(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ). أحمده جل شأنه وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له. القائل ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ما من خير إلا دل أمته عليه، وما من شر إلا حذرهم منه. وبعد إن الكسوف آية من آيات الله تعالى يخوف الله بها عباده .:
وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون موت ابنه إبراهيم سبب الكسوف آنذاك , يتضح ذلك جلياً في الحديث الذي رواه المغيرة بن شعبة قال : كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم فقال الناس : كسفت الشمس لموت إبراهيم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الشمس والقمر لاينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا الله ]
ولذلك وجه صلى الله عليه وسلم أمته عند ظهور علامات التخويف إلى ما تُستدفع به الشرور والنكبات, ويحصل به الأمن من العقوبات ,فأمر بالفزع إلى الأعمال الصالحات؛ من الدعاء والذكر والصلاة والعتاق والصدقة والتوبة حتى ينكشف ما بالناس وينجلي عنهم الكسوف والخسوف: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
. وقد كان السلف ؟ عندما يرون تلك الآية العظيمة يهرعوا جميعاً إلى الصلاة وهم يبكون ويجأرون إلى الله بالصلاة والدعاء، فالمسلم دائم الخوف من ربه لا يأمن مكر الله, ولا يقنط من رحمته ,كما قال غير واحد من السلف: الخوف والرجاء بالنسبة للمؤمن كجناحي طائر إذا اختل أحدهما سقط الطائر ,وإن اعتدلا طار وارتفع، ورحم الله الحسن البصري إذ قال: المؤمن يعمل بالطاعات، وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن. وأصدق منه قول الباري عز وجل: ((أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)).
و تٌسن صلاة الكسوف جماعةً في المسجد، وينادى لها -الصلاة جامعة-إتباعاً للسنة كما في الصحيحين، قالت عائشة رضي الله عنها: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام وكبر، وصف الناس وراءه- متفق عليه- وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن: صلاة الكسوف ركعتان، في كل ركعة قياماً، وقراءتان وركوعان، وسجودان. والسنة أو الأكمل أن يُقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة سورة البقرة أو نحوها في الطول، وفي القيام الثاني بعد الفاتحة دون ذلك أي بقدر مائتي آية مثل آل عمران، وفي القيام الثالث بعد الفاتحة دون ذلك، أي بقدر مائة وخمسين آية، مثل النساء، وفي القيام الرابع بعد الفاتحة دون ذلك بقدر مائة تقريباً مثل المائدة.
فيقرأ أولاً المقدار الأول، ثم يركع، ثم يرفع، ويقرأ المقدار الثاني، ثم يركع ثم يرفع، ثم يسجد كما يسجد في غيرها، ويطيل الركوع، والسجود ، ويكرر ذلك في الركعةالثانية.:
ومن المعلوم أن الركوع فيها طويل جداً ، فماذا يقول المصلي في هذا الركوع ؟ لقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك بقوله : [ فأما الركوع فعظموا فيه الرب ] ، فيقال : سبحان ربي العظيم ، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته .
أما السجود فيكثر فيه من الدعاء ، لأن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد ، فيكثر من الدعاء لأنه حري بالإجابة في هذا الموضع الذي يخضع فيه العبد لربه سبحانه وتعالى ، فيرغم أنفه وجبهته لخالقه سبحانه .
ومن فاته الركوع الأول من الركعة الأولى أو الثانية فعليه الإتيان بتلك الركعة كاملة بعد سلام الإمام .إذ الاعتبار فيها بالركوع الأول دون الثاني ، لأن الأول هو الركن ،
وتفوت صلاة خسوف القمر: بالانجلاء لحصول المقصود، وبطلوع الشمس, وذهب الحنابلة إلى أن وقتها: من حين الكسوف إلى حين التجلي، وإن تجلى الكسوف وهو فيها أتمها خفيفة على صفتها، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود (فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) متفق عليه، ولأن المقصود التجلي وقد حصل. ولا يقطع الصلاة، لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ولكن شرع تخفيفها حينئذ لزوال السبب.وإن شك في التجلي لنحو غيم أتمها من غير تخفيف، لأن الأصل عدمه، فيعمل بالأصل في حال بقاء الكسوف، ويعمل بالأصل في وجود الكسوف إذا شك فيه، فلا يصلي، لأن الأصل عدمه.
و يجوز أداؤها في أوقات النهي ، فتؤدى بعد صلاة العصر ، وبعد صلاة الفجر ، لأنها من ذوات الأسباب التي إذا وقع سببها أوديت .
وقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه: لا خطبة لصلاة الكسوف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم" أمر بالصلاة دون الخطبة" وإنما خطب بعد الصلاة ليعلمهم حكمها، وهذا مختص به، وليس في الخبر ما يدل على أنه خطب كخطبتي الجمعة.
وذهب المالكية إلى أنه: لا يشترط لهذه الصلاة خطبة، وإنما يندب الوعظ بعدها مشتمل على الثناء على الله، والصلاة والسلام على نبيه، لفعله عليه الصلاة والسلام ذلك.
وذهب الشافعية إلى أن: السنة أن يخطب الإمام لصلاة الكسوفين خطبتين بعد الصلاة، كخطبة العيد والجمعة بأركانهما، اتباعاً للسنة،
وختاما اسأل الله العظيم بأسمائه الحسني وصفاته العلي ، أن يبرم لأمة الإسلام أمر رشدٍ يعز فيه أهل الطاعة, ويهدى فيه أهل المعصية ، ويؤمر فيه بالمعروف, وينهى فيه عن المنكر ,إنه على كل شيء قدير, وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.