الكابتن جواد... طيار تدرج في مقاعد قيادة الطائرة خلال عشرين عام ..والحقيقة لا يوجد فرق كبير في مخزون معلومات الكابتن عن مساعده سوى الخبرة اللازمة لاتخاذ القرار إذا كان فارق الخدمة قليل بينهما. عموما.. كان الكابتن جواد في يوم جديد وروتيني في رحلة من القصيم إلى الرياض. تشير أجهزة الملاحة بان الأجواء مواتية وأنها ذات قراءات مناسبة ووفقا للمعايير المعروفة.
أشار الكابتن إلى ربط الحزام استعدادا للإقلاع مودعا ارض القصيم بكل محبة ورحابة. بعد الوصول إلى الارتفاع المطلوب وخلال خمس دقائق ، أشار بفك أحزمة المقاعد وبدأ طاقم الطائرة بواجباتهم المعتادة. ألقى الكابتن جواد بظهره إلى مقعده مسترخيا بعد أن قام بتشغيل الطيار الآلي وأعطى القرارات والأرقام المناسبة وبدا يراقب أجهزة الملاحة الجوية والعدادات التي كانت تشير إلى أن الأمور تسير على ما يرام.
ماهي الا خمس دقائق حتى لاح بالأفق مالا تشير إليه أجهزة الملاحة ولا الرادارات التي بداخل الطائرة. إنها سحب كثيفة يرى من خلالها البرق في عز النهار. انقض الكابتن جواد على أجهزة التحكم وأشار بربط الأحزمة وعودة الطاقم إلى مقاعدهم. وبدأ الكابتن جواد بتوجيه الطائرة يمنة ويسرة هروبا من هذه الزوبعة التي كان يظن أنها تكونت بشكل سريع لم تتداركه أجهزة الملاحة التي لديه ولم تستحدث المعطيات المطلوبة.
أصبح الطيار في تلك الظروف عين على الأجهزة وعين على نوافذ الطائرة. ما يقرأه خلاف ما يراه.. استمر في تلك الأجواء إلى أكثر من نصف الساعة حتى دخل في غيوم لا يرى فيها ارض أو سماء. وتعجب بأن شاشة تحديد موقع الطائرة تشير إلى انه في المسار السليم وان لاشيء تغير. قرر بخبرته ان يبدأ بالنزول التدريجي إلى ارتفاع العشرة آلاف قدم فاتصل ببرج المراقبة طالب تأكيد موقع الطائرة والإذن بالنزول إلى هذا المستوى. سرعان ما كان الرد بأنه في المسار السليم وسمح له بالنزول التدريجي.
ظهرت البسمة على شفاه الكابتن جواد وقال في نفسه كما يقال لكل طيار.. أجهزة الملاحة لا تكذب ابدآ. لكن سرعان ما اغتيلت هذه الابتسامة ،، حيث أن الطائرة استجابت إلى النزول التدريجي ولكن عداد الارتفاع لازال ثابتا لا يتزحزح.
وفي غضون دقائق والحيرة تعاصره وهي يلزم بمقود الطائرة ... حتى تلاشت هذه السحب وبدأ الذي لم يكن في حسبانه. انه البحرفي الافق أمامه..أين المباني وأين الرياض؟..
اتصل ببرج المراقبة مخبرا بالوضع الذي هو فيه وجاءه الرد بان الرادار يشير بان الطائرة في بداية الرياض وعلى مقربة من المطار...
أدرك الكابتن بأن أجهزة الملاحة لم تكن بذات الثقة التي دوما يكنها لهم في قلبه وان الأرقام التي كان يراها هي مجرد إسعاده للصعود بالطائرة حيث أن الطيران عشق ونقل الركاب إلى بر الأمان خدمة صادف معها هذا العشق.. وان من كان يتحدث معه في برج المراقبة لا يقل مخادعة عن هذه الأجهزة قاصدا أم لم يكن.
وصدر الصوت الذي كان الوحيد يعمل بإخلاص من بين هذه الأجهزة... هو ناقوس الخطر... انتهى الوقود.. حينها تردد في نفسه قائلا: لست السبب.
نعم سقطت الطائرة وسقط معه الركاب من مقاعد الدرجة الأولى إلى السياحية مرورا بطاقم الطائرة ولا يعلم احد لماذا سقطت الطائرة.
نعم .. إذا كانت أجهزة الدولة بكل فروعها تعطي الأرقام والمعلومات الخاطئة للقادة(الذين بصدق وأمانة وجدارة يريدون قيادة البلد إلى بر الأمان) تعطي بأننا في أحسن حال...وهو عكس الواقع ... سنسير إلى الأمام إلى فترة وجيزة ولكن سنسقط وسقوط شامل ... قد لاينجو الا القليل والغالب يبقى معاق أو مشوه.
تبدأ اجهزة الدولة بنا كافراد سواء منتمين لها أو خارجها من أسفل طبقة إلى أعلاها ومن ثم ندخل في منظومة متكاملة يحملنا قارب واحد اذا اختل توازن احداها اختل الكل. اذن حتى يحسن الحال يجب أن نبدأ بصدق ونقل الواقع بصدق وكلما كانت الشفافية في النقل كلما وصلنا إلى الحل الانسب ولا اعتقد احد من المسئولين يرضى بالخطأ أو يخفيه لانه رضي بتتحمل الامانة.
من جانب اخر، هناك من الأجهزة الحكومية يعمل بثقله ولكن خارج السرب وخارج المنظومة ويفتقد إلى التنسيق مع بقية أجهزة الاخرى وهذا في حد ذاته نوع اخر من الخلل..
واخيرا يبقى جهاز الاعلام الذي ينجو من هذه الحاثة و الذي غالبا ما يحمل الاخبار السوداء محل الصندوق الاسود ليؤرخ سقوط الطائرة ويجعجع بالاسباب اما الصحيحة أو المزيفة كيفما اراد المحللون... وانا شخصيا لا الومك يا كابتن جواد...
تحياتي.