فلم الموسم (ليلة الدخله) ثالث أيام العيد !

فلم الموسم ( ليلة الدخله )

كانت رائحة الحناء عصر ذلك اليوم المصنعي الجميل تعبق بالمكان ، فالكل قد تخضب بالحناء تقريباً ، النساء الناضجات والقواعد منهن , الفتيات الصغيرات والصبايا ، آه من الصبايا ، حتى كبار السن من الرجال .
لقد كان الحناء موضة ذلك العصر البعيد ، البعض من الرجال القرويين يتحنى تديناً ، والبعض الآخر للتزين به ، وآخرون يجدون فيه نوعاً من أنواع الغزل ، فرائحته ربما - أقول ربما - ترسل ومضات خفيه للفت النطر !
بالنسبة لي لا اطيقه وإن شدني منظره على كفوف النساء ، فكم كنت أخرج ما في جوفي (يعني أطرش) ما إن أرى إحدى جداتي أو والدتي أو قريباتي ( تطغ ) قد غمست إحدى يديها أو قدميها في ( طاسة ) الحناء ، حيث تنقلب أيامي إلى معاناة ، إذ أجد أن رائحته قد التصقت بكل شئ تقريباً ، بالأنفاس وبأواني الطبخ وما فيها من أكل ، بل أكاد أتنفسه في منامي !
ماعلينا .. فليلة الدخلة ، وهي الليلة الأولى من ليلتي العرس أيام زمان ، تعتبر مناسبة سعيده منتظره ، للفرح والأكل وأشياء أخرى ، و ( للبحلقه ) فربما تجد إحدى العجائز المتخصصات في صبية ما تصفها لأهل بيت يبحثون لولدهم أو شيبتهم عروساً ، وإن كان الزواج أيام زمان يقوم على أساس زيادة الأيدي العاملة داخل الأسرة ، فلا مجال للقوام الممشوق والشعر المسدول والأرداف الممتلئه ، بل المقياس هو القدرة على العمل 24 ساعة في 24 ساعة ، أي عكس هذه الأيام ، حيث السائد ( التبطح ) النسواني ليل نهار ، فجميع أفراد الأسرة تلك الأيام تحت الطلب كداً ومداً من طلوع الفجر الصادق إلى ما قبل صلاة العشاء . بل كانت الأنثى الحقيقية زمان تستيقظ قبل الزوج وتنام بعده وهي ما تشوف الطريق ، لا وبعد الوفاء بحقه عليها صاحية ونايمه . إنها المساواة على أصولها !!
نعود لليلة الدخلة .. على شاكلة الأطفال الغير عاديين كانت تتسلل إلى تخوم راسي الطرئ كلمات ذكورية عن ما يجب أن يفعله العريس تلك الليلة الموعوده لكي يثبت رجولته من أول ليله في حياته الزوجيه ، فقد تنقلب عليه شتيمه تلتصق به زمناً طويلاً ، وكلمات نسوانيه عن وجوب المقاومة لتثبت العروسه بالدليل القاطع أنها قوية البأس وصعبة الترويض !
غير واحد تجاهلوا وجودي بجانبهم ، غدوا يتواصون على أخذ ( السماعة ) تلك العادة القديمة البائدة بحثاً عن همسة أو لقطة ساخنة مغلفة بالجوع إلى بعض الأكل الخاص من يد العريس الشجاع !!
غاصت يدي في راحة كف إمـي عائدان إلـى البيت ، ذهبت في نومي الحالم سريعاً ، ولرغبة دفينة استيقظت مبكراً صباح اليوم الثاني من العرس ( يوم المباركة ) أعدو مسرعاً عبر (المسارب) تلاحقني نداءات أمي بالعودة إلى البيت العتيق ، دخلت (حوش) بيت أهل العرس أرقب الشرشف الأبيض المنشور على حافة السقيفه والعروس المحمرة الخدين تجلس بين قريبات العريس .. أخذن يضاحكنني ويمازحنني .. وفجأة ، كف ( معتبر ) على مؤخرة رأسي من العريس الغاضب من الجميع ، ينتهرني بمغادرة المكان !!
فهمت بعد زمن سبب تلك الفورة ، وعذرته عندما كبرت ، فوجهه كان مليئاً بـ (الخموش) !!!
طبعاً وليت هارباً ، طمعاً في لقمة من قرص الملعقة الصباحي ، أو أن أنتظر للغداء وانا ونصيبي !
محبكم أبو الطيب
الجادة 07 المصنعة
حررت في 15/9/1427هـ