بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله
موضوع روعه ومتميز ارجو قرائته:
طَاشَ
أطلت كلمة «رمضان» بوجهها المشرق، من مكان مرتفع على ساحة فسيحةٍ مليئة بمئاتِ الحروف والجمل والكلمات، لقد اعتادت أن تُطلَّ من ذلك المكان المرتفع على تلك الساحة كل عام، ثم اتجهت تشقُّ تلك الجموع إلى رابية أخرى تُطلُّ من الجانب الشرقي على الساحة الفسيحة، حيث تلتقي هناك، عددٍ من الكلمات والجمل الصديقة التي تربطها بهنَّ علاقة محبة في الله لا تشوبها شوائب الخداع والمصالح الدنيوية القصيرة، وتوافدت إلى تلك الرابية الكلمات الصديقة «الرحمة، المغفرة العتق من النار، تلاوة القرآن، الصلاة، الصيام، الاعتكاف، التراويح، القيام، الذِّكر، الدعاء، الصدقة، الزكاة، الثقافة الواعية، الفكر الجاد، صلة الرحم، رعاية المحتاجين، الفطر، السحور، الكرم، العطاء..» وغيرها من الكلمات المضيئة التي تربطها بكلمة «رمضان» علاقة لا تنفصم، التقى الجميع في جلسة هادئة، بدأت بتلاوة آياتٍ من كتاب الله، وبعض أحاديث الصيام المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذت كلمة «رمضان» في حديثها مع هذا الجمع الكريم، ولكنها لمحت في جانبٍ من جوانب المكان وجهاً غريباً لا تعرف صاحبته، ولا يوحي منظره بتلك المودة التي تفيض بها الوجوه المشرقة بالحب والوفاء، وسكتت كلمة «رمضان» قليلاً، ثم أعادت النظر إلى ذلك الوجه الغريب الذي تراه، وتبيَّنت ملامحه، إنه وجه كلمةٍ لا علاقة لها بها، ولا تربطها بها رابطة صداقة ومحبةٍ، فما الذي جاء بها؟؟ إنها كلمة «طاش» والتفتت الكلمات جميعها إلى هذه الكلمة التي وقفت صامتة في مكانها، وسألتها كلمة «رمضان»: من أنتِ؟، فلم تتحدث، وأعادت إليها السؤال أكثر من مرة، فلم تتحدث، ولم تتحرك من مكانها. هنا مدَّتْ كلمة «رمضان» يدها إلى خزانة الكتب الموجودة بجوارها، واستخرجت منها بعض المعاجم اللغوية، وبدأت تقلّب صفحات كتابٍ منها - بينما ساد الصمت وهيمن على المكان، وظلَّت تلك الكلمة الغريبة واقفةً في مكانها -. إنه كتاب «المعجم الوسيط» في معاني الكلمات العربية، وها هي ذي كلمة «رمضان» تقرأ من المعجم بصوت مسموع، تهدف منه إلى تعريف الكلمات الحاضرة في المجلس بمعاني هذه الكلمة الواقفة التي لا تتحدث، يقول المعجم الوسيط: طَاشَ طَيْشاً وطَيَشاناً، بمعنى اضطرب وانحرف، يقال: طاش فلان بمعنى نَزِق وزلَّ، وطاش عقله: أي خَفَّ وتشتَّتَ فجهل وأخطأ، وطاش السهم ونحوه عن الهدف: أي مال وانحرف فلم يصبه، ويقال لمن ضلَّ ولمن يخطئ الصواب: طاش سهمه، وأطاشه: جعله يطيش، والطائش: الأهوج، والذي لا يُصيب إذا رمى والأرعن المتسرِّع. ثم تناولت كلمة «رمضان» كتاباً آخر هو «القاموس المحيط» للفيروز أبادي، وبدأت تقرأ: الطَّيْش: النَّزق، والخِفَّة، طَاشَ يطيش، فهو طائش وهو ذهاب العقل، وجَوازُ السهمِ الهدفَ - أي عدم اصابته - وأطاشه: أماله عن الهدف. كانت الكلمات الحاضرة تتململ في مكانها مبديةً الضّيق من هذه المعاني التي تحملها هذه الكلمة الواقفة أمامهنَّ «طَاشَ» ولكن كلمة «رمضان» طلبت من الجميع الهدوء وتناولت كتاباً آخر هو «لسان العرب» لابن منظور، وأخذت تقرأ: الطَّيْش: خِفَّةُ العقل، طَاشَ الرجل بعد رزانته، قال شمر: طَيْشُ العقل ذهابه حتى يجهل صاحبه ما يحاول،.. وفي حديث عمرو بن أبي سلمة: كانت يدي تطيش في الصَّحفة، أي تخفُّ وتتناول من كل جانب، وفي حديث بن شبرمة وقد سئُل عن السُكرْ، فقال: إذا طاشت رجلاه واختلط عقله، ورجل طائش من قومٍ طاشةٍ أي: خفاف العقول، وفي حديث جرير بن عبدالله: ومنها العَصِلُ الطائش، أي السَّهم الذي زلَّ عن هدفه. وهنا رفعت كلمةُ رمضان رأسها إلى كلمة «طَاش» وقالت لها بصوت وقور: اذهبي إلى حيث تشائين فليس لك عندنا مكان.
عبدالرحمن صالح العشماوي
تحيااااااااااااااتي لكم.