بسم الله الرحمن الرحيم
المصنعة يوم فلت ضفائرها !
حبيبتي المصنعة , أضحت قرية من الماضي , فلت ظفائرها ذات يوم , فرحاً بنزول المطر , وقبل أن تمتشط , انقشعت الغيوم , ولأنها عفيفة غدت تتدثر على عجل برداء حيك , في مكان آخر , مكان مجهول , خيوطه مستورده , وإبرته مسروقه !
كانت بيوت أهلها متلاصقة , كأمشاج القلب , في نياطه إيمان عميق بخالق الكون العظيم , وفي غرفه يرفل أهلها ويزرعون ما يحصدون , من نبيل الأخلاق , وشد الأزر , في كل حين .
وشيئاً فشيئاً تساقط رجالها المؤسسون لحصونها ، وحدود مدرجاتها ، ومطالع شعابها , وهم المترعون بحبها , كما تساقطت أوراق خريفهم المسكون بتقلبات الأيام ومداولتها بين الناس .
وما آن تباعدت أيام الحصاد , وتناثرت أكياس الحنطة والدخن والذرة على قارعة العام , بدأت تغادر النهسان أغصان الفركس , والصعو ثمر الرمان , واهتزت أشجار المشمس والتفاح كمداً , وعلى الأثر لحقت بها شجيرات الليمون ، وتهاوت إلى الأرض عناقيد العنب , وغارت مياه آبارها قرفاً من النكران !
ومع ذلك يبدو أنها كانت أرحم بنا منّا بها , فهي لم تلطم خدودها ، أو تشق جيب حيائها , أو تهيل التراب على قبرها , فقط توارت بين ما تبقى منها , ولم تستسلم لتلك المحاولات التي تزعم استعادتها , فما يحدث لا يغريها , ولا تعده من موروث أهلها , ولا يليق بأحفادها !
قطعاً لست بطماع فبعض آملي أن أجد شيئاً من ضفائرها , أدسها تحت حجر من حصونها ، وإذا منعوني أدفنه في أحد سندانها , أو أعرضها على طلاب مدرستها ليشاهدوا لونها الفريد , أو حفيداتها ليرين كيف كانت تغزل ضفائرها على وضمة من شعاع الشمس , وعلى شفتيها مسحة من شفق غروبها النادر الوجود .
ولأنها قرية أضحت من الماضي التليد , سكنت الذكريات العذاب , فالحاضر ينذر بما هو أكثر من تغيير أسمها ، ورسمها .
وإذا تريدون نصيحتي , دعوها تغيب بسلام , ولا تزيدوا أوجاعها بما لم تقدروا عليه , حتى ترضاه هي !
23/10/1429هـ
( مع التحية للعزيز أبو طلال ... ونسخة مع التحية لبقية الأعضاء من معلقين أو مشاهدين ) .