أولاً : آسف على عدم متابعة المنتدى في الأيام الماضيه ولي عذري , ولقد فاجأني الحبيبان علي العسيس و علي المسعود الخميس الماضي بزيارة في (خليص) والحقية أنني كنت سعيداً بهما , ولا شك أنهما رأيا ما أنا فيه من مشاغل والله المعين...وقد وعداني بتكرار الزيارة وأنا في الإنتظار.
بسم الله الرحمن الرحيم
((الراعي وصديقه الوفي))
رزقنا الله مزرعة في (خليص) وهي محافظة صغيرة تقع إلى الشمال الشرقي لمدينة جده وتبعد عنها حوالي السبعين كيلا , وهي ضمن وادي اشتهر بخصوبته منذ القدم وهو على طريق الحاج والزائر, وكان هذا الوادي مع وادي فاطمة , اللذان يؤمنان الخضروات وبعض الفواكه الموسمية لمكة المكرمة وجده , أيام ما كانت العيون تجري على الأرض, أمّا الآن فالله يتولانا برحمته ويسقينا الغيث ولا يجعلنا من القانطين , وبعد أن استقرينا وطاب لنا المقام , رأينا أن نزيّن هذه المزرعة ببعض الماشية فاشترينا ضأناً وماعزاً ,( لرزق الله وللبيت والضيف) . مثلما كانوا يقولون في الديرة إذا نثروا(ذَرَوا) الحبّ وقت الحرث ( اللهم لنا وللطير ولشبّار الخير.....بهذا النص) وإن كنت وأنا صغيراً أفكر في نفسي(طالما جعلوا منه للطير فلماذا يحمون الحقول من الطير!!!!!
نعود لموضوعنا...وطبعاً الأغنام لا بد لها من راعي , وساق الله لنا راعياً من إخواننا أهل السودان اسمه (النعيم) رزقه الله خفة دم ودعابة وأعطاه الله معرفة ودراية بالأغنام , حتى أن طبيباً بيطرياُ سورياً زار الأغنام للكشف الدوري عليها , ومن الأخذ والرد مع الراعي (النعيم)
وأثناء عودته معي لعيادته البيطرية قال: لديك راعي صاحب معرفة بالأغنام ليست بسيطة.
والحقيقة أن عمر النعيم سبعة وعشرون سنه , فعندما سألته من أين أخذت هذه الخبرة قال : لقد كنت أرعي الغنم مع جدي لأمي وهي شيخ جاوز الثمانين من العمر , وهو معروف في منطقتنا بخبرته الطويلة عن الأغنام داؤها وأدواؤها , وهو أخذ الخبرة عن أبيه .
وكان البدو من حولنا برغم أنني كنت أظن أنهم أصحاب خبرة , يأتون إلى النعيم يشكون له من بعض الأشياء التي تصيب حلالهم ويعملون برأيه .
وفي يوم من الأيام وجدت عنده جروين صغيرين بينهما شبه كبير( أقصد الجروين) فقلت : ما هذا يا النعيم ؟؟ قال : لا بد للراعي من كلبين يحرسان غنمه . قلت : أما كان يكفي كلب واحد!!
قل لا ....لأن الاثنين أحدهما يحمس الأخر .
وكبر الجروان وألفانا وألفناهما وكان أحدهما مسيطراً على الأخر فأسماه النعيم (بوش) والأخر المُسَيطرُ عليه (بلير) .
وعندما سمعته يدربهما على الإجابة بهذه الأسماء قلت : يا لنعيم أرجوك لا تدخلنا في السياسة.
قال:هم في الغرب يفرحون كثيراً إذا سميت الكلاب بأسمائهم , وهم يا عم محمد أكثر خلق الله تربية وعناية بالكلاب لداعٍ ولغير داعٍ.
وبعد فترة كان يناديهما بتلك الأسماء فيجيبان حتى ولو كانا على بعد مئات الأمتار يأتيان راكضان نابحان .
وقد ذاع صيتهما في المزارع من حولنا وكانا طوال الليل يتبادلان المراكز في النباح .
وفي يوم من الأيام اختفى المدعو(بوش ) وبحثنا عنه دون جدوى , وحزن عليه النعيم حزنا شديداً وبقي المدعو (بلير) وكان يعوي طول الليل كأنه ينادي أخوه وصام عن الطعام , وفي يوم من الأيام وجده الراعي نافقاً , كأنه عاف الحياة بعد أخيه, وانتهى عهدنا مع بوش وبلير .
وفي يوم من الأيام وجدت عنده جروا صغيراً , فقلت : ما هذا يا النعيم ؟؟ قال : هذا بوش الابن وينظر لي نظرة ذات مغزى.
