( الفكر المستنير _ مطلب إنساني خلاق )

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله \ وبعد :

فلما أراد الله سبحانه وتعالى استخلاف البشر في الأرض وتكريمهم فيها منحهم قوة في التفكير فيه يتعرفون على خالقهم ومبدعهم بأن يطلعوا على شرائع ربهم وكتبه ومايقوله رسله وبالتبصر بما في النفس من إعجاز إلهي يتمثل بكل مافي الإنسان من مقدرة فائقة وخلق بديع (( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ))

وكذالك بالنظر لما في الكون وآفاقه من دقة وحكمة وبراعة (( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ))

وبالتدبر بعظمة الكون يرى المرء إعجازاً في الصنع وتفوقاً في التدبير والخلق (( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب )).

(( قل انظروا ماذا في السموات والأرض )) .

فالراجع إلى نفسه بالتأمل فيها والدراية بها لن يستغني عن فوائد الدلالات الكونية وأن يرى الله بعين بصيرته وثاقب فكره .

وبالعقل والفكر يستطيع الإنسان أن يصل إلى الحق بالبينات ويعيش حياته مع مبدعه وخالقه متعرفاً عليه ومخلصاً له ومستعيناً به (( إياك نعبد وإياك نستعين )) .

فأنت مع إخلاصك العبادة له لابد من الإستعانة به للوصول لغايتك والبلوغ لهدفك (( ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ))

ويقول علي كرم الله وجهه : ((ولو أن الحجاب قد انكشف عن الأمور التي حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم غيباً ماازددت يقيناً ))

وإذا كانت العبادة تعني خضوعا وانكساراً لله فبها يعلو البشر ويحققوا عزتهم وكرامتهم (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ))

وهم لن يعدموا من خالق يحبهم فيما إذا أحبوه وساروا على شريعته ونهجه ودربه (( يحبهم ويحبونه ))

كما أنه راض عن من والاه ويحقق له مطالبه عندما يرجوه ويدعوه وهو يعبد الله ويوحده ويخلص له في اتجاهه والتعلق به (( رضي الله عنهم ورضوا عنه ))

فيوسف رغم نبوته وصلاحه وتقواه لم يقف عند هذا ليحقق الله له مبتغياته ومقاصده بل لجأ لربه واستغاث به عندما وقف النسوة يدعونه للفاحشة ويصرون عليه بفعلها (( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ))

وكان أن نجح في المقاومه والبعد عن السوء بمعونة ربه الذي سرعان مااستجاب له (( فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ))

والعلم المجرد من الوحي الرباني والتدبر بما في النفس والكون قد يصبح أداة عذاب وآلام للبشر عندما يتجرد من رحمة الله ومغفرته ومثوبته (( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ))

فحياة لا تحكمها حكمة من نور الإله وسند من مناهجه وسبله يصبح وبالاً على البشر حيث هم قطعوا صلتهم بمن هو مصدر قوتهم وحفظهم ورعايتهم وتوفيقهم والإنسان دونه يشكو على الدوام الضعف والمسكنة (( وخلق الإنسان ضعيفا ))

وحركة التاريخ شاهدة على ما نقوله حيث لم يكن للمرء عون من الله .

روي في الأثر (( قلب ليس فيه شيء من الحكمة كبيت خرب فتعلموا وعلموا وتفقهوا ولاتموتوا جهالاً (( فإن الله لايعذر على الجهل )) .

والحق لايقوم في حياة البشر وفي حركة الوجود على التخمين بل ان ربك يوصلك للحق والحقيقة والبرهان .

حيث لاريب ولاشك ولامرية . وهو مابه توجد الدلائل الموصلة للحق المبين والعلم القاطع الذي به انت مع موجدك ومبدعك تركن الى سبيل الله المستقيم الذي لاعوج فيه وقد تمكنت وانت تعيشه ان يطمئن بالك

ويستريح وجدانك مع حرص منك على شمولية الخير للكون وعموميته فيه فالمؤمن مع خالقه ومع الكون

وساكنيه (( مفتاح للخير مغلاق للشر )) وهو صديق المصالح ورفيق المعطيات للصلاح ومنابذ لكل ماهو شر

مهما صغر وهان .

