أهديتني الوساده وسرقت مني النوم}!

النوم حاجة بشريِّة يحتاجها الإنسان لراحة جسده بعد يوم طويل شاق بالعمل والمهام ,
وقد ورد ذكر النوم ومرادفاته مثل النعاس والرقاد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية ،
والنوم من المنظور الإسلامي هو آية من آيات الله كما ورد في قوله تعالى :
" وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ " [ الروم : 23 ] .
وورد ذكر النعاس في قوله تعالي : "إذْ يُغَشِّيكُمُالنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ " [ الأثقال : 11 ] .
كما ورد ذكر النوم و اليقضة كمثال للموت والحياة ودليل على البعث بعد الموت ،
ولتأكيد ذلك وتقريبه إلى الأذهان تم عقد هذه المقارنة في قوله تعالي :
" اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسْمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [ الزمر : 42 ] .
ومن ناحية العرب فقد تعمقوا بوصفهم لمراحل النوم لدى الإنسان , فكانوا يقسمون النوم لمراحل ,
وليس مجرد مرحلة واحدة تسرق الإنسان من الحياة لنوم مباشرة ..
يقول العرب في ترتيب النوم :
- أول النوم النعاس : وهو أن يحتاج الإنسان إلى النوم
- ثم الوسن : وهو ثقل النعاس
- ثم الترنيق : وهو مخالطة النعاس العين
- ثم الكرى والغمض : وهو أن يكون الإنسان بين النائم واليقظان
- ثم التغفيق : وهو النوم وأنت تسمع كلام القوم
- ثم الإغفاء : وهو النوم الخفيف
- ثم التهويم : والغرار والتهجاع وهو النوم القليل
- ثم الرقاء : وهو النوم الطويل
- ثم الهجود والهجوع والهيوع : وهو النوم الغرق .
- ثم التسبيخ : وهو أشد النوم
إذن كانت تلك تقسيمات العرب لمراحل النوم التِي نعيشها بشكل يومي,
ومن ناحية علميّة كان الموضوع بالنسبة لهم " قضية " فكل فيلسوف أو عالم فيزيائي
كانت له وجهة نظر وتحليل مُختلف لنوم وأغلبها كانت خاطئة ,
وهنا نأتي للتعريف الطبي والفيزيولوجي الصحيح للنوم :
يعرف النوم فيزيولوجيا بأنه فقدان الوعي لفترات "دورية" حيث من الممكن إعادته بتأثير المنبهات الحسية
الملائمة و بذلك نميزه عن الإغماء و هو حالة من اللاوعي الذي لا يمكن إيقاظ المرء منه
والنوم حالة سلبية من الوعي فهو مجرد إسترخاء تام و زوال لحالة الوعي .
ويقول بعض العلماء أن النوم ينتج عن فعالية مركز خاص بالنوم و لا ينتج فقط عن تثبيط مراكز الوعي العصبية .
كلّنا نعرف النوم بصورة عامة ,
فَالنوم نعتبره الراحة وتجديد النشاط وتجديد الحالة النفسيِّة والصفاء الذهني وإسترخاء العضلات
لكن هل فكرنا كيف يتم النوم؟
أجروا العلماء دراسات كثيرة لإكتشاف كيف يتم النوم لدى الإنسان وقاموا بتجاربهم على الحيوان,
فقد كانت كيفيِّة النوم بمواد خاصة يفرزها الدماغ تؤدي إلى النوم حيث أخذوا دم قط نائم و حقنوا الدم في دم قط مستيقظ ممَّا أدى إلى نومه
وهذه المواد عبارة عن ببتيدات شحمية بالجسم .
وأيضًا من الأسباب تثبيط فعالية مستقبلات السيروتونين في الدماغ بواسطة مادة الريداكتين .
وإفراز نوع من البروستاغلاندينات في الدماغ , وعملية سلبية منفعلة سببها التعب الذي يحصل للمراكز العصبية المسؤولة عن الوعي و الإدراك .


أننا نقضي ثلث حياتنا في النوم ، لكن لاأحد يعرف ماذا يحدث بالنوم وماأهميّة ذلك؟
خلال النوم العميق الجسم يقوم بانتاج كميات كبيرة من هرمونات النموُّ ، تساعد على تصليح أو استبدال خلايا وأنسجة متضررة
وهرمون النمو يسرع كذلك من عملية الشفاء ويغير كميات كبيرة من المواد المختلفة في الجسم .
وأيضًا عندما نستسلم للنوم ، فاننا لا "نوقف المخ" لمدة ثماني ساعات !
وخلال النوم يكون المخ نشيط جدًا .
يعكف العلماء اليوم في معهد ماكس بلانك بألمانيا على تحرّي الذكريات وطرق تخزينها وآلية عمل الذاكرة.
وقد فوجئوا عندما وجدوا أن النوم يمثل معجزة عظيمة في التذكر والتعلم!
والنتائج التي نشرت في مجلة
تمثل قفزة في معرفة كيفية التعلم والتذكر لدى الإنسان،
حيث وجدوا أن قشرة الدماغ تنشط أثناء النوم!
وقد تبين بنتيجة هذه الدراسات أن المعلومات تخزن في منطقة عميقة من الدماغ تدعى لفترة قصيرة
ثم تتحرك خلال عدة أيام وبخاصة أثناء النوم العميق إلى قشرة الدماغ في منطقة تدعى لتصبح في مجال الذاكرة الطويلة الأمد.
فقد أكد العلماء
على أهمية النوم في عملية التعلم والتذكر
حيث لاحظوا نشاطاً كبيراً للخلايا العصبية أثناء النوم.
وبينت دراسة أمريكية أن النوم العميق يقلل من مشكلة زيادة الوزن وخاصة عند الأطفال ,
وتقول الدراسة التي أجريت في جامعة إيفانستون في ولاية إلينوي إن كل ساعة نوم إضافية
تقلل من مشكلة زيادة الوزن والسمنة. وأكدت إيميلي سنيل،
الخبيرة المسؤولة عن الدراسة أن قلة النوم تؤثر على الهرمونات المسؤولة عن الشعور بالجوع وخاصة عند الأطفال.
ويقول البروفيسور مايكل ستريكر من جامعة كاليفورنيا :
لو راجع الطالب دروسه جيدا حتى نال منه التعب ثم نام، فإن المخ سيستمر في العمل أثناء النوم بنفس الطريقة،
كما لو ظل الطالب طوال الليل يردد ما درسه!
وهنا أيضاً نتذكر آية عظيمة لفت القرآن انتباهنا لها في عصر لم يكن أحد على وجه الأرض يدرك أهمية النوم وإعجازه ،
يقول الله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍلِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [الروم: 23] .
فالنوم هو معجزة حقيقية لا يزال العلماء يقفون أمامها مندهشين حائرين، وليتهم اطلعوا على كتاب الله لتزول حيرتهم ودهشتهم!
ويؤكد الباحثون من جامعة شيكاغو أن الحقائق التي ينساها الناس خلال يوم حافل بالعمل
ربما يمكن استرجاعها إذا أعقب ذلك النوم بشكل جيد.
إذن الدماغ يسترجع الذكريات أثناء النوم !

