قصه وفائده
فوق تل من تلال غابة نائية , كان يعيش شيخ مع ابن له و جواد .. ذات صباح هرب الجواد و اختفى , فأقبل الجيران على الشيخ يعزونه في نكبته بفقد جواده ... فقال لهم الشيخ
- ومن أدراكم أنها نكبه ؟
فصمتوا و انصرفوا واجمين ! .. و لم تمضي أيام حتى عاد الجواد إلى صاحبه من تلقاء نفسه , لا وحده , بل مصطحبا معه عددا من الخيول البرية .. فعاد الجيران إلى الشيخ فرحين بهذا الغنم الوفير و هنأوه على هذا الحظ السعيد ... فنظر لهم الشيخ بهدوء و قال لهم
- و من أدراكم أنه حظ سعيد ؟
فسكتوا مذهولين و انصرفوا متحيرين , و مرت الأيام .. و جعل ابن الشيخ يروض الخيول البرية , فامتطى منها جواد عنيد , فسقط من فوق صهوته , فكسرت ساقه ... فرجع الجيران مرة أخرى إلى الشيخ محزونين , يبثونه ألمهم لما وقع لولده , و يعزونه في هذا الحظ العاثر .... فقال لهم الشيخ برفق
- و من أدراكم أنه حظ عاثر ؟
فإنصرفوا صامتين , و مضى العام , و إذا حرب تقوم , وجند الشباب , و أرسلوا إلى الميدان , فلاقى أكثرهم مصرعه , إلا ابن الشيخ فإن العرج الذي بقدمه أعفاه من الذهاب إلى الحرب و أنقذه من ملاقات الموت
تهدف هذه القصة الصغيرة إلى ترسيخ فكرة عظيمه و هي أننا عادة ما ننظر إلى الأحداث التي تمر بنا على أنها منفصلة عن سابقتها و لاحقتها , و كأنها ولدت من العدم و ستنتهي إلى اللاشئ ... لذا فإننا نفرح كثيرا إذا بدا لنا خيرا و نحزن كثيرا إذا بدا لنا هذا الحدث شرا
و الحقيقة أن كل حدث يمر بنا ما هو إلى حلقة في سلسة متشعبة من الأحداث بعضها خير و بعضها شر ... فإذا قيمنا حدث ما من بدايته إلى نهايته أي بالأحداث المسببه لة و الناتجه عنه - و إن كان هذا صعبا- لما استطعنا أن نعرف إن كان هذا الحدث خيرا أم شرا
كذلك الحال في القصة السابقة ... فإن كل أحداث القصة نتجت من حدث واحد و هو هروب الجواد ... فإن قيمت الآن هذا الحدث أعياك الأمر كثيرا و ما اسطعت أن تحدد إن كان هذا الهروب خيرا أم شرا , فقد نتج عنه مجموعة من الأحداث بعضها خير و بعضها شر بحيث ترى الموضوع في النهاية متوازن
و إن أدركنا هذه الحقيقة فإننا لن نفرح كل الفرح عندما تصادفنا الأحداث السعيدة و لن نفرط في الحزن عند مواجهتنا لما يبدو لنا أحداثا تعيسة ... لأننا نعلم أن هذا الحدث أو ذاك لم يأتي واحده إنما هي شبكة من الأحداث فيها الخير و الشر متداخلان و متشابكان بحيث يستحيل فصلهما