[color=red]؟!! غامدي عمارة يعقوبيان ؟!![/color]

بسم الله الرحمن الرحيم

غامدي عمارة يعقوبيان !!

كثيراً ما يتناول الطرح الأدبي الروائي والقصصي الشأن العربي العام على نحو من الإسقاطات الدينية والسياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية المختلفة - حيث إن لكل قطر عربي نتاج ثقافي يحاول من خلاله الأديب والمثقف القطري تحديداً ترسيخ مفهوم الخصوصية وما في حكمها - وذلك يعود في رائي المتواضع لسببين لا ثالث لهما :
الأول : تشويقي :
فالإنسان العربي في الأدب العربي القادم من خارج القطر يأتي في صور بلهاء غبية ساذجة شهوانية تعريضاً بالإنسان العربي في الخليج عندما يذهب لمصر أو بلاد الشام مثلاً ، ومتحرر لا يتردد في القيام بأي دور ثقافي أو فني للبناني خارج بلاده ، وهكذا السوداني البواب الأسطوري ، والمغربي الساحر ، أي شخصية هامشية لا دور لها في الحياة إلا على ذلك النحو من التسطيح .. في الجملة يتأسون بخطى صناع الثقافة الغربية والأمريكية وما تحمله رؤيتهم للإنسان العربي ثقافياً مكتوباً أو مجسداً تمثيلاً !!
الثاني : تسويقي :
وهو ما فطن له الأديب والراوي العربي وصناع الثقافة المرئية أخيراً فعندما يرد اسم السعودية في مسلسل مصري أو سوري أو لبناني مثلاً يكون لذلك وقع مؤثر جداً لا يدركه إلا من يتابع تلك المسلسلات والأفلام .
إذا نحن أمام طرح غير منصف في كل الأحوال ، إذ تكاد تكون حياتنا من الخليج إلى المحيط أن تتطابق وتتقاطع في الكثير من تفاصيل الحياة اليومية ، بل إن أثر البترول في الخليج والثقافة المصرية والعربية الأخرى على واقع الحياة في العالم العربي ككل لم يحدث ذلك الفارق المزعوم .
أو هكذا ورد اسم السعودية في رواية على الأسواني المسماة : ( عمارة يعقوبيان ) والتي جسدت تمثيلاً في عمل مصري يحمل نفس الاسم ، يعرض الآن في دور السينما ، حيث حشد له الكثير من الممثلين المصريين والعرب ، وبلغت تكلفته ملايين الجنيهات ، وأعدوه علامة فارقه في السينما لديهم !
فاسم السعودية ورد في سياق النص التالي على لسان أحد شخوص الرواية (الأصلية) من الموالين للنظام في مصر ، كما ورد ذكر ( الشيخ الغامدي ) كرمز ديني داعم للموقف الديني المؤيد للإستعانة بالقوات الأجنبية إبان حرب تحرير الكويت ، ربما نفهم منه أن شهرة (الغامدي) كلقب يحمله الكثير من أبناء هذه البلاد ، إذ ليس هناك ما يمنع من توظيفه كإسقاط ديني سياسي لخدمة النص .. وإلى الحوار التالي من الرواية :
كان الشيخ السمان مشغولاً للغاية بحرب الخليج , كل يوم ينظم محاضرات وندوات ويكتب مقالات مطولة في الصحف ليشرح فيها الحكم الشرعي لحرب تحرير الكويت وقد استضافته الحكومة مراراً في التليفزيون ودعته إلى إلقاء خطبة الجمعة في أكبر جوامع القاهرة وراح الشيخ يقدم للناس كافة الأدلة الشرعية على صحة الموقف الذي اتخذه الحكام العرب باستدعاء القوات الأمريكية من أجل تحرير الكويت من الاحتلال العراقي .. قضى الحاج عزام (1) ثلاثة أيام كاملة يبحث عن الشيخ السمان حتى استطاع أخيراً أن يلتقي به في مكتبه بمسجد السلام بمدينة نصر , وقد بادره وهو يتأمل وجهه بقلق :
- مالك يا مولانا .. شكلك مرهق .
- لا أنام تقريباً من أول الحرب .. كل يوم ندوات ولقاءات وخلال أيام سأسافر بإذن الله إلى السعودية لحضور الملتقى العاجل لعلماء المسلمين ..
- لا يا مولانا .. لازم تحافظ على صحتك .
تنهد الشيخ وتمتم :
- كل ما عملته أقل من الواجب وأسأل الله عزّ وجل أن يتقبل عملي ويضعه في ميزان حسناتي ..
- ممكن تؤجل السفر إلى السعودية وتستريح قليلاً .
- معاذ الله أن أتقاعس .. لقد اتصل بي الشيخ الغامدي وهو عالم جليل ولا نزكي على الله أحداً .. سوف أشترك مع الأخوة العلماء هناك في إصدار بيان شرعي لإفحام مثيري الفتنة وبيان تهافت حجتهم للناس , سوف نذكر في البيان بإذن الله الأدلة الشرعية على جواز الاستعانة بالجيوش المسيحية الغربية لإنقاذ المسلمين من الكافر المجرم صدام حسين .
وهز الحاج عزام رأسه مؤمنا على كلام الشيخ ومرت لحظة صمت ثم ربت الشيخ على كتفه وسأله بود :
- وأنت كيف حالك .. أظنك جئتني في مسألة ..
- .. لا أريد أن أزيد همك ..
وابتسم الشيخ ورجع بجسده الممتلئ في المقعد الوثير قائلاً :
- أنت بالذات لا يمكن أن تسبب لي هماً .. تفضل احك ..
- انتهى نص الحوار –

إذاً هناك تكريس لصورة لا يراد لها أن تتغير للإنسان العربي الموسوم بالقطرية للأبد , وبخاصة في تلك البلاد التي قطعت مسافة لا باس بها من العطاء الثقافي ، وكأني بها تخاتل عقدة تفوق التلميذ على استاذه .
راجياً أن أكون قد وفقت في إيصال فكرة هذا المقال .. من باب المشاركة بطرح الموضوعات التي تثري الفكري ولو بالقدر القليل من محاولة فهم حركة الفكر في عالمنا العربي بخاصة .
محبكم .. نديم الدار ..
حرر في الرياض بتاريخ 4/7/1427هـ

(1) ورد الحوار السابق في الصفحتين رقم 242 و 243 من رواية (عمارة يعقوبيان) لمؤلفها علاء الأسواني ومنشورات مكتبة مدبولي في مصر لعام 2005م , أما الحاج عزام فهو أحد الشخصيات المهمة في الرواية وصديق للشيخ السمان , وقد أصبح من عامل بسيط , معدم , إلى أحد الأثرياء في مصر بعد الثورة ، أسكن زوجته الثانية الغير معلنة في العمارة حيث تدور تفاصيل الرواية التي تطبع للمرة التاسعة ، تلك العمارة التي بناها عام 1934م عميد الجالية الأرمينية في مصر المليونير هاجوب يعقوبيان تخليداً لاسمه , حيث تلك الفترة صفوة المجتم المصري من الوزراء والباشوات وكبار الإقطاعيين ورجال الصناعة واثنين من المليونيرات اليهود .