القرآن يتحدى فصحاء قريش
من الذين تحداهم القرآن من معاصري الرسول (ص) عتبة بن ربيعة، وقد كان عتبة من فصحاء قريش وشعرائها المرموقين وكان بعد من ساداتها في المكانة الاجتماعية، ففي كتاب (السيرة) لابن هشام قال بينما نفر من كبار قريش جالسين بفناء الكعبة ورسول الله (ص) جالس في ناحية من المسجد اذ قال عتبة: يا معشر قريش الا اقوم الى محمد فاكمله واعرض عليه امورا لعله يقبل بعضها فنعطيه ما يريد ويكف عن هذه الدعوى فقالوا: بلى يا ابا الوليد فكلمه.
فقام عتبة من وقته وجلس الى جنب الرسول (ص) وبعد مراسيم التحية قال يا ابن اخي انك منا حيث علمت من الشرف في العشيرة والمكان في النسب وانك ابن شيخ البطحاء وقد اتيت قومك بأمر عظيم سفهت احلامهم وعبثت دينهم وفرقت جمعهم وخلقت الاحن بينهم فاني اعرض عليك امورا لعلك تقبل بعضها وتكف عن هذه الدعوة.
فقال النبي (ص): قل يا ابا الوليد اسمع، قال: يا بان اخي ان كنت تريد بهذا الامر مالاً جمعنا لك من اموالنا حتى تكون اكثرنا ملا، وان كنت تريد بهذا الامر شرفا سودناك علينا حتى لانقطع امرا دونك وان كنت تريد ملكا ملكناك علينا وان كان الذي يأتيك رأيا (اي جنيا) تراه ولا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك اطباء العرب وكهانها وبذلنا من اموالنا حتى نبرئك منه.
فلما فرغ عتبة قال له الرسول (ص) افرغت يا ابا الوليد؟ قال نعم.
قال فاسمع مني كما سمعت منك ثم تلا عليه قوله تعالى: (حم تنزيل من الرحمن الرحيم* كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون* بشيرا ونذيرا فاعرض اكثرهم فهم لايسمعون* وقالوا قلوبنا في اكنة مما تدعونا اليه وفي اذاننا وقرومن بيننا وبينك حجاب فأعمل اننا عاملون)، الى ان بلغ رسول الله (ص) من السورة الى قوله تعالى: (فان اعرضوا فقل انذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) [فصلت/13].
فوضع عتبة يده على جنبه وقام منصرفا بلا كلام ولا سلام وقد تغير حاله وكان الصواعق تلاحقه وعاد الى قريش فلما جلس اليهم قالوا ما وراءك ابا الوليد قال: يا معشر قريش، لقد سمعت من محمد قولا والله ما سمعت قط مثله فصاحة وبلاغة والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا هو بالكهانة، يا معشر قريش اطيعوني وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت بناء عظيم فان تصبه العرب فقد كفيتموه وان يظهر على العرب (اي ينتصر) فملكه ملككم وعزه عزكم وانتم اسعد الناس به.
قالوا سحرك يا ابا الوليد بحسن بيانه وطلاوة لسانه، فقال عتبة: هذا رأيي فاصنعوه ما بدا لكم.