صلة الرحم

صلة الرحم
الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد :
فتتمة لحديث الجمعة الماضي عن بر الوالدين سيكون حديثنا اليوم ـ مستعينين بالله ـ في حلقتين الأولى عن الصلة والثانية عن القطيعة..
أولاً : صلة الرحم.. قال ابن الأثير : وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار ، والعطف عليهم ، والرفق بهم ، والرعاية لأحوالهم ، وكذلك إن بعدوا وأساءوا ، وقطع الرحم ضد ذلك كله .
أ جمع العلماء على أن صلة الرحم فرض وأن قطعها كبيرة من الكبائر.. و قد وردت بعد آيات البر قال الله تعالى : (.. وآت ذا القربى حقه ) سورة الإسراء من الآية (26) وقال تعالى ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) سورة النساء من الآية (1) أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها وأثنى تعالى على واصلي أرحامهم بقوله : ( الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق* والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) سورة الرعد (20-21) وقال سبحانه : ( فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه وأولئك هم المفلحون) سورة الروم : (38) .
وعن عبدا لله بن سلام ـ رضي الله عنه ـ قال : لما قدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة ، أنجفل الناس قِبَلهُ . وقيل : قد قدم رسول لله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثلاثاً ـ فجئت في الناس لأنظُرَ فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فكان أول شيء سمعتهُ تكلم به أن قال : " يا أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " وعن أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " تعبد الله ، ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم " .
والرحم التي يجب أن توصل هي كل أقارب الإنسان نفسه من جهة أبيه أوجهة أمه الذين يتفرع منهم كالآباء والأجداد والأمهات والجدات ، والذين يتفرعون منه كأبنائه وبناته وإن نزلوا ، والذين يتفرعون من أصوله كالأخوة والأعمام وأبنائهم والأخوال والخالات وأبنائهم ، كل هؤلاء هم الأرحام وليسوا أقارب الزوج والزوجة فإنهم يسمون أصهاراً وليسوا بأنساب ولا أرحام .
وصلة الرحم تكون بما جرى به العرف الإسلامي واتبعه الناس من بر وإحسان قال العلماء بأن الصلة هي إيصال كل خير ممكن حسب القدرة و الاستطاعة وأقلها السلام والبسمة و تكون بالزيارات والهدايا والنفقة على الأقرب الفقير فمن بعده و بالعطف والحنان ولين الجانب وبشاشة الوجه والإكرام والاحترام لأنه لم يبين في الكتاب والسنة نوعها ولا جنسها ولا مقدارها , و هي سبب لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة يصله الله سبحانه وتعالي فيوسع له في رزقه ويمد له في عمره ويسهل له أمره ويعينه على طاعته . في صحيح ابن حبان عن أبي بكرة أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال " إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة فتنمو أموالهم وبكثرة عددهم إذا تواصلوا وما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون " . عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول " من سره أن يبسط له في رزقه وان ينسأ له في أثره فليصل رحمه " وفي رواية : " من سره أن يُعظم الله رزقه وأن يمد في أجله فليصل رحمه " ورد في شرح النووي : ينسأ له في أثره 1ـ البركة في عمره بالطاعات وعمارة الوقت . 2- زيادة حقيقية في العمر . 3- بقاء ذكره الجميل .وعن عمرو بن سهل ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر " وصلة الرحم أعظم أجراً من العتق ، عن ميمونة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : " يا رسول الله أشعرت آني أعتقت وليدتي قال أوفعلتي ذلك قالت : نعم أما أنكي لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك " . وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدخلها ، ويشرب من ماء فيها طيب ، فلما نزلت هذه الآية : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقا من شيئ فإن الله به عليم ) سورة آل عمران (92) ، قام أبو طلحة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله ، إن الله تبارك وتعالى يقول : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقا من شيئ فإن الله به عليم) وإن أحب مالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة لله تعالى ، أرجو برها وذخرها عند الله تعالى ، فضعها يا رسول الله ، حيث أراك الله ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " بخ ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ! وقد سمعت ما قلت ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين " فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه والواصل ـ حقيقة ـ هو الذي يصل قرابته لله ، سواء وصلوه أم قطعوه ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطع رحمه وصلها ).
وأخيراً فإن سماحة الإسلام وإنسانيته كما ورد لم تقف عند صلة الأرحام من المسلمين فحسب بل تجاوزته إلى القرابة من غير المسلمين ، روى الشيخان عن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جهاراً غير سرّ يقول " إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين ، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها " أي أصلها بالمعروف اللائق بها ، فشبه الرحم بالأرض تندى بالصلة فتثمر ثمراً معنويا هو المحبة والألفة ولما ورد في حديث أسماء بنت أبي بكر عندما سألت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما قدمت عليها أمها وهي مشركة فقالت : أفاصل أمي ؟ قال رسول الله ـ صلى الله علية وسلم ـ " نعم صلي أمك " .
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا ممن يبر والديه أحياءً وميتين و ممن يصل رحمه ، وأن يوفقنا لأحسن الأعمال والأخلاق لا يوفق لأحسنها إلا هو , وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها الا هو. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ،،،،
(يتبع عن القطيعة)
جمعه وكتب الراجي مغفرة ربه
عبد الهادي بن عبد الوهاب المنصوري
جدة في 9/5/ 1431هـ