أكثروا الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا
المال مال الله عز وجل، وقد استخلف ـ تعالى ـ عباده فيه ليرى كيف يعملون، ثم هو سائلهم عنه إذا قدموا بين يديه: من أين جمعوه؟ وفيمَ أنفقوه؟ فمن جمعه من حله وأحسن الاستخلاف فيه فصرفه في طاعة الله ومرضاته أثيب على حسن تصرفه، وكان ذلك من أسباب سعادته، ومن جمعه من حرام أو أساء الاستخلاف فيه فصرفه فيما لا يحل عوقب، وكان ذلك من أسباب شقاوته إلا أن يتغمده الله برحمته.
وهذه الفضائل والآثار للصدقة
1 ــ علو شأنها ورفعة منزلة صاحبها:الصدقة من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله عز وجل؛ ودليل ذلك حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً: "وإن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كرباً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً.
2 ــ وقايتها للمتصدق من البلايا والكروب:
صاحب الصدقة والمعروف لا يقع، فإذا وقع أصاب متكأً (13)؛ إذ البلاء لا يتخطى الصدقة؛ فهي تدفع المصائب والكروب والشدائد المخوِّفة، وترفع البلايا والآفات والأمراض الحالَّة، دلت على ذلك النصوص، وثبت ذلك بالحس والتجربة.
فمن الأحاديث الدالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات.
3 ــ عظم أجرها ومضاعفة ثوابها:
يربي الله الصدقات، ويضاعف لأصحابها المثوبات، ويعلي الدرجات.. بهذا تواترت النصوص وعليه تضافرت؛ فمن الآيات الكريمات الدالة على أن الصـدقـة أضعاف مضاعفة وعنـد الله مـزيـد قـوله ـ تعالى ـ: إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم {الحديد: 18}.
4 ــ إطفاؤها الخطايا وتكفيرها الذنوب:
جعل الله الصدقة سبباً لغفران المعاصي وإذهاب السيئات والتجاوز عن الهفوات، دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، ومنها: قوله ـ تعالى ـ : إن الحسنات يذهبن السيئات ,وسارعوا إلى" مغفرة من ربكم وجنة عرضها السمـوات والأرض أعـدت للمتقـين 133 الذيـن ينفقـون في السـراء والضـراء والكاظمـين الغيـظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين {آل عمران: 133، 134}.
5 ــ مباركتها المال وزيادتها الرزق:تحفظ الصدقة المال من الآفات والهلكات والمفاسد، وتحل فيه البركة، وتكون سبباً في إخلاف الله على صاحبها بما هو أنفع له وأكثر وأطيب(48)، دلت على ذلك النصوص الثابتة والتجربة المحسوسة؛ فمن النصوص الدالة على أن الصدقة جالبة للرزق قول الذي ينابيع خزائنه لا تنضب وسحائب أرزاقه لا تنقطع واعداً من أنفق في طاعته بالخلف عليه: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين {سبأ: 39}.
6- أنها وقاية من العذاب وسبيل لدخول الجنة:
الصدقة والإنفاق في سبل الخير فدية للعبد من العــذاب، وتخليـص له وفكــاك مـن العقاب،
وقد كثرت النصوص المبينة بأن الصدقة ستر للعبد وحجاب بينه وبين العذاب، ومن هذه النصوص: حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في إثبات نعيم القبر وعذابه والذي تضمن إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الصدقة وأعمال البر تدفع عن صاحبها عذاب القبر؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم : "إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولُّون عنه؛ فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قِبَلِ رأسه، فتقول الصلاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه، فيقول الصيام: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فيقول الزكاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى من قِبَل رجليه فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قِبَلي مدخل... "(69).
