حمار الوزارة وحمار التلاميذ !!!
________________________________________
في معرض نقده لأنظمة التعليم في الوطن العربي والقائم على التلقين يذكر الدكتور حامد عمار في كتابه المعنون بـ " في بناء الإنسان العربي " وهو كتاب قيم أتمنى على الجميع قراءته أقول يذكر الدكتور في كتابه هذا تحت عنوان " حمار الوزارة وحمار التلاميذ " أنه كان في يوم من الأيام يعمل موجها في وزارة التربية والتعليم بجمهورية مصر العربية وكان لديهم في التعليم الابتدائي مادة العلوم ويدخل ضمن هذه المادة تدريس " الأشياء والصحة " ومن بين المواضيع الداخلة في المادة موضوع " الحيوانات الأليفة ".
يقول الدكتور حامد عمار أن من بين الحيوانات الأليفة التي كان يدرسها التلاميذ " الحمار ". وفي يوم من الأيام يقول ذهبت موجها إلى قرية المنوفية وهي قرية يعتمد أهلها على الحمير بشكل كبير في الزراعة والتنقل ويتعرف عليها الطفل هناك منذ ولادته ويعرف ماذا تأكل ومتى تشرب ومتى تبرطع ومتى تصقل لأنه يتعايش معها منذ طفولته الباكرة.
ويسترسل حامد عمار قائلا: دخلت على المعلم في الصف فإذا به يردد بأعلى صوته على مسامع الطلاب أن الحمار من الحيوانات الأليفة ومن ذوات الأربع وله ذيل طويل وأذنان طويلتان ويستخدم في التنقل والزراعة ثم كتب المعلم الملخص على السبورة وطلب من التلاميذ نسخ الملخص في دفاترهم.
يقول حامد عمار هنا تدخلت كموجه وقلت للطلاب لحظة من فضلكم: الآن عرفتم حمار الوزارة ... فما الذي تودون معرفته أنتم عن الحمار؟ يقول أطبق الصمت لبعض الوقت فرفع أحد التلاميذ إصبعه وسأل: كم سنة يعيش الحمار يا أستاذ؟ وبعده تجرأ آخر فسأل: كيف يمكن معالجة الجروح التي في ظهر الحمار؟ ثم تجرأ الثالث فسأل: هل يختلف السعر من حمار إلى آخر؟
يقول حامد عمار من حسن حظي وحظ المعلم أن أعلنت الصافرة نهاية الحصة لتخرجني والمعلم من ورطة أسئلة الطلاب فقلت لهم إذهبوا لأهلكم واسألوهم فهم الأدرى بشؤون الحمير مني ومن معلمكم.
يقول حامد عمار تأملت في الحمار الذي أرادت الوزارة تعليمه للطلاب فوجدت أنه لم يضيف جديدا لمعلومات ومعارف التلاميذ لأنهم يعرفون أصلا أن الحمار من الحيوانات الأليفة لأنهم يعيشون معه كل يوم وخاصة في المنوفية ويعرفون أنه من ذوات الأربع وأن ذيله طويل وأذناه طويلتان ويستخدم في التنقل والزراعة فهم يرونه رأي العين في كل لحظة ... فماذا أضافت الوزارة لمعلومات الطلاب عن الحمار؟ إنها لم تضف شيئا جديدا على الاطلاق.
يقول المؤلف ثم تأملت في أسئلة الطلاب فوجدتها منطقية وتعبر عن تفكير عميق ورغبة في المعرفة: فبخصوص السؤال عن كم سنة يعيش الحمار: أليس لكل شيء بداية ونهاية وما بينهما هو سن الكئن الحي؟ وبخصوص السؤال الثاني: أليس لكل داء دواء إلا جرح الحب في قلوب بعض الشعراء؟ وبخصوص السؤال الثالث عن ثمن الحمير: أليس لكل شيء ثمنه بحسب قدرته على إنجاز المهام؟
يقول حامد عمار: بعد تأمل في حمار الوزارة وحمار التلاميذ وجدت أن حمار الوزارة لم يضف إلى معلومات التلاميذ شيئا فهو حمار ميت ... أما حمار التلاميذ فهو حقا الحمار الذي يود التلاميذ أن يعرفوا عنه معلومات غائبة عن أذهانهم فهو حمار حي جامح.
أراد حامد عمار أن يلفت انتباه القاريء إلى أهمية الحوار بين المعلم والتلاميذ حول الموضوع المطروح بدلا من التلقين ... ففي الحوار تحفيز لعقول التلاميذ وحثا لهم على التفكير وطرح الأسئلة والاستنباط والنقد والاستنتاج.
هكذا للأسف هي مناهجنا وأساليب التدريس في العالم العربي تخرج حفظة للمعلومات دون تساؤل أو نقاش وتدعو إلى تعطيل العقول لأنها تقدم معلومات جاهزة على التلاميذ أن يحفظوها كما هي دون أن يكون لهم رأي حولها أو إضافات أو نقد أو تساؤل.
بعد قراءتي لهذا الموضوع فتح ذهني الدكتور حامد عمار إلى نقطة مهمة في عملية تدريس التلاميذ وهي سؤالهم عن ماذا يرغبون في تعلمه من المادة المطروحة في جداولهم بدلا من أن أكتفي بالمنهج الذي أفرضه أنا عليهم ... فالمادة يجب أن تشبع رغبة التلاميذ وليس فقط رغبة المعلم ولابد أن يكون لهم رأي في محتوى المادة المقررة والمشاركة مع المعلم في وضع العناصر الأساسية لها بدلا من الدكتاتورية الفكرية التي يمارسها كثير من المعلمين والمعلمات على الطلاب والطالبات فلا يشركونهم في صناعة محتوى المادة ... فقد يرغب التلاميذ في معرفة أشياء معينة من دراسة المادة بينما يفرض عليهم المعلم أو المعلمة مالا يصب في ميولهم واهتماماتهم ... ومن هنا للأسف تتشكل أول خطوات الدلاخة الفكرية لدى كثير من طلابنا وطالباتنا وشيوع الاتكالية والكسل والخمول والملل لأنهم ببساطة لا يملكون الحق في المشاركة في صناعة محتوى المادة ولا يجدون فرصة للحوار والتأمل والإستنباط والنقد والإضافة والحذف وإعمال العقل والنتيجة النهائية لمثل هذا الإسلوب في التدريس هو مجموعة من الحفظة يرمون كتبهم بعنف بعد نهاية الاختبارات وينسون ما حفظوه بمجرد تسليمهم لأوراق الإجابة.
... محبكم الفوزان
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]