، فمثلاً قد لا ترغب فيترك عملها واعلم أن الكلام معها في هذا الخصوص لن يُغيِّر في الأمر شيئاً ، لأنهابمطلق الأحوال ستفعل ما يحلو لها وعلى طريقتها .

أما ما يخص مواهبها كربة بيتفالأمور معقَّدةٌ بعض الشيء . هي لا تحب القيام بأعمال التنظيف والغسيل وبقيةالأعمال المنزلية الأخرى ومع ذلك ستحاول الإبقاء على نظافة بيتها قدر الإمكان .

ومع أنها تقوم بتحضير الطعام فهي ليست مغرمة بهذا العمل كثيراً لأنه غير محببإليها .

أطفالها يحبونها ، وبيتها أشبه بالسيرك ، هناك اللهو والمرح والضحكوالتفاؤل الكبير . بيئة ممتازة لتربية الأطفال . زد على ذلك الأمانة والإخلاصوالعقل النيّر .

المرأة القوس مثالية جداً دون أي جدال ، وستدرك أنت ذلك فيوقتٍ ما ، إذ تأتيك في يومٍ هادئ سعيد لتعترف لك بأنها فتشت عنك أنت بالذات منذطفولتها . ويا لسعادتها لأنها وجدتك في النهاية "

-
يا إلهي حتى هذه عرفتها ، " فتشت عنك أنت بالذات منذ طفولتي . ويا لسعادتي لأني وجدتك في النهاية "

ماأدراها هذي العجوز أني كلما تخيلتُ رجلي الحلم ، كلما أقعدته بجواري قلت له ذلك ؟!!


-------------------------------------------------------

في سجليومياتي أدون : اليوم فقدت غموضيالساحر ؛ لم تُبقِ فيَّ أية غموض ذي التي حتى شكليتعرفه ، حتى الحركة الملازمة ( رد الخصلة النافرة على الجبين للخلف ) ذكرتها !!

أتجه عارية لصوت الدكتورة : هل أنا برجي يا دكتورة ؟ أقصد ..أكره القيود .. أن أكون أسيرة أي شيء حتى صفاتي ؟ هل أنا هو ؟

-
لا يا وسمية ..أنتِ تبدئين منبرجك كي لا تنتهي به ، خذي من برجك أفضل ما فيه ثم ارتفعي عليه ، مري بالأبراجالباقية واحداً تلو الآخر ، خذي محاسنها واحداً واحداً حتى تكوني زهرة الأبراج كلها .

كلام الدكتورة أسعدني جداً ، أطلقني مرة أخرى ، ومرة أخرى حمَّلني همَّ نفسي .

قلت : يجب أن أكونها زهرة الأبراج هذه ..

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-12-2010, 12:09 AM   #9
كاتب ألماسي
 
الصورة الرمزية صاحبة الأميرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الإقامة: الرياض
المشاركات: 335
افتراضي

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

صاحبة الأميرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-12-2010, 12:27 AM   #10
كاتب ألماسي
 
الصورة الرمزية صاحبة الأميرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الإقامة: الرياض
المشاركات: 335
افتراضي

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

صاحبة الأميرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



Powered by vBulletin® Version 3.8.9
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
الحقوق محفوظة لمنتدى قرية المصنعة 1426هـ
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78