كتبهاعبداللطيف فايد
قيام إسرائيل لم يكن بإرادة دولية وإن كان قرار قيامها صادراً من الأمم المتحدة. واذكر أن القرار لم يصدر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في الاجتماع الأول الذي كان مقرراً. فقد كانت المعارضة الدولية لقيام إسرائيل علي أرض فلسطين كانت قوية إلي الحد الذي هدد باتخاذ قرار مضاد. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وفرنسا اتفقت علي تأجيل اتخاذ القرار حتي يدبروا اكتمال العدد المقول إنه قانوني لقيام إسرائيل. وبالتالي كان القرار مدبراً لضياع دولة قائمة وقيام عصابات مكانها تحمل اسم دولة. وكان قراراً غير أخلاقي بالمعني الاجتماعي إلي جانب فقدانه للقانونية. لأنه قام علي اعطاء من لا يستحق أرضاً من صاحبها المالك التاريخي والقانوني. وظلت الدول العربية زماناً طويلاً تصف هذه الدولة بالمزعومة. لكن الاستعمار ظل يدعمها ضد الدول العربية التي كانت وقتئذ تحت السيطرة الاستعمارية. ولو كانت وقتها خارج هذه السيطرة لما قامت إسرائيل بالرغم من الدسائس والفتن والمؤامرات التي لعب فيها من يسمي بالملك عبدالله بن الحسين دوراً كريهاً ممقوتاً ظل الجميع حتي الآن يصفه بالمؤامرة. وكان أشد كراهية من المؤامرة لأنه كان خيانة فاضحة حيث كان الجميع ضدها ماعداه. ولم تكن هذه المؤامرة في حاجة إلي من يكشفها لأنها كانت مكشوفة واضحة. ومن هنا لا تصلح كلمة المؤامرة لوصفها. كما لا تصلح لها كلمة الخيانة. لأن الخيانة تتم في السر بعد اتفاق علي شيء هو من حق الجميع. لأن الدول العربية كانت وقتها محتلة بالقوات العسكرية الاستعمارية وكانت لا تملك تنفيذ قرارها. ولكن الاستعمار صاحب السيطرة والنفوذ هو الذي أملي عليها السكوت علي ماحدث. حتي أنه باع لمصر الأسلحة الفاسدة التي ترتد طلقاتها إلي صدور من يطلقونها بدلاً من أن تذهب إلي صدور أعدائهم. والقانون أو القرار الذي يصدر تحت الهيمنة الاستعمارية لا يعبر عن أصحاب الحق. لأنهم لا يعترفون به. وإذا اعترفوا به فإن اعترافهم ليس من داخلهم لأن إسرائيل بالرغم من مرور ستين عاماً علي قيامها إلا أنها لا تزال منبوذة من الأرضية الشعبية العربية. لأنها قامت ضد الأرضية الشعبية.
إسرائيل قامت اذن بالقرار الاستعماري. وكان هدف هذا القرار أن تكون بديلاً للاستعمار العسكري للدول العربية حين تطلعت شعوب هذه الدول للاستقلال وطرد القوات الاستعمارية من أراضيها. ولن تكون علاقات مع هذه الدولة المصنوعة ناجحة علي الاطلاق لأنها لم تقم بإرادة من شعوبها. ونحن نري هشاشة هذه العلاقات حتي بعد مرور ستين عاماً علي قيامها. وهي زمن يتغير فيه التاريخ أو يمكن نسيانه لأن الدول حين تقوم تسندها العلاقات الاجتماعية التي تنشأ في ظروف طبيعية. وبالرغم من مرور هذا الزمن الطويل فإننا لا نزال نذكر المقولات التي نشأت مع قيام إسرائيل بالإجراءات الاستعمارية بأن من لا يملك أعطي من لا يستحق. فهذه الدولة لها صفة الاستعمار. والاستعمار القديم قد زال. وستزول جميعپصوره المستحدثة ومنها إسرائيل.
لقد عاش اليهود أزماناً طويلة بين المسلمين والنصاري في الدول العربية. وحياتهم فيها كان لها قبول اجتماعي واقتصادي. وهذا القبول لم يهتز إلا مع قيام دولة لهم علي أرض فلسطين تحت الهيمنة الاستعمارية. بدليل أن إسرائيل إذا فقدت هذه الهيمنة في يوم من الأيام فإنها تفقد نفسها تماماً. لأن وجودها لم يكن طبيعياً وإنما هو وجود مصنوع. لقد قامت إسرائيل بالعون الاستعماري. ولولا هذا العون ماقامت ولا أصبحت لها دولة. ولكن بالرغم من مرور ستين عاماً علي المؤامرة إلا أن أصحابها لا يزالون معبرين عن ذاتيتهم الإقليمية والتاريخية مع أنهم في شتات علي الأرض العربية والإسلامية. ولا يزال صوتهم يرتفع باسم فلسطين. ولم يمت هذا الاسم علي الألسنة. وسيظل حياً حتي تعود المياه إلي مجاريها إن شاء الله. فقد تسكن مياه البحيرة زمناً أو أزماناً ولكنها لا تلبث أن تموج بعد سكون وتهدر وتفرق الطفيليات التي تطفو فوق مياهها. وهذه هي الرؤية الصحيحة التي يسندها التاريخ والتي يجب أن ننظر بها إلي قضية فلسطين ونجدد العهد لها علي الرغم من مرور ستين عاماً علي المؤامرة ضدها.
__________________
أناَ ليْ قلبُ ماَيحُــقـَـدْ.., ولاَيحُسَد.., ولاَ
يغَـــتُـــاَبـ ..
لإنْ النَاسْ مَن تُخطيْ لهاَ رب يجُاَزيـــٌــهـاَ..
ولاَ اندُمْ علَىْ البَايـُعْ ولاَ احُــزَنْ عـُـلىْ اللَعــُـاَبـ ..
وناَس ٍ ماَتقُـــدرَنيْ
أطنَــشُهاَ..واجُاَفيـهُـــــُـاَ }..