مناظرة خيالية بين القرية والمدينة
في إحدى الليالي حيث كان القمر غائبا ، وقد اشتدت ظلمة الليل خارج المدينة ، نظرت المدينة إلى نفسها مزهوة وقالت : ما أجمل المدينة ! وما أكثر أنوارها ! أين القرية من هذا الجمال الفاتن ؟
سمعت القرية سؤال المدينة فدارت بينهما المناظرة الآتية :
القرية : مالي أراك مزهوة بنفسك قد امتلأت كبراً وغروراً ؟!
المدينة : ومالي لا أزهو ؟ ألست درة متلألئة وسط هذا الظلام ؟!
القرية : لا تنسي نفسك ، أيتها المدينة المغرورة ، وتذكري كيف كنت بالأمس القريب حين انقطعت عنك
الكهرباء ، وبقي الناس في منازلهم ساخطين عليك ، متبرمين من ظلامك .
المدينة : لئن انقطعت عني الكهرباء ليلة أو ليلتين فإنك تعيشين دائماً في هذا الظلام .
القرية : وهل جلبت هذه الأنوار إلا الصخب والضجيج فأرهقت الأعين وأتلفت الأعصاب ؟ ثم - بالله عليك-
أين أنت من ليلي ، وما أتمتع به من وسكون ترتاح إليه النفس ، فيزول ما بها من كد وعناء ؟!
وهل يشعر أهلك بجمال السماء في الليل يسطع فيها ضوء القمر وقد اجتمعت النجوم من حوله
مرحبات به يسمرن معه في حفل بهيج ؟!
المدينة : لئن سلمت لك بما ذكرته من جمال ليلك فلا تنسي شوارعي الواسعة ، وبناياتي العالية ،وخدماتي
المتعددة كالمستشفيات والمدارس والجامعات وغيرها من المصالح والإدارات التي يحتاجها أبناؤك فيأتون إلي ثم يعودون إليك معجبين بما رأوه في من حسن وجمال .
القرية : أما المدارس والمستشفيات والكثير من الخدمات فقد نشرتها الحكومة في كل مكان ، فصار أبنائي
يتمتعون بها كأبنائك ، ولا تنسي أن كثيرا ممن يديرون مستشفياتك ويدرسون في جامعاتك هم أبنائي الذين نشؤوا في ربوعي ، وتربوا في أحضاني ، فصفت عقولهم وزكت نفوسهم بهدأتي وسكوني . ولا تنسي - أيتها المدينة المغرورة - أنك قطعت ما بين أبنائك من صلات , فأصبح القريب لا يصل قريبه ، والجار لا يعرف جاره ، والزميل لا يزور زميله ، بينما احتفظت أنا بهذه الروابط الاجتماعية الغالية .
حينئذ سكتت المدينة مقرة للقرية بفضلها .