- 1 -
في معركة القادسية ، وفيما المسلمون في أعلى حالات التأهب والاستعداد ، وقائدهم الأغر سعد بن أبي وقاص (أحد العشرة المبشرين بالجنة) ، مضطلع بهكذا خطب ، ومهموم بهكذا جلل ، يشكو في الوقت ذاته مرضا ألم به ، لتتكامل عليه وله الأجور من كل ناحية ..!
فهمٌ في القلب ، ووجع في الجسد ، واضطلاع بالخطب ! أقول وفيما هو والجمع كله على هذه الحالة من الغبرة والشعث ، يؤتى بأبي محجن الثقفي يُقاد لسعد لشربه الخمرة ..!
وأين سعد من هكذا حالة تعتبر ثانوية قبالة بيضة الإسلام ، وثغره الشرقي ، والذي إن أُستبيح اليوم فليغسل المسلمون أيديهم من كل شرق للأرض بعدها ..!
لكنه حد الله ، فيأمر سعد بحبسه ، حتى تستقيم الحالة ، ويخف الكرب ..!
ويُحبس أبو محجن الثقفي في خيمة سعد ، حتى يقضي الله للمسلمين الخيّرة من أمرهم !
وجاء اليوم المرتقب ، واصطفت العساكر ، عساكر الرحمن ، وعساكر الشيطان ، وتعالى التكبير ، وتقعقعت السيوف ، وسُمع الصهيل ، وتعالت الصيحات من كل جانب : يا خيل الله اركبي ..!
وأبومحجن الثقفي يسمع هذا كله ، وهو الغضنفر العربي ، والأسد الإسلامي ، فتهيج روحه ، ويطيش عقله ، وهو في قيده يرسف كالأسد حيل بينه وبين عدوه ..!
تحمر وجناته ، ويتشاعث شعره ، ويهدر فمه ، ويتقاطر لعاب الغضب من بين ثناياه ، لُمس الزند فاشتعل ، فُتح السد فانهمر ، ياااااااخيل الله اركبي ..!
أينك يا سعد ..؟!
يااااسعد ...؟!
يااااسعد ..؟!
لكن لا سعد هنا ، فخال رسول الله يدير القادسية ..وما أدراك مالقادسية ..؟!
حسناً ..هناك حل ..!
ياسلمى "زوجة سعد " ..!
يااااااسلمى ..!
تأتيه سلمى زوج سعد : مالك يا أبا محجن ..؟!
فيصيح كالمهبول المجنون : نشدتك الله ياابنت الأكرمين أنت والنساء عندك إلا ما حللتن قيدي لألقى أعداء ربي ، ولكُنّ عهد الله وميثاقه وأغلظ أيمانه إلا ما عدت لقيدي إن لم يكتب الله لي شهادةً ..!
تتردد زوجة سعد والنسوة حولها ثم تسأله : كيف لك الوصول لأرض المعركة وهي قد بدأت ..؟
فيجيبها وهو العالم بمرض سعد : أين البلقاء فرس سعد ؟!
فتجيبه : بالجوار ..!
فيقول أبو محجن : أركبها غفر الله لك ..!
وتفتح النسوة لأبي محجن الأقفال ، فينطلق كـأنه انطلق لعروس أرض ، وفاكهة صيف ، وسلسبيل قيظ ، لا كأنه يسير إلى الموت الأحمر ، والوطيس الأشعل ..!
وينطلق على فرس سعد وسيفه بيده يهزه ، ولسانه يصرخ : الــلـه أكبر ..الله أكبر ..الله أكبر ..!
فعجت بقلبي دماء الشباب *** وضجتبصدري رياح اخر.
ويدخل المعركة يزيل الرأس عن هام هذا ، ويطأ عنق هذا ، ويخلص مسلماً من ذاك ..!
وسعد يرقب المعركة لمرضه ، وإذا به يرى فرسه ، فيقول : الضرب ضرب أبي محجن ، والكرُ كر البلقاء ..!
وفيما المسلمون كلهم قلب أبي محجن ، ينطلق أبطالٌ شباب إلى خيمة قائد الفرس "رستم " ، لسان حالهم : لا نجونا إن نجا ..! ولسان شجاعتهم : اقتلوني ومالكاً أو اقتلوا مالكاً معي ..!
وفيما الفُرس في كر وفر ، إذا هم برأس "رستم" – رامسفيلد زمانهم- على أعلى الرماح في وضح الشمس ، فعن أي شيء تدافعون يا فُرس ..؟!
فينهزم الفرس ، وينتصر المسلمون ، وتصير الطرق أمامهم إلى المدائن عاصمة الفرس مفتوحة لا يردها إلا مشيّهم ..!
