[كنت قد بدأت في كتابة القصة منذ أكثر من عام .. وكتبت منها جزأين ( الاول والثاني ) والحقيقة انني تناسيتها عمدا ثم نسيتها فيما بعد ...
[حتى ذكرني بها احد الأعزاء وطلب مني تكملتها ... ولمن لم يقرأ الجزء الاول فيمكنه قراءتها في هذا المجلس ( كلا الجزءين )0
هنا الجزء الثالث للقصة :
[سمع احمد صوت ابيه مناديا ... فأسرع إليه ملبيا ندائه لأداء الصلاة جماعة في مسجد القرية الصغير 0
ثم عادوا أدراجهم إلى البيت لتناول طعام العشاء وكان احمد يجيب على أسئلتهم حول يومه الأول في السوق ؟ ماذا رأى ؟ كيف العمل ؟ ووالديه يصغيان إليه وبين الفينة والفينة تخرج من أفواههـــــــــم دعوات من القلب له بالتوفيق والستر 0
انقطع احمد عن أولاد القرية فليس لديه متسع من الوقت للعب او حتى للحديث معهم ...
وبعد ان فرغوا من عشائهم استعدوا لصلاة العشاء التي أعقبــــــــها الشروع في النوم ... فالقرية لا تعرف السهر إلا نادرا في المناسبات ولفترات قصيرة ...
وضع احمد رأسه على المخدة وهو يحلم بيوم الغد ماذا سيجري فيه ؟ وكيف ستكون أحداثه ؟
وفي الصباح الباكر بعد ان تناول فطوره صحبه والده لإيصاله لمقر عمله , وكرر عليه نصائحه حول الأمانة والإخلاص في العمل والصدق في القول ........
كانت أمنية أبيه أن يحظى احمد بعمل في مكة المكرمة أو جدة حيث تتوفر الأعمال بعكس القرية او السوق التي لا تتوفر فيها إلا في أضيق الحدود ... ولكنه لم يبح بأمنيته لابنه 0
استمر احمد في عمله نشيطا مخلصا وكان كثيرا ما يسمع من سائقي الشاحنات التي ترد بالأرزاق والمسافرين الى الدكان عن جدة وكيف أن فلان عمل براتب مجزي ...
لم يستطع ان يرسم في مخيلته صورة عن جدة كيف هي ؟ هل هي اكبر من سوقنا؟ اكبر من قريتنا ؟
وفي يوم من الايام كان ابوه يجلس مع احد اصدقائه وساله عن احمد ثم عقب بسؤال : لماذا لاترسله الى جدة ليعمل هناك ؟ والجماعه كثيرون ... وفلان ولد خالك سيهتم لإبنك وينتبه له !!
لم يجب الأب سوى بعبارة : خير ان شاءالله 0
وفي البيت عرض الفكرة على ام احمد التي رفضتها رفضا قاطعا قائلة: السوق ورضينا به .. والآن الى جدة !! لايمكن 0
هدأت حدة النقاش بينهما فالموضوع ليس بتلك العجلة ولازال في الامر متسع 0
وتمر الايام والشهور ويكبر احمد شيئا فشيئا حتى اتى ذلك اليوم الذي طلب من ابيه السماح له بالسفر الى جدة للعمل هناك .. فالأعمال كثيرة والاجور كبيرة ...
وافق الاب على مضض وغصة في حلقه لفراق ابنه ...... ولكن ماالعمل ؟ لابد من ذلك حتى يساعده في امور الحياة 0
وقد استأذن احمد من العم سعد في ترك العمل لديه رغبة في السفر ولم يمانع ذلك الرجل الطيب بل زوده ببعض النقود والكثير من النصائح 0
واصطدم احمد بمعارضة أمه لسفره ..وانها لن تصبر على فراقه ... ولم يهدئ من نحيبها الا عندما قال لها زوجها : لقد أرسلت رسالة لولد خالي وسيهتم باحمد وليس عليه ادنى خوف ... واخذيطمئنها حتى رضيت وقلبها يكاد يتـفطر0
حان موعد الرحيل الى جدة يوم الاثنين في احدى الشاحنات , واستيقظت الاسرة جميعا لترافق احمد الى السوق لتودعه ...
