فمن هو " أبو مخنف " ؟
هو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الغامدي الأزدي من سكان الكوفة و من بيوت رئاسة الأزد وقد كف بصره عن كبر و له أشعار توفي سنة 157 هـ , بلا مبالغة كان أبومخنف أول مؤرخ -بالمعنى الاحترافي - في تاريخ الإسلام فلو كنت أبيح لنفسي التشبية لقلت (هو في التاريخ كالمهلل في الشعر و كمالك أبن أنس في الحديث ) و التغير الذي أحدثه كان مفصلياً و جذرياً ,فقبل أبو مخنف كان التاريخ مجرد مرويات شعبية تتناقلها الألسن خاضعة لهوى الراوي لا تعرف منها ما هو الحقيقي و ما هو المنحول ؛ و أسلوبه في ذلك أنه كان يطوف على الأحياء و يتسقط الأخبار من الرواة و من ثم يجمعها و ينقحها و يصيغها بشكل قصصي و تسلسل تاريخي في كراريس تختص كل منها بحدث بحد ذاته. لقد أنقذ أبومخنف الكثير الأحداث التاريخية من الضياع و أعطى لمن جاء بعده من المؤرخين ذخيرة ضخمة ومادة اللاحقين كالطبري و أبن كثير و الذهبي. من كتبه المحفوظة أو المنشورة كاملة أو ضمناً ببطون الكتب:
كتاب فتوح الشام.
كتاب فتوح العراق .
كتاب الشورى ومقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه .
كتاب الجمل .
كتاب صفين .
كتاب النهروان .
كتاب مقتل على كرم الله وجهه .
كتاب أخبار زياد إبن أبية .
كتاب مقتل حجر بن عدي *
كتاب مقتل محمد بن أبي بكر والأشتر النخعي .**
كتاب مقتل الحسين بن علي عليهما السلام .
كتاب المختار بن أبي عبيد الثقفي*** .
كتاب أخبار الحجاج .
كتاب وفاة معاوية .
وله كتب غيرها في التاريخ و تراجم الرجال ذكرها إبن النديم في الفهرست لم استطيع الوقف عليها . ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أهمية هذا العمل في المئة الثانية من الإسلام .
مع نقاد أبومخنف .
و أبو مخنف و متهموه كثيرون و بأسبابهم الأيدلوجية و الطائفية فالبعض يعتبره "قاص" ! هكذا .و هذا تجني كبير في حقه فالقصاصين معروفة أساليبهم و سجوعهم و مبالغاتهم و كذبهم و مغلاتهم الغير معقولة في الأشخاص - عنترة بن شداد الذي يقتل ألف عن يمينه و ألف عن شماله و هلم جرا و لا ننسى أبو زيد الهلالي - فأبومخنف سليمٌ تمام السلامة من هذه التهمة و القول بأنه قاص يساوي القول بان المتنبي شاعر قلطة -– مع كامل الاحترام لهؤلاء - و هو في الآخر قول سخيف لا يلتف إليه.
و أبن كثير نقل كثيراً من الإسرائيليات في الملاحم وو الطبري نقل تاريخ الفرس من مرويات شعبية لا تمت لتاريخ فارس بصله و الدينوري و السيوطي نقلوا أشياء عجيبة و مع ذلك فلم تسقط شخصياتهم الاعتبارية كمؤرخين, فالسيوطي مثلا يذكر في تاريخ الخلفاء بان يوم مقتل الحسين لم يرفع حجر من الأرض إلا وجد تحته دماً عبيطاً و غير ذلك من المبالغات التي لا نجدها لأبومخنف بل أن مروياته لم تكن في حده رويات اليعقوبي حينما نقل لنا أحداث الشورى و السقيفة . و عندما نقل عنه الطبري في مقتل الحسين فإننا نجد الإسهاب و التفصيل في ذكر الحدث بدون تشنيعات غبية و مخارق الأمور من كسوف الشمس و انقلاب تراب كربلاء إلى دم و خروج الأسود للدفاع عن جثه الحسين -– رضي الله عنه - مما قد نجدها عن البعض ممن يحسبون على السنة المتأخرين.
أبومخنف و التشيع .
