الشوق والحنين صفة لازمت الإنسان منذ بدء الخليقه فتراه مرة يحن ويشتاق إلى وطنه الكبير حينما يكون بعيد عنه , ويحن ويشتاق إلى قريته أو مسقط رأسه حيث نشاء وترعرع عندما يكون داخل الوطن , وكثيرا ما صور الشاعر العربي شوقه وحنينه لوطنه في أجمل صورة شعريه ويزيد وقعها في النفس حينما يكون مريضاً أو يعاني سكرات الموت ولقد أجاد الشاعر البغدادي محمد بن زريق في تصوير ذلك الشوق والحنين ايما إجاده :
لا تعذليه فـإنّ الـعـذل يوجـعُـهُ قد قلت حقّاً ولكنْ ليس يسمـعُـهُ
جاوزتِ في لومه حدَّاً أضـرَّ بـه من حيثُ قدّرتِ أن اللوم ينفـعـه
فاستعملي الرفق في تأنـيبـه بـدلاً من عنفه فهو مُضنى القلب موجعُهُ
قد كان مضطلعاً بالبين يحـمـلـه فضُلِّعت بخطوب البيت أضلـعُـه
يكفيه من لوعة التـفـنـيد أنَّ لـه من النَّوى كـلَّ يومٍ مـا يروِّعُـهُ
ما آبَ من سـفـرٍ إلاَّ وأزعـجَـهُ رأيٌ إلى سفرٍ بالرغـم يتـبـعُـهُ
كأنّما هو فـي حِـلٍّ ومُـرتـحَـلٍ موكّلٌ بفـضـاء الأرض يذرعـه
إذا الزماع أراه بالرحـيل غـنـىً ولو إلى السدّ أضحى وهو يزمعـه
تأبى المطامع إلاّ أنْ تـجـشّـمـه للرزق كدًّا وكم مـمّـن يودعـه
وما مجاهـدةُ الإنـسـان واصـلةٌ رزقاً ولا دِعةُ الإنسان تقـطـعـه
والله قسّم بين الـنـاس رزقَـهُـمُ لم يخلقِ الله مخلـوقـاً يضـيّعـه
لكنّهم ملؤوا حرصاً فلست ترى مسترزقاً وسوى الغايات تقنعه
والحرص في المء والارزاق قد قسمت بغي الا ان بغي المـرء يصـرعـه
والدهرُ يعطي الفتى ما ليس يطلُـبُـهُ حقّاً ويطعمُهُ مـن حـيث يمـنـعـه
أستودع الله في بغـداد لـي قـمـراً بالكرخ من فلك الأزرار مطـلـعـه
ودّعـتـه وبـودّي لـو يودّعـنــي طيبُ الـحـياة وأنـيّ لاأودعـــه
كم قد تشـفّـع بـي أنْ لا أفـارقـه وللضرورات حـالٌ لا تـشـفِّـعـه
وكم تشبّث بي يوم الرحـيل ضـحـىً وأدمعي مـسـتـهـلاتُ وأدمـعـه
لا أكذبُ الله ثوبُ العذر مـنـخـرقٌ عنـيّ بـرقـتـه لـكـنْ أرقّـعـه
إنيّ أوسَّع عـذري فـي جـنـايتـه بالبين عنـه وقـلـبـي لا يوسّـعـه
أعطيت ملكاً فلم أحسـن سـياسـتـه كذاك من لا يسوس الملك يخـلـعُـهُ
ومن غدا لابساً ثـوب الـنـعـيم بـلا شكر علـيه فـإنّ الـلـه ينـزعـه
اعتضت من وجه خلِّي بعد فـرقـتـه كأساً تجرع منـهـا مـا أجـرعـه
كم قائلٍ لي ذنبُ الـبـين قـلـت لـه الذنب والله ذنبـي لـسـت أدفـعـه
إلاَّ أقمت مكـان الـرشـد أتـبـعـه لو أنني يوم بان الرشـد أجـمـعـه
أن لا أقـطّـع أيامـاً وأنـفـذهــا بحسرةٍ منه في قلبـي تـقـطّـعـه
بمن إذا هـجـع الـنّـوام بـتُّ بـه بلوعةٍ منه ليلي لـسـت أهـجـعـه
لا يطمئن بجنبـي مـضـجـعٌ وكـذا لا يطمئن له مذْ بنت مـضـجـعـه
ما كنت أحسب ريب الدهر يفجعـنـي به ولا أظنُّ بـيَ الأيام تـفـجـعـه
حتى جرى البين فيمـا بـينـنـا بـيدٍ عسراء تمنعني حظّي وتـمـنـعـه
وكنت من ريب دهري جازعاً فـرقـا فلم أوقّ الذي قد كـنـت أجـزعـه
بالله يا منزل الأنـس الـذي درسـت آثاره وعفت مـذ بـنـت أربُـعُـه
هل الزمان مـعـيدٌ فـيك لـذّتـنـا أم الليالي التي أمضتـه تـرجـعـه
في ذمة الله من أصبحـت مـنـزلـه وجاد غيثٌ على مغـنـاك يمـرعـه
من عِنده ليَ عهـدٌ لا يضـيع كـمـا عندي لـه عـهـدُ ودٍّ لا أضـيّعـه
ومـن يصـدّع قـلـبـي ذكـره وإذا جرى على قلبه ذكـري يصـدّعـه
لأصبـرن لـدهـرٍ لا يمـتّـعُـنـي به ولا بـيَ فـي حـالٍ يمـتّـعـه
علماً بأن اصطباري معقـبٌ فـرجـاً فأضيق الأمر إن فكّـرتُ أوسـعـه
عسى الليالي التي أضنت بفرقـتـنـا جسمي ستجمعني يوماً وتجـمـعـه
وإن تـنـل أحـداً مـنّـا مـنـيتـه فما الذي بقضاء الـلـه يصـنـعـه