7 ــ أنها دليل صدق الإيمان وقوة اليقين وحسن الظن برب العالمين:المال ميال بالقلوب عن الله؛ لأن النفوس جبلت على حبه والشح به، فإذا سمحت النفس بالتصدق به وإنفاقه في مرضاة الله ـ عز وجل ـ كان ذلك برهاناً على صحة إيمان العبد وتصديقه بموعود الله ووعيده، وعظيم محبته له؛ إذ قدم رضاه ـ سبحانه ـ على المال الذي فطر على حبه(88)، ويدل على هذا الأمر قوله صلى الله عليه وسلم : "والصدقة برهان"(89)، ومعناه: أنها دليل على إيمان فاعلها؛ وونفاق تاركها لإعتقاده بضياع ماله.
8 ــ تخليتها النفس من الرذائل وتحليتها لها بالفضائل:تطهر الصدقة النفس من الرذائل وتنقيها من الآفات، وتقيها من كثير من دواعي الشيطان ورجسه، ومن ذلك: أنها تبعد العبد عن صفة البخل وتخلصه من داء الشح الذي أخبر ـ سبحانه ـ بأن الوقاية منه سبب للفلاح وذلك في قوله ـ عز وجل ـ: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون {الحشر: 9}،وفي المقابل فالصدقة تهذب الأخلاق وتزكي النفس وتربي الروح على معالي الأخلاق وفضائلها؛ إذ فيها تدريب على الجود والكرم، وتعويد على البذل والتضحية وإيثار الآخرين، وفيها سمو بالعبد وانتصار له على نفسه الأمارة بالسوء، وإلجام لشيطانه، وإعلاء لهمته؛ إذ تُعلق العبد بربه وتربطه بالدار الآخرة، وتزهده بالدنيا؛ وتضعف تَعلُّق قلبه بها.
9 ــ أنها بوابة لسائر أعمال البر:
جعل الله الصدقة والإنفاق في مرضاته مفتاحاً للبر(100) وداعية للعبد إلى سائر أنواعه؛ وذلك لأن المال من أعظم محبوبات النفس؛ فمن قدم محبوب الله على ما يحب فأعطى ماله المحتاجين ونصر به الديـن وفقـه الله لأعمـال صالحـة وأخـلاق فاضـلة لا تحصل له بدون ذلك، وقد أوضح الله هذا الأمر وجلاَّه في قوله ـ عز وجل ـ: لن تنالوا البر حتى" تنفقوا مما تحبون {آل عمران: 92} أي: لن تنالوا حقيقة البر الذي يتنافس فيه المتنافسون، ولن تدركوا شأوه، ولن تلحقوا بزمرة الأبرار حتى تنفقوا مما تَهْوَوْن من أموالكم ومن أعجبها إلى أنفسكم(102).
10 ــ إدراك المتصدق أجر العامل:ما أسعد المتصدقين! إذ دلت النصوص الثابتة على أن صاحب المال يدرك بتصدقه وإنفاقه من ثواب عمل العامل بمقدار ما أعانه عليه حتى يكون له مثل أجره متى استقل بمؤونة العمل من غير أن ينقص ذلك من أجر العامل شيئاً، ومن هذه النصوص الدالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "من فطَّر صائماً كتب له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء"(112)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا"
والأمر غير مقصور على هذه العبادات بل شامل لجميع الطاعات؛ فمن أعان عليها كان له مثل أجر فاعلها(116).
فيا من يستطيع أن يجاهد وهو قاعد، ويصوم وهو آكل شارب، ويعلِّم القرآن، وينشر الخير، ويدعو إلى الله في كل مكان وهو في بيته لم يباشر من ذلك شيئاً لا تَحْرم نفسك الأجر ولا تمنعها الثواب، واعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لك حين قال: "اغتنم خمساً قبل خمس ـ وذكر منها ـ: وغناك قبل فقرك"(117)،
واعلم بأن المال زائل والعمل باق؛ إذ لم يخلد أحد مع ماله،
ولم يدخل مالٌ القبر مع صاحبه، بل هو وديعة لديك، ولا بد من أخذها منك، فما بالك تغفل عن ذلك؟!