أحب الأعمال إلى الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
على قدر اجتهاد العبد لتحقيق العبودية لله فيما يحبه ويرضاه من عباده تتحقق له محبته لربه وكذلك محبة الله له .
من هذا نعلم أهمية التعرف على ما يحبه الله من الأقوال والأعمال ، ثم السعي إلى العمل بها والاجتهاد في تحقيقها وسؤال الله التوفيق إليها ، لذلك كان من دعاء الرسول (اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يبلغني حبك ، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد ) .
وهناك أمور مهمة عليها مدار قبول العمل الصالح ومضاعفة مثوبته ، وبقاء نفعه في الآخرة، هي :
1 ـ الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال .
2 ـ النصح في العبادة والعمل على أن تكون على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3 ـ المحافظة على ثواب العمل الصالح بالحذر من الوقوع في مفسدات الأعمال .
واليك بعض أحب الأعمال إلى الله :
أولا ـ إيمان بالله قال رسول الله (أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ) : أي ( توحيد الله ) وهو إفراد الله بالعبادة ويلزم من ذلك التجرد في أعمال القلوب وأعمال الجوارح التي هي تبعا لها فمتى صلح القلب صلح الجسد لقول الرسول (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ........ ) الحديث ولا يصلح القلب حتى يستغني عن جميع المخلوقات فيكون الله مولاه لا يعبد سواه ولا يستعين إلا به ولا يتوكل إلا عليه يحب فيه ويبغض فيه .
ثانيا ـ صلة الرحم : قال صلى الله عليه وسلم ( أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ، ثم صلة الرحم ).
ومن عظم منزلة صلة الرحم أن الله قال لها عندما تعلقت بالعرش وقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة ( ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت : بلى قال : فهو لك فقال رسول الله اقرءوا إن شئتم ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) وفي الحديث :( لعن الله قاطع الرحم ) . والرحم هم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه ، وتكون الصلة بالمال، والعون على الحاجة ، ودفع الضرر ، وطلاقة الوجه ، والدعاء ، وإيصال الخير ما أمكن بحسب الحال .
ثالثا : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : لقوله صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ، ثم صلة الرحم ، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) والمعروف : يكون في جميع الطاعات ، وأوله عبادة الله وحده لا شريك له ، والإخلاص ، ثم الإتيان بسائر الطاعات من واجبات ومستحبات .
والمنكر : كل مانهى الله عنه ونهى عنه رسوله ، ويكون الإنكار حسب المراتب الثلاث الذي ذكرها الرسول في قوله ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) . ويكون ذلك ممن اتصف ببعض الصفات منها :
1 ـ العلم بما يأمر به وماينهى عنه .
2 ـ الرفق والحكمة بما يأمر وينهى .
3 ـ الصبر : فما أحد سلك هذا السبيل إلا ابتلي لقول لقمان لابنه ( يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ).
رابعا :الفرائض : لقول الرسول عليه السلام في الحديث القدسي ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ) ، ويدخل في الفرائض فرائض العين كصلاة الجمعة ،والكفاية كصلاة الجنازة : سواء الفرائض الظاهرة كالوضوء وغيره، أوالباطنة كالتوكل والخوف الفعلية والقولية والتركيه كترك الزنى وغيره ، وأولها الصلاة المفروضة أول ما يسأل عنه العبد .
خامسا : الوتر قال صلى الله عليه وسلم ( وإن الله وتر يحب الوتر ) لذلك لم يدعه رسول الله لا حضرا ولا سفرا وجاء عند الترمذي ( فأوتروا يا أهل القرآن ) .
سادسا :بر الوالدين : قال عليه السلام في حديث بن مسعود قال سألت رسول الله : أي الأعمال أحب الأعمال إلى الله ؟ قال الصلاة على وقتها ، قلت ثم أي ؟ قال : ثم بر الوالدين ) والله قال (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) فالوالدين أحق الناس بعد الله . ومن حقهما برهما والتذلل لهما والترحم عليهما بعد موتها .
سابعا : ذكر الله لقوله عليه السلام ( اجعل لسانك رطبا من ذكر الله ) والله قال ( فاذكروني أذكركم ) والذكر يكون باللسان والقلب وأحسنه ما وافق اللسان القلب ورسول الله كان يذكر الله على كل أحيانه ومن أعظم الذكر ( لا إله إلا الله ) والذكر مقيد ومطلق وما كان على صفة معينة أو عدد معين لابد أن يكون كذلك وأن يكون بما صح عن رسول الله .
ثامنا :حسن الخلق لقوله عليه السلام ( أحب الأعمال إلى الله أحسنهم خلقا ) وحسن الخلق يكون في الظاهر والباطن فصاحب الخلق الحسن كثير الحياء ، قليل الأذى ، كثير الصلاح ، صدوق اللسان ، قليل الكلام ، كثير العلم ، قليل الزلل ، برا وصولا لرحمه ، وقورا وصبورا وشكورا ، راضيا حليما رفيقا ، عفيفا شفيقا لا لعانا ولا سبابا ولا نماما ولا مغتابا ، لا عجولا ولا حاقدا ، ولا بخيلا ولا حسودا ،بشاشا هشاشا ، يحب في الله ويبغض فيه ويرضى في الله ويغضب فيه .
يقول عليه السلام ( ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق ، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ) .
تاسعا : الرفق لقوله عليه السلام (إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) وقوله (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وما لا يعطي على سواه ) بل يقول عليه السلام ( من يحرم الرفق يحرم الخير ، والرفق واللين نتيجة لحسن الخلق ومن الحكمة أن يوضع كل أمر في مكانه ، فما أحسن أن يرى بين أفراد الأسرة والجماعة فلو عمل به ما رأينا تباعد وشحناء .
عاشرا : الحياء والستر قال عليه السلام (إن الله عز وجل حليم ، حيي ستير ، يحب الحياء والستر ، .... الحديث ) بل إن الحياء من شعب الإيمان وكان رسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها . ويكون الحياء في الإنسان من ثلاثة وجوه :
1 ـ حياؤه من الله .
2 ـ حياؤه من الناس .
3 ـ حياؤه من نفسه .
فمن الله : بامتثال أمره وترك نهيه بأن يحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى .
ومن الناس : بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح فذلك كمال المروءة والحذر من الملامة والذم .
و من النفس : بالعفة ومراقبة الله في الخلوات لقوله عليه السلام ( الحياء لا يأتي إلا بخير )وقوله ( الحياء خير كله ) والستر قال الله فيه (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ) فقد أمر الله بستر العورات فالله يحب الستر ويبغض التعري وما أجمل ذلك عندما تلتزم به المرأة المسلمة حتى مع النساء .
الحادي عشر : الراضي بالبلاء قال عليه السلام (لأن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، ولأن الله إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضى ، ومن سخط فله السخط ) والبلاء فيه رفع لمنزلة العبد ومحو لسيئاته إذا أصيب فصبر واحتسب ولم يتسخط يقول عليه السلام ( ما من مسلم يصيبه أذى إلا حات الله عنه خطاياه ، كما تحات ورق الشجر ) وهذه بشارة للصابر المحتسب ، بل يكون الصبر عند الصدمة الأولى فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها فذلك دليل على قوة القلب وثباته ومما يسلي أن نعلم أن الأنبياء أشد بلاء ويبتلى المرء على قدر إيمانه فكلما زاد إيمانه زاد بلاءه حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة ، ومن راى مبتلا فليحمد الله الذي عافاه مما ابتلاه .
اللهم إنا نسألك حبك وحب عمل يقربنا من حبك يا ذا الجلال والإكرام .