الوفاء من شعب الإيمان :ـ

الوفاء من شعب الإيمان :ـ
الوفاء هو قيام المسلم بما التزم به من قول أو كتابة تجاه الغير ، وهومن أعظم الصفات الإنسانية، فمن فُُقد فيه الوفاء فقد انسلخ من إنسانيته.، وقد مدح جل وعلا المتقين الصادقين ، في آية البر الجامعة ، يقول تعالى : ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ) سورة البقرة ( 177 ) .
و أمر الله – به في قوله تعالى: ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً ) سورة الإسراء ( 34 ) . وقوله : ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ) سورة النحل (91) . وهو من صفاته قال تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ) سورة النور من الآية ( 55) . وهو من صفات الأنبياء والمرسلين قال تعالى : ( وإبراهيم الذي وفى ) سورة النجم ( 37 ) ، وقال ( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا ) سورة مريم ( 54 ) . ومن خصال أولي الألباب قال تعالى ( إنما يتذكر أولوا الألباب * الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ) سورة الرعد (20) .
إن الوفاء بأنواعه المختلفة له معطيات كثيرة وهوخلق متشعب لعلاقته بأكثر الصفات الحميدة في الإنسان فيغلب أحياناً على قضية تعامله مع والديه , تعامله في بيعه وشراءه , تعامله مع أصدقاءه , وقرناء عمله , تعامله مع كل من حوله حتى مع غير المؤمنين أي المشركين ما داموا قائمين على العهد لم ينقضوه وفي ذلك يقول الله تعالى ( إلا الذين عاهدتهم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يجب المتقين ) سورة التوبة (4 ) .
والوفاء أنواع كثيرة ، منها : ـ ،
* الوفاء مع الله ، وهو أعلاها مكانة ، وذلك بتعظيم أوامره ونواهيه، وصرف العبادة له سبحانه وحده دون كل ما سواه، تبعا لما دل عليه كتابه وجاءت به سنة نبيه عليه الصلاة والسلام مع الابتعاد عن عبادة الشيطان وإتباع سبيله ، قال تعالى : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) سورة يـس (60) . وهو مَا أخَذَهُ الله تعالى عَلَى الْبَشَر. قال الله تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) سورة آل عمران (81 -82) . وقال تعالى : (إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة , يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون , وعدا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن , ومن أوفى بعهده من اللّه ? فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به , وذلك هو الفوز العظيم . التائبون العابدون الحامدون السائحون , الراكعون الساجدون , الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر , والحافظون لحدود اللّه , وبشر المؤمنين )
* الوفاء مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويتحقق ذلك بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلاّ بما شرع . قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنة فانتهوا ) [الحشر: ( 7 ( وقوله -عز وجل-: ﴿ ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ) النساء: (80)وقال تعالى: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) سورة آل عمران (31) .
* الوفاء مع الخلق في كل أشكال العقود والمواثيق بين أفراد البشر، إذا تأطرت بقوالب شرعية ، قال تعالى : (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ) سورة الإسراء ( 34 ) . وقد نبه الله عليها في أكثر من موضع. قال الله تعالى: ( والذين ءامنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثق والله بما تعملون بصير ) سورة الأنفال (72) . و قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عندشروطهم) وقد عقد ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلح الحديبية مع الكافرين ، ووفَّى لهم بما تضمنه هذا العقد ، دون أن يغدر بهم أو يخون ، بل كانوا هم أهل الغدر والخيانة . وفي هذا دليل على كمال وفاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحترامه للعهود والمواثيق ، وقدضرب المسلمون قبيل معركة اليرموك اروع مثل في الوفاء حيث رد خالد بن الوليد ـرضي الله عنه ـ على أهل حمص، وأبو عبيدة ـ رضي الله عنه ـ على أهل دمشق، وبقية القواد المسلمين على أهل المدن الشامية المفتوحة ما أخذوه منهم من الجزية حين اضطر المسلمون إلى مغادرتها قبيل معركة اليرموك، وكان مما قاله القواد المسلمون لأهل تلك المدن: "إنا كنا قد أخذنا منكم الجزية على المنعة والحماية، ونحن الآن عاجزون عن حمايتكم فهذه هي أموالكم نردها إليكم".
* الوفاء بالوعد : قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " اربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان وإذا حدَّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر". ذكرالواحدي عند تفسير قوله تعالى عن إسماعيل عليه السلام أنه كان صادق الوعد. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إسماعيل عليه السلام وعد صاحبا له أن ينتظره في مكان فانتظره سنة .
*الوفاء بحق الآباء على الأبناء قال تعالى : ( و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما و قل لهما قولا كريما ) سورة الإسراء (23) .
* الوفاء بحق الأبناء على الآباء قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ..) سورة التحريم ( 6) .
* الوفاء بحقوق الجار قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قيل : من يا رسول الله ؟ قال " الذي لا يأمن جاره بوائقه "
*الوفاء بالكيل والميزان ’ قال تعالى : ( أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) سورة هود: (85).
* الوفاء بالنذر: قال تعالى ) :يوفون بالنذر ويخافون يومًا كان شره مستطيرًا ( سورة الإنسان: (7 ) .
* الوفاء بحق المسلم على المسلم ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ : " حق المسلم على المسلم ست: قيل: وما هنّ يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلّم عليه. وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشَمِّته. وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتْبَعه ". وهذه الحقوق الستة من قام بها في حقّ المسلمين كان قيامه بغيرها أولى.
*الوفاء بأداء الدين لمستحقيه وعدم المماطلة فيه قال ـ صلى الله عليه وسلم " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله
* الوفاء بحق الأجير في أداء أُجره ، قال الله عز وجل : قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره " .
ختاما فإن التزام المسلم بتعظيم أوامر الله ونواهيه، وصرف العبادة له سبحانه وإتباع سنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفاء ، يقول عنه بن عباس ـ رضي الله عنه ـ : " كل ما أحل الله وما حرم وما فرض في القرآن ، فهو عهد " و بذلك فإن عدم الوفاء بأنواعه المختلفة يؤدي إلى المساءلة والجزاء سواء في الدنيا أوالآخرة آو كليهما معا، وهو ما يشير إليه القرآن الكريم في الآية التي سبق ذكرها ".... إن العهد كان مسؤولا " وبالمقابل، فان من يفي بالعهد، ينال أجره العظيم " ومن أوفى بما عاهد الله عليه فسيؤتيه أجرا عظيما " .ورد في أنيس المنقطعين أنه قيل لبعض الصالحين وقد أصبح صائما تطوعا :افطر فإن المتطوع أمير نفسه فقال : أني لأستحي من ربي عزوجل أن أعده وعدا وهو أن أصوم ولا أوفي له بوعدي.
اللهم إنا نسألك الصدق في القول والإخلاص في القول والعمل والوفاء بالعهد،وارحم ضعفنا وتقصيرنا وجهلنا وإسرافنا في أمرنا يا أرحم الراحمين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ،،،،

كتبه وجمعه الراجي رحمة ربه
عبدالهادي بن عبدالوهاب المنصوري
جدة 23/10/1431هـ