الساعة البيولوجية بالجسم ترتبط بالنوم إرتباط كلّي فهي تنظمه وتديره ولها تأثير كبير عليه .
لمن يجهل ماهي الساعة البيولوجية سَأكتب تعريف مبسط لها :
هي آلية شديدة الحساسية قادرة على استشعار التغيرات في البيئة المحيطة بجسم الإنسان ،
وتقوم بتنظيم عدد من وظائف الجسم المتباينة كَالنوم والاستيقاظ والتمثيل الغذائي والسلوك .
ومكّنت تقنيات البيولوجيا الجزيئية الحديثة العلماء من فهم الآلية التي تعمل بها تلك الساعة العجيبة من ناحية الاستيقاظ من النوم ،
وأظهرت النتائج أن معظم الأشخاص الذين يستخدمون الساعات المنبهة لايقاظهم للعمل عادةً ما يستيقظون
قبل انطلاق جرس المنبه بلحظات وكأن منبهًا زرع في أجسادهم يوقظهم قبيل الموعد بلحظات،
ممًّا يعني أن الساعة البيولوجية في جسم الإنسان قامت بضبط نفسها بنفسها على هذا الموعد .
أيّ أن ذلك يمكننا من ضبط هذه الساعة من خلال التكرار ليرسلها للعقل الباطن والساعة البيولوجية
وحين نرغب أن نستيقظ لصلاة الفجر علينا أن نكرر ذلك بقناعة وثقة تامة لتستوعب الوقت ساعتنا البيولوجية
وليساعدنا العقل الباطن اللا واعي في رغبة القيام من النوم في وقت محدد .
أيضًا نوم القيلولة يرفع كفاءة الساعة البيولوجية !
أكد باحثون أمريكيون أن النوم في وقت الظهيرة يؤثر إيجابياً على وظائف الساعة البيولوجية الإنسانية
والحيوانية ويجعلها أكثر دقة!
وأوضح أحد الباحثين أن وظائف الساعة البيولوجية التي تنظم عمل الكبد والكليتين والرئة وتقوم بوظائف حسية لتنظيم الوقت والذاكرة،
حيث تزداد تركيزاً ودقة بعد نوم ساعة واحدة في فترة القيلولة، مضيفًا أن نوم فترة قصيرة نهاراً يزيد نشاط وكفاءة أعضاء الجسم والدماغ والقلب،
كما يحسن الأداء الوظيفي والعملي للإنسان ويحد من حالة الإعياء والاجهاد ويساعد الأشخاص ضعيفي الشهية على زيادة شهيتهم.
وسهر الأطفال يؤثر على الساعة البيولوجية ,
حيث أظهرت دراسة علمية أن اصرار الأطفال على السهر ( إي تكرار السهر لأيّام )
يؤدي إلى حدوث خلل كبير في الساعة بيولوجية لديهم وتظهر سلبياته على شكل اضطراب نفسي وسلوكي أثناء استيقاظهم.

عندما بحثت بالجانب النفسي وجدت بحر عميق جدًا من الحالات النفسيِّة التِي تتعلق باضطرابات النوم
منها : حالة الأرق وهي أهم مشكلة بالنوم تواجه الطب النفسي , وحالة شلل النوم , وهلاوس النوم , وثمل النوم
والمشي والكلام والكوابيس والفزع أثناء النوم .
ويعتبر علم النفس والطب النفسي تحديدًا الأقرب علاقة بين التخصصات التِي تعالج مشاكل النوم .
والشكاوي المُتكرره التي تتعلق بالنوم يمكن تصنيفها في عدة مجموعات :
- " لاأستطيع النوم "
- " أنام كثيراً في أوقات الليل والنهار "
- أشياء غريبة تحدث لي أثناء النوم "
وتعمّق الطب النفسي في علاج هذه الثلاثة مجموعات وكل مجموعة لها حالات مُختلفة عن الأخرى .
ومن علاج هذه المشاكل بوجة عام هُو " تنظيم ساعات النوم "
تحياتي همس الوجدان