أهو كالفأر يا أبت؟!
د. ميسرة طاهر
يروى أن رجلا وزوجته سجنا في عهد القيصر وأنجبا طفلا في السجن الذي لم تتجاوز مساحته ثلاثة أمتار في ثلاثة، وبه دورة مياه وحفرة في جداره يخرج منها فأر صغير يقتات بما يتبقى من فتات طعام السجين وزوجته، وحين بدأ الطفل يدب على الأرض ولسانه ينطق خاف الرجل على ولده أن يشب وهو يجهل ما يجري خارج السجن فصار يحدثه عن أهم المخلوقات التي يفتخر بها الناس في ذلك الوقت وهو الحصان ويصفه له فيقول ان له جسما كبيرا وذيلا طويلا من الشعر وأذنين صغيرتين وقوائم أربع وكلما أنهى وصفا أكثر دقة من سابقه سمع من طفله السؤال نفسه أهو كالفأر يا أبت؟
وكأن الكون كله قد لخص في هذا الفأر الذي لا يرى الطفل غيره ولا يستطيع أن يتصور كائنا آخر في الكون غيره.
وتروي القصص أيضا أن مجموعة من العميان تحلقوا حول فيل فمسك أحدهم ساقه والآخر أذنه والثالث خرطومه يتحسس كل منهم ما يمسكه ثم افترقوا وحين اجتمعوا ثانية بدؤوا يتحدثون عن الفيل فقال من مسك ساقه أن الفيل أسطواني الشكل متوسط الحجم وقال من مسك أذنه أنه رقيق مسطح وقال من مسك خرطومه أنه رفيع مرن وفارغ.
والحقيقة أن الطفل والعميان تجمعهم مسألة واحدة فهم جميعا قاسوا وقارنوا مالم يعرفوه على ما عرفوه لذا من يحكم على نفسه بالضيق المعرفي ستبقى رؤيته لمسائل حياته ومشكلاتها وكأنها الفأر الذي يعرفه، أو ربما خرطوم الفيل أو ساقه أو أذنه.
وللخروج من ضيق الحكم على الحياة وأمورها إلى وسعها يتطلب ذلك أن يخرج أحدنا من أذن الفيل وساقه وخرطومه وجحر الفأر إلى سعة الحياة ومن أراد ذلك فلن يحتاج إلا إلى أمرين: مرونة عقلية تخلصه وإطلاع مسموع أو مقروء وما أكثر مصادر المعرفة اليوم التي إن أحسن الفرد منا استخدامها فسيخرج من جحر الفأر وسيعرف أن مشاكل حياته لها أكثر من حل واحد، وأن الفيل ليس مسطحا ولا أسطوانيا ولا مفرغا ولكنه شيء آخر أكبر من كل ذلك وربما كل ذلك.
===============================
من صحيفة عكاظ
تحياتي ..