ويأتي البطل أبو محجن مسلما نفسه لسعد بعد نهاية المعركة ..!
فيصيح سعد فرحاً بما صنع : والله لا أحدك بعد بلائك ...!
ويصيح أبو محجن : والله لا شربتها بعد يومي هذا ....!
-2-
الخير في اتباع من سلف والشر في ابتداع من خلف ، ومدار الدين على أربعة أحاديث منها " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " .
يأمر الخليفة العباسي " المأمون " بترجمة كتب اليونان وفلسفتهم . وينسل إلى عقلية الثقافة الإسلامية بعض أوضارها ، وتظهر عالي موجتها في القول المحدث بـ " خلق القران " . وينشر الخليفة هذا القول بالآفاق ، ويأطر الخلق على هذا الباطل أطراً !
فيستجيب خلق لهذا خشية وتقاةً ، ويأبى اثنان "أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح " !
ويحملان إلى الخليفة في السفينة ، وفيما هما في الطريق يموت محمد بن نوح وهو يوصي أحمد بأنه ليس مثله ! فأحمد إمام وإن هو استجاب لهذا الباطل تبعه العوام والخواص ، ثم يلفظ أنفاسه مودعاً الدنيا بوصية خالدة !
ويقدم أحمد على الخليفة " المعتصم " – مات المأمون وأحمد في طريقه إليه بعد دعاء أحمد ألا يراه – فيأمر"المعتصم " بسجنه ، وها هنا غرضنا يأتي !
في السجن يدخل أحمد بن حنبل ، وهو رجل نحيل الجسد ، رقيق البنية فيقول : أنا لا أخاف فتنة السجن فما هو وبيتى إلا واحد .. ولا أخاف فتنة القتل فإنما هى الشهادة ..إنما أخاف فتنة السوط ... و فى يوم أخذوا الإمام ليجلدوه فظهر على وجهه الخوف و الجزع وفى أثناء خروجه الى الساحة لمح ذلك فى وجهه لص شهير اسمه أبو هيثم الطيار فقال له : يا إمام لقد ضربت 18000 سوط بالتفاريق – أى على امتداد عمري – وأنا على الباطل فثبتُ ، وأنت على الحق يا إمام فاثبت لأنك إن عشت عشت حميدا و إن مت مت شهيدا....!
و قد ظل الإمام بن حنبل يدعو للطيار كل ليلة بعد ذلك اللهم أغفر له ... فلما سأله ابنه يا أبتي إنه سارق قال و لكنه ثبتني .
يقول الجلاد :لقد ضربت بن حنبل ضربا لو كان فيلا لهددته . و فى كل مرة أقول السوط القادم سيخرج من فمه من شدة هلهلة ظهره ...
- 3 -
في الكنانة المحروسة " مصر " ، يدب وهن العقيدة في القرن الماضي ، وتهب عليها رياح التغيير الفكري من كل زاوية ..سياسةً ..فكراً ..اقتصاداً ..تعليماً .. أدباً ..شعراً ..!
في كل شيء ،ولكل شيء شياطين وأشقياء عاهدوا الشيطان أن يحولوها إلى جاهلية في كل صادر ووارد ..!
وكان من أسلحتهم الماضية "سلاح اللغة والأدب " ..!
نعم فاللغة لغة القران ، والأدب ديوان العرب ، والشعر لسانهم ..!
ويأتي "الرغاليون الجدد " ، وفحيح حرفهم يملأ الصحف ، ويسود الكتب ، ويصم الآذان ..!
وكان لهم هزبر ضاري ، وكاتب ضرغام ، وشاعر مصقع ..لقد كان " مصطفى صادق الرافعي " ..!
ولست هنا في طور تأصيل مقامه الأعلى ، ومنقبته العظمى ، في الذود عن دين الله في كنانة الله ، لأن هذا موضوعي القادم إن شاء الله ..!
لكن ما أنا بصدده هو " ياخي ماني مطوع " ..!
ولأترك المجال الآن لصديقه الوفي ، وتلميذه النجيب "محمد سعيد العريان " ليُقص بدلاً عني ، ويروي لساناً مني ، ليقول لكم " كثير من الذين يقرأوا للرافعي ويعجبون به ، لا يعرفون عنه إلا هذا الأدب الحي الذي يقرأون ، بل إن أكثر هؤلاء القراء ليتخيلونه شيخاً معتجر العمامة ، مُطلق العذَبة ، مسترسل اللحية ، مما يقرأون له من بحوث في الدين ، وآراء في التصوف ، وحرص على تراث السلف ، وفطنة في فهم القران ، مما لا يدركه الشيوخ ..وكثيراً ما تصل إليه الرسائل بعنوان : " صاحب الفضيلة الشيخ مصطفى صادق الرافعي .." أو " صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر .." .