و يذكر أن كتاب مقتل الحسين كان يروى في الحسينيات في عاشوراء , و لعل هذا كان منبع التحرج و لكن ما ذنب أبو مخنف في ذلك فهل هو الخوف من تهمة "التشيع" فلا يقال أبومخنف الأزدي و لا الغامدي و إنما أبومخنف شيعي محروق!.
فهل كل من ذكر أخبار على أبن أبى طالب صار متهماً في مذهبه ؟؟ و هل نبطل أحاديث الفئة الباغية خوفا من التشيع و هل نقدر على وصف أشخاص كأبي موسى الأشعري و عمار ابن ياسر بأنهم شيعة ؟
لا بد أن ننظر لهذا الموضوع بعين الإنصاف و العقل فالتشيع كمذهب ديني لم يكن موجوداً في تلك الفترة التي عاشها أبومخنف في المائة الثانية . و الرجل لم يعدم ممن ينصفونه فيذكر ابن أبي الحديد في كتابة (شرح النهج ) : ( وأبو مخنف من المحدثين ، وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار ، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها ) فالرجل طلع "ديمقراطي !" إن كان له تهمة , فبحسب ابن أبي حديد فهو لا يرى حق الإمامة القرشية أو أن تكون في ذرية على كرم الله وجه .
لماذا الإكثار من أخبار على أبن أبي طالب ؟
كما ذكرنا أنه كان من سكان الكوفة و من بيوت رئاسة الأزد و عائلة معروفة و الكوفة مقر دولة و حزب على أبن أبي طالب السياسي و معقله الحصين وهذا الذي دفع الحسين للسفر إليها ظنا منه أنهم ينصرونه مخالفا نصيحة أبن عمر فقتل في الطريق يرحمه الله و جمعنا به.
في الكوفة كانت حياة علي و الحسن و الحسين و حروب الفتنه و ما تلاها محور أحاديث أهلها و كل شيء حديث عهد بأيامها و مصارع العديد من القوم فيها كحجر بن عدي و المختار و إبراهيم بن الأشتر و عبيدالله بن زياد بن أبيه فقد كانت مسرحاً حافلا بالأحداث في تلك الفترة . و الرجل يتسقط أخباره من أهل الكوفة و هو أبن بيئته في زمن لم تكن فيه وسائل الاتصالات فلا بد أن نجد ذلك النفس في مواضيع أبومخنف و أزعم بأنه لو كان بالشام لكانت أحاديث بني أميه موضوعه فشغفه بالتاريخ نفسي و مادته من بيئته.
نظرة أخيرة و تأمل .
أخيراً لا أرى إلا أن الرجل كان منصف و له فضل عظيم على تاريخنا كعرب و مسلمين لا ينكره إلا جاحد .رحمك الله يا أبومخنف و ما أحوجنا إلى أبومخنف جديد يجمع لنا من مروياتنا و مخطوطاتنا و يكتب لنا تاريخ المنطقة الذي لا يزال يعد أرض خصبة للبحث و التحري و التوثيق . و من هنا تسميت بهذا الاسم أملا في أن أضيف لتاريخ هذا الجزء الغالي من وطننا الكبير حبا له و كرامة و حتى أسد بمكاني في مسيرة ملحمة التطور و التنمية و الوحدة لا حرمنا الله منها لا مفاخراً و لا متعصباً و راغباً في كسر ذلك التصور البغيض بأن جزيرتنا العربية انتهى تاريخها بخروج جيوش الفاتحين إلى العراق و الشام , بل نحن شعب شديد الحراك له تراكماته الأيدلوجية و فلسفته الاجتماعية و التنموية .
حواشي :
* حجر بن عدي من الموالين لعلي كرم الله وجهه قتله زياد أبن إبيه و قيل لم تزل العرب تقتل صبراً منذ حجر بن عدي .
** ولاة على كرم الله وجه على مصر فكان محمد بن إبي بكر حتى مقتله ثم أرسل علي الأشتر النخعي فمات في الطريق و قيل مسموماً .
*** أدعي النبوة و أن الله يكلمه و سعى للانتقام من قتله الحسين و قد أخبر الرسول الكريم عنه في أحد الآثار عنه و الله أعلم .
منقووووووووووول