من يقتل الوحش القابع في داخلنا؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
في أحيائنا الشعبية الطينية، لم يكن هناك بلدية تقوم بالنظافة، أو شبكة مياه صالحة للشرب والغسيل، أو كهرباء تضيء الطرقات، ولم نعرف أدوات التسخين والتبريد، وحفظ الأكل، أو مخازن للمعلبات، ولم نعرف "السيراميك" ولا الاسفلت، وفي كل شهر نشاهد سيارة البريد التي هي عبارة عن محركات يعلوها صندوق خشبي..
بيوتنا كان يقوم بعمارتها مواطنو الحي، النساء تجلب الماء، والرجال يوفرون الطين وخشب الأثل، وبتعاونية مثالية الكل يساهم بتجريد العسبان وتحضيراللبن، وبجوار المسجد الذي لا يتخلف عن الصلا فيه أي بالغ، نسمع الحكايات في "الدكك" الصغيرة، والنكات البريئة، والأغاني لابن لعبون، والعوني، وشعراء مجهولين.
وفي الأعياد والزواجات كانت هناك عرضات، وسامري ودفوف يتراقص عليها الجميع، وحتى النساء تتعالى أصواتهن بالأهازيج، وحتى الرعاة الذين يأخذون الوديعة من إناث الماعز والنعاج، يغيبون سنوات طويلة، ثم يعودون بأعداد مضاعفة دون رقيب أو حسيب أو ضمير ناقص وحتى الزيجات، وعقود البيع، والديون تتم بشاهدين ودون توثيق مكتوب، ومصدق من محكمة أو قاضٍ.
عالم مثالي بسيط لم يقهره الفقر عن تداول النكتة، والطرب والألعاب الشعبية، وبعد فتح المدارس شهدنا الأناشيد والمسرح، والمناظرات التي نحفظها عن ظهر قلب من كتاب جواهر الأدب مثل السؤال.. ما سنّك؟ فيرد الطالب الآخر.. سني عظم؟ بيئة أنشأتنا على الاحترام والأمانة ورقة المشاعر، وكان المعلم الوطني أو العربي مثالاً للفضيلة والتضحية، ولم نعرف بتلك الطفولة والشباب من يجعل الإنسان حطباً لجهنم لمجرد خطأ صغير.
أو يقدمنا هدايا للموت المفخخ، والولاء والبراء بتفسيرات مختلفة، وحتى كليات اللغة العربية والشريعة، والمساجد المفتوحة ليل نهار لم نسمع من يذهب بنا للخلية، والحلقة ثم الجماعة السرية التي بدلاً من جعل السيارة أداة حضارية في بناء المصنع وخدمة الأسرة، تتحول إلى فخاخ مدمرة لكل وسائل الإعمار والحياة..
من بعث هذا الوحش الراقد في أعماق شبابنا، ولماذا أصبح المعهد والمدرسة والكليات بمختلف اختصاصاتها ودور العبادة، وحتى الاستراحات والشقق مصانع لإعداد الإرهابيين، وهم سلالة من عاشوا مثلهم العليا في بيئتهم الطبيعية البسيطة؟
هل الرقي بالتعليم وامتلاك السكن المميز، والدخل المعقول وفتح مجالات السباق على الاختصاصات العليا والبعوث إلى الخارج، وإنشاء المدن الحديثة التي تتبارى مع مدن العالم المتقدم، نشأت لتقدم لنا جيلاً معطوب التفكير والسلوك، وحتى عربياً وإسلامياً