رزق المال
الرزق كما عرفه بن منظور : هو" ما تقوم به حياة كل كائن حي ماديا أو معنويا "
ليس الرزق رزق المال فقط بل إن كل نعمة انعم الله بها على العباد من صحة وعافية ونصر وغير ذلك من النعم رزق قال تعالى: ( وما بكم من نعمة فمن الله ) سورة النحل: (53 ) . إلاّ إن المال أصبح الشغل الشاغل الوحيد لبال الكثير فأخذ وا يعملون صباحا ومساء بل البعض لا يعود إلى بيته إلا بعد منتصف الليل يشكو التعب والملل والإرهاق وباله في قلقل وقد يترك الكثير من الواجبات سعيا وراء تحصيل المال فمن كان له ألف تمنى ألفين وهكذا.... قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب و يتوب الله على من تاب " .
وقد سقط ضعاف الإيمان في الغش والسرقة والرشوة والمكاسب المحرمة وما علموا أن الرزق كالموت. ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الجنين في بطن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر بعث الله إليه ملكاً ينفخ فيه الروح ويكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد وقال رسول صلى الله عليه وسلم : " إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته " وقال ـ صلى الله عليه وآله وسلم " لو أن ابن آدم يهرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه أجله ".
وفي القرآن الكريم عدد الآيات التي ذُكر فيها الرزق يزيد على مائتي آية ، وكلّها تؤكد حقائق ثابتة مؤدّاها: أن الرزق من عند الله تعالى وحده ، وهو مالك أسبابه لا شريك له في ذلك ، قال الله تعالى : ( وما خلقت الجن ولأنس إلا ليعبدون* ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون* إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) سورة الذاريات : (56-58) . قال شيخ الإسلام بن تيمة رحمه الله : " إنما خلق الله الخلق ليعبدوه ، وإنما خلق الزرق لهم ليستعينوا به على عبادته " وقال جل ذكره : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ) سورة النحل:) 72). وقال سبحانه: ( وكائن من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ) سورة العنكبوت: (60) .
ومن لوازم مقتضيات الإيمان بالقضاء والقدر في عقيدة الإسلام بأن كل خير وكل رزق يقدره الله للعبد، لا يمكن أن يصيب غيره ، ولا علاقة له بالعقل والذكاء، قال الله تعالى: ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) سورة هود: (6) .
قال بن القيم الجو زيه ـ رحمه الله ـ في كتابه المفيد ـ الفوائد ـ " تأمل حال الجنين يأتيه غذاؤه وهو الدم من طريق واحدة وهو السرة ، فلما خرج من بطن الأم وانقطعت الطريق فتح له طريقين اثنين وأجرى له فيهما رزقاً أطيب وألذ من الأول وانقطعت تلك الطريق فإذا تمت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام فتح طرقاً أربعة أكمل منها : طعامان و شرابان ، فالطعامان من الحيوان والنبات، و الشرابان من المياه والألبان وما يضاف إليهما من المنافع والملاذ فإذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة، لكنه سبحانه فتح له -إن كان سعيداً- طرقاً ثمانية، وهي أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء. فهكذا الرب سبحانه لا يمنع عبده المؤمن شيئاً من الدنيا إلا ويؤتيه أفضل منه وأنفع له".
وقدأمر جل شأنه عباده المؤمنين بطلب الرزق عنده فقال: ( فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ) سورة العنكبوت:(17) وقال تعالى : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) سورة الملك: (15) .
فعلى المسلم أن يتوكل على الله ويفعل الأسباب المتاحة ولا يقل : إن الرزق مكتوب ومحدد ولن أفعل الأسباب التي توصل إليه فإن هذا من العجز. والكياسة والحزم أن يسعى لما ينفعه في دينه ودنياه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني "، ومن الأسباب :
• تقوى الله عز وجل كما قال تعالى : ( ومن يتق الله يجعله مخرجا* ويرزقه من حيث لا يحتسب) سورة الطلاق: (2¬- 3 ) . وحقيقة التقوى كما قال بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ " أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر" .
• التوبة والاستغفار في أي وقت وفي كل مكان ، وعلى كل حال: قال تعالى : ( وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا ) سورة الجن: (16) ، وقال تعالى: ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفار* يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) سور نوح: (10ـ11) وقال صلى الله عليه وسلم : " من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب , وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقول في المجلس الواحد : "اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم ، حتى يعد العاد بيده مائة مرة " .
• صلة الرحم: والمقصود بالرحم الأقارب ، وهم كل من له رابطة نسب من جهة الولادة سواءً كان ذلك من طريق الأب أو الأم , قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " وقال صلى الله عليه وسلم" الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله " وهي شعار ألإيمان تجلب الزيادة في الرزق والبركة في العمر وتمنع ميتة السؤ وتؤلف بين القلوب , وتكون الصلة بزيارة القريب وهديته وتوقير الكبير وعيادة المريض وتتبع الجنازة و الإحسان للفقير وغير ذلك من أوجه الصلة المتعددة .
• الإنفاق في سبيل الله: قال تعالى : ( وما أنفقتم من شيئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين ) سورة سبا : (39)، قال بن كثير ـ رحمه الله ـ أي : مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم ، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل ، وفي الآخرة بالجزاء والثواب ،
• المتابعة بين الحج والعمرة : إبعادٌ للفقر وتكفيٌر للذنوب ، كما دل على ذلك أحاديث منها: قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " تابعوا بين الحج والعمرة ، فإن متابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ".
• الدعاء : قال صلى الله علية وسلم : "إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرأُ خائبتين" وكان صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى " ويقول : "اللهم إني اعو ذبك من غلبة الدين وقهر الرجال " و يقول : " اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك
• الرضا والقناعة: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " ليس الغنى عن كثرة العرض ، وإنما الغنى غنى النفس ". و قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ" من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) . وقال المناوي رحمه الله :" يعني : من جمع الله له بين عافية بدنه ، وأمن قلبه حيث توجه ، وكفاف عيشه بقوت يومه ، وسلامة أهله ، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها ، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها ، بأن يصرفها في طاعة المنعم ، لا في معصية ، ولا يفتر عن ذكره . قال نفطويه :
إذا ما كساك الدهرُ ثوبَ مصحَّةٍ * ولم يخل من قوت يُحَلَّى ويَعذُب
فلا تغبطنّ المترَفين فإنه * على حسب ما يعطيهم الدهر يسلب
• قيد النعم بالشكر: أن يكون باللسان والقلب والجوارح و يعلم الإنسان يقيناً أن النعم إذا شُكرت قرت وزادت ، وإذا كفرت فرت وزالت ، قال تعالى) وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ( سورة إبراهيم : (7) ، فمتى أراد العبد دوام النعم وزيادتها فليلزم الشكر . وبدونه لا تدوم نعمة . قال تعالى ) : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) سورة التكاثر : (8)، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : " أي : ثم لتسألن يومئذٍ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ماذا قابلتم به نعمه من شكر وعبادة"
اللهم إنا نسألك العون على شكر نعمك و نفوسا مطمئنه تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك، وأكفنا بحلالك عن حرامك و أغننا بفضلك عمن سواك، اللهم أعطنا من الدنيا ما تقينا به فتنتها وتغنينا به عن أهلها ويكون بلاغا لنا إلي ما هو خير منها فإنه لا حول و لا قوة إلا بك وأنت على كل شيء قدير, وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
كتبه عبد الهادي بن عبد الوهاب المنصوري
جدة10/4/1431