يكفي إنه ملتزم .. طيب ملتزم بماذا؟!!
مما أضيف إلى قاموس ثقافتنا المجتمعية الخاصة ( جداً ) وأضحى من أدوات التقريع والترويع والتبشيع ( للأسف الشديد ) مصطلحات ما أنزل الله – جل في علاه – بها من سلطان , فهذا ملتزم ، وتلك ملتزمة – مع اعتراضي على هكذا تسمية – والقائمة تطول , إلا أنني أكتفي بواحد من أكثر تلك التوصيفات شيوعاً بيننا والغير مبررة إجمالاً !
البعض الكثير اختصر الالتزام – شكلاً – في المعادلة التالية : قصر ثوبك , واطلق لحيتك , ولا تلبس عقال , تتفتح لك أسارير البشر والتباشير . بل يأتيك التبرير والمنافحة عن أي سلوك غير مقبول منك بأسرع ممّا تتخيل .
وزيادة أن امتد هذا المصطلح الاحترازي إلى نصفنا الآخر ( حور الطين ) فوقع الكثير من بناتنا ونسائنا ضحايا للمحتالين بهذا التوصيف الآدمي الظالم .
يا أخي إنه ملتزم – هكذا بكل بساطة – طيب ملتزم بماذا؟! ، فعلى هذا النحو الضيق من قراءة السلوك الشخصي يُعد الآخر غير ملتزم شكلاً ومضموناً !
لماذا لا نعمل على أن يأخذ هذا التوصيف أشكالاً أخرى مختلفة أكثر واقعية وقبولاً , تنمي في نفوسنا وفيمن حولنا ما نحسبه سهل المنال ساعة نشاء ؟!
أفهم أن تلتزم مقتدياً بسنة النبي الحبيب محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين ما استطعت إلى ذلك سبيلاً , ولكن لا تضيق على نفسك من حيث كان النبي عليه الصلاة والسلام يوسع على أمته !
وأن تلتزم بحب وطنك في كل صور الفداء بعيداً عن العصبية القبلية والمناطقية الكريهة , أو الأنانية في الانتماء والتخوين في الوطنية .
وأن تلتزم بأداء ما عليك من واجب الوظيفة , وواجب المواطنة بين أهل (وربعك) بعيداً عن مثل تلك الأمور التي قتلت الطموح والانتاجية .
وأن تلتزم برد الأمانات إلى أهلها , وأموال الناس إليهم , وتسديد ما عليك من قروض لجهاتها , وتترفع عن المال العام في كل صوره .
وأن تلتزم جانب السماحة وسعة الصدر مع مخالفيك في الرأي – الذي يجب أن لا يفسد للود قضية – لكي لا تخسر كرامتك بهدر كرامة غيرك .
وأن تلتزم جانب الحياة الســوية مثل أي إنسـان , لا ملاك ولا شـيطان , يأكل ويلعب وينام و .... , و (يسافر) , ويضحك , ويسهر , ... على أن تعي أن التزامك لا يعني التمادي في العناد والمكابرة ؛ لكي لا يتسلط عليك التزامك من حيث لا تدري !
وأن تلتزم طمعاً في الجنة ونعيمها الأبدي , أو لدنيا تصيبها , أو إمرأة تنكحها , ولكن لا تقطع فقلوب العباد بين اصبعين يقلبها الحق جل في علاه في علاه كيف يشاء .
وأخيراً أفهم ما يعانيه الملتزم شــكلاً , كما أفهــم ما يعانيه من يُوسم بعدم الالتزام الشكلي ، إلا أنني لم أفهم بعد كيف تقبلنا أن نكون أسرى تصنيفات بشرية قاصرة نسلم بها دون اكتراث لعواقبها !