بسم الله الرحمن الرحيم
بنات الليل !
كثيراً ما تنتهي المواجهة بين المبدع والمتلقي بالنطق بالحكم على النص وصاحبه من أول جلسه , وأي نفع يُرتجى بعد ذلك , فكم من مواهب وئدت , وأفكار ذهبت بأصحابها إلى حيث لارجعه , عطفاً على تلك الأحكام المسبقة الغير قابلة للاستئناف !
في البدء ... ليس بالضرورة أن يكون المبدع ذا مفردة لغوية متميزة أو مكانة اجتماعية تقف وراءه كظله أو ... ؛ لكي يتناقل الناس اسمه ووسمه , وإن بدت لنا مثل تلك الأسباب واقعاً ملموساً , بقدر ما أن يكون ذا حظ كبير , وحدس التقطته رغبة الناشر على محمل الجد , بما أن الساحة أضحت تعاني من فراغ خلفه سوط المنع والتكريس لمبدأ عطاءنا صواب لا يحتمل الخطأ ، وعطاء غيرنا خطأ لا يحتمل الصواب !
ولكي نقترب من الصورة أكثر ... على افتراض أنني كتبت رواية أو قصة أو قصيدة أو مقالة تتناول (بنات الليل) مثلاً , كل العيون المتلقية والمتتبعة والمتشفية والمتملقة سترمق ماوجدت من باب العنوان أولاً وثانياً وأخيراً ، يصاحب ذلك هجوم متخف يمتطي صهوة النقد تارة , والانتقاد والتقزيم والتهميش تارة أخرى , إضافة إلى تهرّب من يزعمون النقد الأدبي أو الفني عن تناول ما كتبت ؛ لكي لا أنال ولو بعض الضوء الفكري والإعلامي , فأنا رجل مبدع يُخشى بروزه على الساحة , ناهيك عن أسئلة تندلق من هنا وهناك , تأتي على النحو التالي :
- أي شخصية من بنات ليلك الحالك السواد أقربهن إليك ؟
- عملك (سعودة) لعمل فلان ابن علان من بلاد الأسئلة السبعة , أليس كذلك ؟
- يبدو أن لك تجارب سابقة دفعت بك للكتابة عن بنات الليل من حيث تركت أولاد الشوارع , فلماذا بنات الليل تحديداً وليس بنات الأفكار ... أو بنات ابن أوى ؟!
- في عملك اسقاطات متعددة , فالإرهابي لايتعامل مع بنات الليل وأنت جعلت من أحدهم اضحوكة في طريق إحداهن , فأي إسقاط تمارسه هنا ؟
- ألا تعتقد أن تناولك للمرأة بهذا الشكل قد أكسبك مزيداً من الضوء ؟
- ماقمت به عمل رائع ويقع من بنات الليل والنهار , وتنشر الصحافة الكثير من الأخبار ذات الصلة بالمرأة , بعضها إنجازات تحسب عليها , ولكن من كاتب النص الحقيقي ؟
- من يقرأ العنوان يعتقد أنك أتيت بما لم يأت به الأوائل . بل إن في ذلك تجنٍ واضح على المرأة , ربما أوصد الباب في وجه من يتأمل فيها خيراً , أليس كذلك ؟
وهكذا تدور الأفكار أو بعضها في الرؤوس , إلى أن تهدأ الحملات المتبادلة , وقد لا نخرج من كل ذلك بأكثر من التلاسن المكتوب أو المنطوق حول كاتب ذنبه أنه مبدع , ومجتمع يُحاكِم لأن مبدعنا أحد أفراده المجترئين على عاداته وتقاليده !!!
إلى هنا وكل ذلك وأكثر مقبول ويقع ولن يتوقف , وحال المبدع والمتلقي الواعي في تصادم دايم بشرط أن لاينال أحدهما من الآخر , تحت أي ذريعة إلا بالحق .
(أعيدت صياغته في 4/11/1429هـ)