سافر احمد وهو مزودا بخبزة الصلل وبعض البيض المسلوق وخلافه استعدادا للرحلة .
ركب احمد في الشاحنة بعد ان ودع اهله واخذ يرسل النظر اليهم وهم واقفين والسيارة بدات تتحرك ولم يستطع اخفاء دموعه التي قابلتها دموع اهله ... كيف لا وهذه المرة الاولى التي سيغيب عنهم لفترة قد تطول او تقصر 0
تحركت السيارة بركابـــها وسط المزارع مخترقة العديد من القرى التي تكسوها الخضرة والأودية التي يجري فيها الماء على مدار العام نقيا رقراقا عذبا 0
كان الخط ترابيا من بلجرشي وحتى ماقبل الطائف بمسافة قصيرة ونادرا ماتلتقي سيارتان في هذا الطريق 0
يتمتع الركاب في الشاحنة بالمناظر الجميلة ويدفعون مقابل ذلك تحمل اشعة الشمس الحارقة والهواء بالاضافة الى الغبار مما يضفي على سحنة الركاب لونا برونزيا ملفتا للنظر 0
وعند الظهيرة كانوا قد اقتربوا من المحطة الأولى للراحة في مكان يعرف الآن بــ( شمرخ ) ...
يتميز هذا المكان بكثرة أشجار السدر فيه وقلة سكانه فهو وادي تكسوه الصخور الصغيرة البيضاء التي يجرفها السيل في مواسم الأمطار 0
كان جلوسهم لتناول الأكل وأخذ قسط من الراحة ...وعادة مايكون للسائق نصيب الأسد في التمتع بالأكل والشرب , فالكل هنا يسعى لرضاه علما بأنه يستلم اجرته مقدما 0
وبعد ان انتهى الركب من تناول اكلهم واصلوا السير لوجهتهم بينما احمد يجيل النظر فيما يرى من اودية وجبال جرداء ولايرى سوى بعض الأغنام أو الجمال مع رعاتــــــها على يمين الخط وشماله 0
وأخذ قرص الشمس يخف من حرارته ويميل الى الاحمرار إيذانا بالغروب ... ولاحت في الأفق مباني ومقاهي قبل مدينة الطائف
كان لابد من الوقوف عندها والاستراحة من وعثاء الطريق 0
شاهد احمد كراسي المقهى التي لا يشبهها سوى الأسرّة في القرية والمسماة ( قِعَادة )0
شاهد وجوها جديدة وأشياء أخرى في المقهى لم يكن له عهد بـها مثل ( الشيشة ) وأواني مياه الشرب المسماة ( ثلاجة ) بينما لم يكن بينها وبين الثلج صلة 0فهي عبارة عن زير ماء صغير تغطيه كاس من المعدن 0
وأخيرا وصلوا الى الطائف ...
هاهي الطائف ليلا تتلألأ بأنوارها المبهرة وشوارعها المعبدة وجوها اللطيف الذي يبعث النشاط في الجسم ... ودكاكينها الكثيرة المتراصة بجوار بعضها ومقاهيها المنتشرة في اغلب الشوارع ...
كان احمد سعيدا بما يرى فلقد اكتشف عالما جديدا لم يخطر على باله وهو الآتي من القرية 0
تناول الجميع عشاءهم في احد المقاهي وشاهد احمد التلفزيون الذي يراه لأول مرة فكانت عيناه متسمرتان على هذا الصندوق المضئ..
ولم يقطع استرساله سوى نداء السائق ومعاونه للركوب لمواصلة الرحلة 0
غادر الركب الطائف متجهين الى ( الهدا ) ثم ( مكة المكرمة ) فجدة ...
سمع من رفاق الرحلة عن جبل الهدا وارتفاعه وكيف ان الطريق يخترقه من قمته وحتى قاعدته – فكان متشوقا لرؤية هذا الجبل وهل هو شبيها لجبل حزنه باعتباره اكبر جبل يعرفه 0
وعند وصولهم لقمة الجبل وبدأت السيارة في الانحدار شاهد مالم تره عيناه من قبل ..... انه منظر غريب 0
يتبع قريبا إن شاء الله.............................................. .......