ومن طريف هذا الباب رسالةٌ جاءته من حلب منذ قريب يُبدي كاتبها دهشته أن يرى صورة الرافعي منشورةً في " الرسالة " إلى جانب مقالته في عدد الهجرة ، مطربشاً ، حليق اللحية ، أنيق الثياب ، على غير ما كان يَحسَبُ ، ويتساءل كاتب الرسالة : " لماذا يا سيدي أُبدَلتَ ثياباً بثياب ، وهجرت العمامة والجبة ، والقفطان ، إلى الحلة والطربوش ؟ ألك رأي في مدنية أوربة وفي المظاهر الأوربية غير الرأي الذي نقرؤه لك ..؟ " .
وما كان هذا السائل في حاجة إلى جواب ، لو أنه عرف أن الرافعي لم يلبس العمامة قط ، وهذا لباسه الذي نشأ عليه منذ كان صبياً يدرج في طربوشه وسراويله القصيرة ، يوم كان تلميذاً يدرس الفرنسية إلى جانب العربية بمدرسة المنصورة ..." ا.هـ .
أحسبني غير محتاج لأن أشرح مشروح ..!
-4 -
قال الشيخ علي الطنطاوي متحدثا عن الشيخ معروف الأرناؤوط رئيس تحرير صحيفة "فتى العرب" في الشام قبل نحو 80 سنة من الآن ..
يقول الطنطاوي: كنت أعمل مع معروف الأرناؤوط محررا في صحيفته وكان يكتب مقالات إسلامية حماسية تهز العالم الإسلامي ..
لكنه كان قرندلا .. وكان يشرب الناركيلة .. وكان كما قال الطنطاوي: أول من حلق شاربه في سورية ..فجاء مرة وفد من علماء الهند .. لهم لحى كثة .. يبحثون عن الشيخ معروف الأرناءوط .. يريدون السلام عليه .. لما يعرفون من كتاباته الإسلامية القوية ..
فأشاروا إليهم أنه في المقهى .. فجاءوا وسألوا أين الشيخ معروف الأرناؤوط؟! فتنبه للأمر واستحيا وخرج من المقهى وقال سأدلكم عليه ..فخرج بهم وبحث عن شيخ ذي لحية كثة واتفق معه أن يتقمص شخصيته، وقال لهم هو ذا ..فسلموا عليه ظانينه معروف الأرناؤوط !!!
-5 –
يحكي – وعهدتها على من رواها لي – أحدهم بأن رجلاً رأى في منامه ولليالي متعددة اسم شخص لا يعرفه وختام رؤياه أن هذا الرجل من أهل الجنة !
فيسأل بعض من اختصه الله بتأويل الرؤى فيشير عليه بألا مناص من بشارته !
فيسأل عنه ملياً حتى قيل له أنه من أهل مكة المكرمة . ثم استطاع الوصول إليه بشق الأنفس وهو يظن بأنه سيلقى رجلاً كث اللحية ، صبوح الوجه ، آثار الخشعة بين عينيه !
يقول – وعهدتها على راويها – بأنه جاءه وهو يغسل سيارته عند بابه ، فسلم عليه وسأله : أأنت فلان ؟!
قال : نعم أنا هو !
فيخبره الرجل خبره ، فينهمر الرجل المُبشَّر باكياً مسُتكثراً من البكاء !
وبعد أن هدأ وخف نحيبه ، يسأله الرجل الرائي قائلاً : لا بد أن لك إلى السماء سبب ، فدلني عليه !
فيرد عليه الرجل : والله لا اعلم لنفسي من خير وإنما هو ما ترى ، إلا أن مرتبي أربعة آلاف ريال ، أقسمه نصفين بيني وبين أولاد جاري الأيتام ، والذين لا كافل لهم بعد الله إلا أنا !
ولا غرو يا سادة ..أفلم يقل رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام : " أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وقرن بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام " .
-6 –
يروي أحد الدعاة قصةً لطيفة فيقول : بينما أنا في هجعة الليل إذا بطارق يطرق الباب عليّ بقوة وغلظة !
يقول فانتبهت قائماً وخرجت للباب مسرعاً ، فإذا أنا بشاب تفوح منه رائحة الدخان ، وحليق ، ويخبرني بأنه قد أسلم على يديه اثنان من عمالته بعد إن اجتهد عليهما أشهراً ، ويسأل كيف يعمل الآن بعد إسلامهما !