"الزواج بالتقسيط"..
الشباب يواجهون البطالة بمهر مؤجَّل والفتيات يقبلن هرباً من "العنوسة"
"زواج بالتقسيط".. صدق أو لا تصدق، فهذا ليس مجرد إعلان جديد لجذب الانتباه، ولكنه حقيقة واقعة، بل هو أحدث صيحة في عالم الزواج، وإذا كان غلاء المهور هو"المتهم الرئيس" في هذه القضية الخطيرة، فإن ارتفاع معدلات العنوسة التي تجاوزت المليون ونصف المليون عانس، تعد المتهم الثاني في القضية.
بيد أن المحزن في الأمر برمته هو أن هذا المشروع المستحدث حوَّل المرأة إلى مجرد "سلعة" مثل السيارة والمنزل وغيرهما، لقد فاجأنا أحدهم عندما باغتنا بقوله، بل الأطفال أيضا بالتقسيط، مضيفاً أنه وافق على عرض والد العروس بتقسيط المهر كحلٍّ يسمح له بإكمال نصف دينه، إلا أن ما ظهر وكأنه حل تحول إلى مشكلة، بل أزمة.. كيف؟
يجيب محدثنا الذي اكتفى بالرمز إليه بحرفي "أ .ع": "والد الزوجة رفض إضافتها في كارت العائلة الخاص بي، إلا بعد استيفاء آخر أقساط المهر، خاصة أنني تخلفت عن سداد الأقساط البالغة ألف ريال شهرياً منذ فترة؛ بسبب أعباء الالتزامات الأسرية لعائلة تتكون من خمسة أشخاص بينهم ثلاثة أطفال لم يتم تسجيلهم رسمياً حتى الآن؛ بسبب عدم إضافة والدتهم إلى كارت العائلة.
وفي محاولة للتعرف على مواقف المختصين حول هذا الموضوع رصدت "سبق" هذه الآراء.
اعتداء على المرأة
في البداية أوضحت الناشطة الحقوقية سهيلة زين العابدين أن أسباب العنوسة ليست في غلاء المهور كما يرى البعض، معتبرة أن أسباب العنوسة تعود إلى القبلية الموجودة عند البعض، والعضل، والميراث، ومشاكل أخرى ليس منها المهور.
ورفضت فكرة تقسيط مهر المرأة التي ترغب في الزواج من قبل وليها أو زوجها؛ لأنه ليس من حق الآباء أن يبخسوا بمهر بناتهن لقوله تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحله"؛ فلا بد أن توافق المرأة على ذلك.
وأشارت إلى أن كل الحلول المطروحة تمثل دائماً اعتداءً على حقوق المرأة، وقالت كيف لرجل غير قادر على دفع المهر أن يتحمل مسؤولية منزل وأسرة بأكملها، مستشهدة بالحديث: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن من لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".
وأعربت زين العابدين عن أسفها في ما يقوم به القضاة من إسقاط حق المرأة في الطلاق، وبات الحل هو أن ترد إليه مهره أي تخلعه، فكيف إذا كان حال المهر مقسطاً، وتساءلت لماذا يصبح تخفيف المسؤوليات عن الرجل على حساب المرأة؟ أليس هذا ظلماً حتى حقها الذي كفله لها الشرع أرادوا تقسيطه كقطعة أساس أو سيارة؟ بل وقتها ستكون الأولوية للسيارة وليس لمهر الزوجة المقسط.
وحول إمكانية تحديد المهر حتى لا تغالي بعض الأسر، قالت زين العابدين إنه لا يوجد تحديد للمهور في الإسلام، وعندما قرر سيدنا عمر رضي الله عنه تحديد المهر جاءت إليه امرأة قرشية وذكرته بقولة تعالى: "... وآتيتم إحداهن قنطاراً" فقام عمر وقال أخطأ عمر وأصابت امرأة.
إهانة الحياة الزوجية
ورأت أستاذة الثقافة الإسلامية بدار الحكمة الدكتورة اعتدال محمد أن فكرة تقسيط المهر غير مستساغة داخل مجتمعنا؛ فالمرأة السعودية خجولة وتحس بحرج في طلب حقها؛ لأنها تربت وتعودت على ذلك، ومن ثم فإن تقسيط مهر الزوجة يعد إهانة للحياة للزوجية، والأفضل هو تقليل المهور وعدم المبالغة فيها؛ حتى يستطيع الشاب أن يقوم بتكوين أسرة.
تمييع القضية
أما الكاتبة الدكتورة هتون الفاسي فرأت أن الموضوع أبعد بكثير من المهر، فالمهر مقدور عليه ويمكن أن تقوم العائلة بدفعه دون تقسيط أو غيره، ولكن القضية لا بد أن تتناول بشكل أبعد من ذلك، معتبرة أن حصر العنوسة في زيادة المهور وإمكانية تقسيطها ما هو إلا تمييع للقضية ذاتها. وقالت: "نحن أمام حقيقة تقول إن هناك أزمة بطالة غير منطقية في دولة يوجد بها نمو اقتصادي جيد، ومن ثم فإن هناك تناقضاً ملحوظاً غير مبرر، تلك هي المشكلة لأكثر من نصف مليون عاطل لا يستطيعون تحمل أعباء الزواج وليس المهر".
على دفعتين
من جهته قال الشيخ محمد العمري "إمام مسجد ومأذون شرعي" إن طريقة دفع المهر في الإسلام إما عاجلاً أو آجلاً، مشيراً إلى أن الأساس هو أن يدفع الرجل المهر كاملاً، بيد أنه جائز شرعاً أن يؤجل جزءاً منه، ولكن ينبغي أن توضح جميع التفصيلات ووقت الدفع داخل عقد الزواج المكتوب، ويجب على المأذون أن يوضح الشروط المتفق عليها باستفاضة حتى لا يضيع حق الزوجة.
وأضاف أنه في ظل ارتفاع المهور في الثلاثين سنه الماضية، باتت هناك صعوبة عند البعض في دفع المهر عاجلاً، ويجب أن يخضع الموضوع للعرف بالنسبة للفتاة أو ما يعرف بـ"مهر المثل"، على ألا تكون الزيادة لمجرد التباهي والترف، مشيراً إلى الحديث الشريف "أكثر النساء بركة أقلهن مهراً".
وحث العمري الجميع على مراعاة الظروف الاقتصادية التي يمر بها الرجل وارتفاع الأسعار الذي جعل من الضروريات عدم غلاء المهور.
وحول تقسيط المهور، أكد أن أي شيء لا يخالف الشرع فهو جائز، بيد أن هناك رجالاً يوفون بالوعد ورجالاً أكثر لا يوفون؛ لذا أرى أن دفع المهر مقدماً هو الأفضل لإغلاق باب الخلاف، مشيراً إلى أنه قد مر عليه العديد من الحالات التي فيها تقسيط للمرأة، وغالباً ما يكون على دفعتين. واختتم حديثه بنصح المتزوجين بأن يتم دفع المهر على دفعتين قبل الدخول بالزوجة، وفي حالة نشوب أي خلاف بين الطرفين؛ فالقاضي يكون ملزماً بما كتبه المأذون في العقد.