والبشر مهما اختلفوا في ظل الفكر والايمان فانهم سرعان ماتتوحد افكارهم ويبنى منها عمل موحد تكون المجتمعات

فيه ذات حركة وجهتها واحدة ومنهجها موحد وبالتدبر الفكري لما جاءت به الرسل والكتب المنزلة ونفس الانسان

ومايجري في الكون والحياة يعبد الانسان ربا واحدا ويسير بسبيل واحد حيث تتوحد الرؤى وينجذب الفرد والمجتمع

والامم الى حيث الخير والفضل وماهو من مسعدات البشر والمرتقيات بفكره واحاسيسه .

وبالعقل السليم يستطيع أن ياخذ بما هو أجدى له وأنفع وإلا فسيجد نفسه وسط بؤر من الضلال والضياع .

وكثيرا مانجد الشرائع تمجد اولي الفكر والعقل واللب والفؤاد لانهم بها فازوا و نجحوا بارتقائهم بمعرفة الله ومحبته

وخوفه ورجائه وعبادته والتوجه لمرضاته والتذلل والانكسار له .

(( انا انزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون )) .

(( أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذالك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون )).

(( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ))

والبشر يتقدمون بفكرهم ومعرفتهم لخالقهم ومحبته وخوفه ورجائه والتمتع بعبادته والخضوع له وعمارتهم للكون

بما يصلحه ويقويه ويسدده .

وبضد ذلك يتأخر ويعيش في دوامة من القلق والفزع والرعب والخوف (( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا

المستأخرين ))

ومن رزق فكرا وعقلا تجرد من الأوهام وأهواء النفس ونزغات الشيطان استطاع بهما أن ينال الحق ويحصل على

مكوناته ومايحصده منه (( إن في ذلك لآيات للمتوسمين)) .

وبالعمق الفكري يوصل إلى مدى ماوهب الله للإنسان من أعطيات ومنح باطنة قد لا ينظر إليها ولكن بالعقل عندما

يتمعن يبلغ إلى الكثير الذي قد لا يحاط به ولا يعرف كنهه دون إرادة فكرية وعقل مستبطن .

وكذالك دون الكتب السماوية والرسل لن يصل الإنسان إلى التعرف على ماهو من علم الغيب حيث يقف عاجزا

عن إدراكه دونهما (( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا )) .

(( ربنا وآتنا ماوعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة
إنك لاتخلف الميعاد )) .

والعقل والفكر لهما دور كبير في تحديد ماهية ماتكون عليه حياته وطبيعة معاشه وما يهيمن على أنماط حركته وصيرورة

مسيرته وما ينقاد له ويتمحور عليه وما يوجه نهجه وسلوكه فقد أبان له طريقه وحدد له مساره بآيات بينات ورسل مبلغة

ومبينة وكون باستطاعته ومعونة ربه أن يتدبره ويحقق النظر فيه بما يبلغه أمانيه ويوصله مبتغياته .

(( كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون )) .

ومن تفكر وعقل أدرك مدى خسارة من تعلق بمن صفته وطبعه الفناء وأبعد نفسه عن من هو دائم وباق .

والكل يعلم أن نواميس التقوى وسنن الإيمان تقتضي أنه لا ملاذ إلا إلى الله ولا استعاذة إلا به وبقلوبهم يدركون أن

مردود كل هذا هو من نصيبهم على الدوام إذ هو مصرف الأحوال ومدبر الأكوان .

(( صنع الله الذي أتقن كل شي إنه خبير بما تفعلون )) .

ومن الخير أن يهديك فكرك ويقينك إلى عمل الخير لك وللآخرين وهو ما به تكون ذا خلق فاضل وعقل سليم

وفكر ناضج ..

والفكر الخير هذا وهو الذي طالما سعد الإنسان به قد سار في طريق معوج تسوقه المصالح مهما كانت وبأي صبغة ظهرت.

وويل للمرء عندما يكون تفكيره تغلبه قوة دفع للشر وهو ما يعني هواناً له وردة في اتجاهاته وفلسفة حياته ومنطقاً

يؤدي إلى حيوانية في منطلقاته وبهيمية في حركاته وسلوكياته .

(( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )) .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. </b>م.ن

مشكووووووووووووور يعطيك العافيه

يعطيك العافية وإلى المزيد من هذه المشاركات القيمة