في صبيحة اليوم التالي اصطحب الأب ابنه معه , وذهبا سوية للسوق .. كان الولد يتحامل على نفسه من قسوة الطقس البارد ذلك اليوم ... مبتهجا بما يشاهد في السوق . شاهد الاغنام وهي تباع إلى جانب الثيران والأبقار ... شاهد الدكاكين الصغيرة المتراصة وما تحتويه من بضائع قليلة ومكررة في اغلب المحلات 0
كان يبتسم فرحا بما يرى ويده في يد أبيه وهو يسحبه خلفه بينما يحن له أحيانا ليتركه يستمتع بما يشاهد , وما يسمع من بعض الباعة الجائلين بحلوياتهم او انواعا من البسكويت ...
تمنى لو ان جيبه متخما بالنقود ولو باليسير منها ليطفئ رغبته العارمة في التهام شئ منها 0
وصلا اخيرا الى هدفهما المقصود- وهو دكان العم سعد – كان الدكان مكتظا بالمشترين الذين يتوافدون الى السوق كل يوم سبت ليبتاعون مايحتاجونه طيلة الاسبوع القادم ... على الرغم من قلة ذات اليد لدى الغالبية 0
انما كان كل شئ متوفرا ورخيصا واغلب التجار يبيعون لزبائنهم بالدين - ويكون السداد – حين ميسرة 0
دخل الاب مع ولده (احمد) الى الداخل حيث جلسا على اكياسا متراصة ... منتظرين فراغ العم سعد من زبائنه لتسليمه الولد وتعريفه بطبيعة عمله 0
اخيرا جاء العم سعد بعد ان خرج الزبون الاخير مبتسما ومربتا على ظهر الصغير النحيل ومرحبا بهما .. مما اشاع شئ من الاطمئنان في نفس الأب وابنه 0
بدأ الأب حديثه قائلا: هذا ياعم سعد ولدك احمد ان شاء الله ماتشوف منه الا كل خير 0
رد العم سعد بابتسامته المعهوده : الله يحييك انت واحمد , والحمد لله الشغل ليس متعبا على احمد ... انما اريد منه الانتباه والحرص والنظافة وتلبية طلب الزبائن فقط 0
وصى الاب ابنه امام صاحب المحل واخبره انه سيعود لأخذه قبيل المغرب 0
وعاد ادراجه وهو يخفي دمعة تترقرق في عينيه , كأنما يودع ابنه 0
كادت الحسرة تقطع نياط قلبه وهو يشاهد السوق بما يحتويه من بضائع متنوعة ولايستطيع شراء شيئا لضيق ذات يده 0
كان يتمنى ان يدخل على أسرته وهو يحمل شيئا يرضيهم ويسعدون به 0 رضي بقدر الله – وحمد الله ان يسر عملا لولده 0 وسار في طريق عودته لبيته المتواضع 0
اما احمد فقد كان يسرق النظر خلسة هنا وهناك داخل الدكان ليرى ماذا فيه ؟
رأى اكياسا مفتوحة بجوار بعضها البعض وتمالك نفسه بشجاعة ليسأل عمه سعد عن محتوياتها 0
اعجب العم سعد بسؤال احمد واخذ يشرح له : هذا ارز , وهذا سكر , وهذا حب .... وهذه العلب بعضها للنساء والغالبية للجميع 0
بدأ احمد عمله في تنظيف المحل بهمة ونشاط , و هو سعيد بما يفعل وخاصة وهو يسمع كلمات الثناء من (عمه سعد ).... وطلب منه الذهاب الى الفرن لإحضار اقراص الخبز وقليلا من الفول من الدكان المقابل والعودة للمقهى لإحضار الشاي0
هب احمد مسرعا لتلبية ماطلبه عمه سعد منه وبعد برهة كان كل شئ جاهزا للعم سعد ليتناول فطوره هنيئا مريئا .. مصرا على ان يكون احمد مشاركا له في الأكل... وهذا مما جعل احمد اكثر ارتياحا 0
اخذ احمد بعد ذلك يراقب عمه سعد في ادارة المحل ويشاهد كيفية البيع والشراء ومايسجله صاحب المتجر من ديون له او عليه – يراقب كل ذلك وعيناه يشع منهما الرغبة في فهم كل شئ وبأسرع وقت ممكن 0
جاء ابوه مساء ليعيده للبيت وعندما همّ بالخروج دس في يده العم سعد بعض الهللات واعطى ابوه كيسا متوسط الحجم لم يقبله ابو احمد الا بعد الأيمان المغلظة من العم سعد ... كان ابو احمد رجلا حييا وعفيفا قابله كرم من العم سعد وعطفا زائدا عليهما 0
وصلا البيت مع حلول وقت المغرب وكانت الام والبقية ينتظرون عودة احمد الذي غادرهم صباحا ولم يعرفوا كيف قضى يومه 0
ركض احمد الى امه يقبل يديها ويناولها القروش البسيطه التي اعطاه اياها العم سعد وبدأ يسرد لهم احداث ذلك اليوم المميز في حياته – وبينما كان مسترسلا في روايته لم يقطع حديثه سوى نداء ابيه له ........
( يتبع .........)