فسكت عنه , وإن كنت غير راضٍ عن وجوده .
وكبر هذا الكلب ولكن بحجم غير عادي , والحقيقة أني لم أرى كلباً في ضخامته , وفي أشهر معدودة كانت المزرعة بكاملها تحت سيطرته لا يجرؤ أن يدخلها أحد إلا في حماية أحد العاملين , والحقيقة أن منظره مخيف , فقلت للراعي أنني أصبحت أخشى أن يهاجمني ليلاً قبل أن يعرف من أنا , قال الراعي : مستحيل... إنه الآن يعرف وقع خطواتك , بل وأقول لك أكثر من هذا أنني أعرف أنك قادم قبل أن تصل المزرعة بوقت ليس بالقليل أراه يهز ذيله فرحاً فأعرف أنه سمع صوت سيارتك , قلت : هذا عجيب.
وسافر النعيم للسودان وبقي الكلب , وسبحان مغير الأحوال تغير ذلك الكلب فأصبح يهاجم بسبب وبلا سبب , وتعدى ضرره حتى المزارع المجاورة وصار يلتهم دجاجنا , وأصبح الجيران يشكون لي منه كثيراً , فاضطررت لربطه بسلسلة , ونظراً لحجمه الكبير فقد أبتاع أخي عبد الرحمن سلسلة لو سُحبت بها شاحنة صغيرة لكانت كافيه , تصوروا أنه قطعها....أي والله لفتلها حتى انقطعت , وفي يومٍ هاجم أحد العاملين فأصابه في ساقه إصابة بالغة , عنده قلت لا بد من التخلص منه , فأطلقت عليه النار وظننت أنه أصيب إصابة قاتله , ولكن يبدو أنه كان جرحاً سطحياً ما لبث أن برء منه ولكنه أزداد شراسة , فأشار عليّ أحد الجيران بأن نضع له السم في بقايا طعام على الطريق التي يرتادها , وغاب عنّا فترة قلنا لعله تسمم , وفي في عصر أحد الأيام , والجو غائم صنعت لي شاهي بالدوش ( أحبه هكذا) وقلت أخرج قليلاً خارج المزرعة وأوقفت سيارتي وبجانبي بندقيتي , فإذا بجوالي يرن وإذا المتصل أحد العاملين يقول أنه رأى الكلب وأنه سيمر من جواري , فاستعديت له وما أن ظهر فوق أحد العقوم الترابية وتلاقت أعيننا وكأننا على الموعد , فلم أمهله وأطلقت عليه طلقة واحده , فخر لجنبه وأنتفض قليلاً ثم سكن , وبقيت للحظات أنظر إليه , وبعد قليل صحت بإسمه (بووووش بوووووش) ولكن أجابني الصمت المطبق , وحمدت الله الذي أراحني وأراح الجيران منه , ثم كانت هذه الخواطر .
أنْشـــــدَكْ وين أنت عــــــني ياسعد
يـــــــوم راح آبوك طعمه للجحوش
أشــــــــــــرس النيبان عيشني بكمد
من طــــلوع الفــــجر لعشيه يهوش
إن تـــــــــركته جاء ون جيته شرد
هـــــــات سوجنك المعبر للطروش
القـــــــــــطه باللي متوسع مالزّرد
خــــــــل نفس الشين تاجينا تحوش
مـــــــــن ثلاث شهور معدوده عدد
مــا بقي ديــك(ن) ورا ديكه يجوش
غـــــــــــاب تـــــسع أيام قلنا قد همد
أو تســــــــــــــمم بالمعالق والكروش
والتـــــــــــــــفتّ إلا وهو مقـبل يجدّ
سالم(ن) ما في جرح(ن) أو خدوش
يــــــوم راد الله وكـــــــــــنّا عالوعد
بـــــندقي جـــــــــنبي وشاهيّه بدوش
وأركــــز البندق على بيبان (فورد)
والتـــقت عيني وعين الطحش بوش
قــــــــال نرجع للوفـــــــا قلت استعد
الـــــــــــذي خان الصداقه ما يعيش
مــــا مــــــــــداه يلف أو عني يصدّ
ليـــــــــن جاه السهم صايد له ينوش
يــــــــــوم شفته ساكن(ن) ما يرتعد
صحت بوش اسمع ولكن وين بوش
أنــــــــــــــقضى عمره ولا كنه وجد
فــــــــي خيالي ما بقي غير الرتوش
صــــــــــــار جيفه لا تقوم ولا تردّ
الـــــــــــطمع ضيّع لما جمعه بوش
وسلامتكم