قال شيخ الإسلام بن تيمية في كتابه العبودية :
(( ... وعن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ما ذئبان جائعان أُرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه )) (1) ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
فبين صلى الله عليه وسلم أن الحرص على المال والشرف في إفساد الدين لا ينقص عن إفساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم .
وذلك يبين أن الدين السليم لا يكون فيه هذا الحرص ، وذلك أن القلب إذا ذاق حلاوة عبودية الله ومحبته له ، لم يكن شيء أحب إليه من ذلك حتى يقدمه عليه ، وبذلك يصرف عن أهل الإخلاص لله السوء والفحشاء ، كما قال تعالى : (( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين )) .
فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه من عبوديته لغيره ، ومن حلاوة محبته لله ما يمنعه من محبة غيره ، إذ ليس عند القلب السليم أحلى ولا ألذ ولا أطيب ولا أسر ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله ومحبته له ، وإخلاص الدين كله له ... )) أهـ .
* قال الشيخ العلامة عبدالعزيز الراجحي معلِقاً على هذا الكلام :
يبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن حرص الإنسان على المال وحرصه على الجاه والشرف والمنصب يفسد دينه كما يفسد الذئبان الجائعان الذان أُرسلا في زريبة غنم ، فإنك لو أرسلت ذئبين جائعين على حظيرة غنم ، فإنهما لا يتركانها بل لابد أن يشقا بطونهما كلهما يأكلان ما يأكلان والباقي يتركانه فاسداً ، فالذئب من طبيعته الإفساد ، فكيف إذا كانا ذئبين جائعين مضى عليهما مدة ما أكلا ثم أطلقتهما في زريبة غنم ، فإنهما لا بد أن يأتيها على هذه الغنم أكلاً وإفساداً ، فحرص الإنسان على المال وحرصه على الشرف والجاه والمنصب يفسد دينه مثل ما يفسد هذان الذئبان الجائعان الغنم إذا أُرسلا لزريبتها ، والحديث فيه تقديم وتأخير ، والمعنى ما ذئبان جائعان أُرسلا في حظيرة ، والحظيرة المكان الذي تكون فيه الغنم ، أرسلا في حظيرة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف ، أي أن الإفساد من حرص المرء على المال والشرف والجاه لدين الرجل أفسد من إفساد هذين الذئبين .
منقول
منقول
منقول