الأم تسبب مرض الأطفال
د . موفق العيـثان
أم زهراء تسكن مع زوجها وأطفالهما بعيدا عن جدة.. كانت بها بدانة ولكن صحتها عموما جيدة. الزوج بصحة جيدة أيضا ووضعه مريح لكنه مشغول بعمله كثيرا جدا. أما الأطفال فلا يشكون صحيا إلا أصغرهم زاهي الذي عانى من مشكلة في النمو وتحسن منها بعد علاجات متعددة.
أم زهراء وخلال العامين الأخيرين كانت تتردد بابنها على المستشفى من أجل الفحص والتشخيص.. فكل أسبوع أو أسبوعين تسافر - أعانها الله - من أجل هذا الغرض. وضعه الآن متحسن ومستقر جدا بفضل الله......لكن الام " تعلمت " سلوك الزيارات والمراجعات بلا انقطاع. تطلب الأم من العياديين والمهنيين بكافة التخصصات الفحص هنا وهناك والتأكد من مشكلة زاهي هذه أو تلك.
بعد أن أنهت كل الجوانب الجسدية اتجهت للنواحي النفسية. فبدأت تشك بأن ابنها يعاني من مشكلات في القدرات وهو بحاجة لاختبارات الذكاء....وهكذا تم تحويلها لعيادتي لإجراء الفحوصات والاختبارات النفسية ومعرفة درجة ذكاء زاهي وهل سيعاني في المدرسة ام لا!!!
زاهي عمره 7 سنوات ومر بخبرات علاجية متعددة وكثيرة لكنها لم تؤثر على قدراته النفسية ولا العقلية- ذكاؤه وذاكرته ولغته بحالة جيدة لا تسبب القلق عادة.
بعد أكثر من جلستين تبين أن الأم لم تكتف بهذه الفحوصات بل تريد المزيد. وبعد التعمق اتضح أن الأم تعاني من مشكلات نفسية ومنها مشكلتها مع زوجها الشديد في التعامل معها. كما تبين أنها تجد أمراضا وعللا لأطفاله بلا توقف ولا تحفظ. وتبحث عن كل صغيرة وكبيرة لكي تجد مشكلة جسدية لأطفالها.
في آخر جلسة أتت بابنتها التي تدرس بالثانوية لتخبرني بأن لديها مشكلة في الكتابة وطلبت مني علاج هذه المشكلة. وعند التقصي وجدت أن الفتاة متفوقة في المدرسة ولا تشكو هي من مشكلة لا في الكتابة ولا غيرها. وكذلك شكوى أم زهراء من ابنها الثاني الذي لا يترك التلفزيون ولا يدرس........فهل من علاج سلوكي له.
المشكلة الكبيرة التي لا تستطيع تناولها أنها لا يمكن أن تتحدث مع زوجها عن إهماله لها وعن انغماسه بالعمل....كلما حاولت في الماضي كلما سبب ذلك مزيداً من هروب الزوج وتعنيفه إياها. لكنها وجدت بالصدفة إن اهتمام المهنيين بالمستشفيات بها وبابنها زاهي تعويضا نفسيا لا يمكن أن تحلم به- من وجهة نظرها طبعا....خصوصا إذا عرفنا أنها تعاني الوحدة النفسية ولا يوجد لها أقارب أو أصدقاء لأسباب اجتماعية معينة. لقد وجدت أم زهراء الألفة والاهتمام من غير أن تخطط هي لذلك- هكذا الوضع النفسي الذي وجدت نفسها فيه.
هناك حالات نفسية معقدة أكثر من هذه تقوم فيها الأم بتمريض طفلها بنفسها بدلا من أن تذهب به إلى المستشفى من أجل الفحص والعلاج... وأحيانا حتى العمليات الجراحية للأطفال. هذه الحالات أكثر صعوبة وخطورة على الأطفال، لكن حالة أم زهراء أقل خطرا ولكنها تؤثر سلبا على الصحة النفسية لها وللأطفال وللأسرة بشكل عام. فغيابها عن بيتها كثيرا واهتمامها بالأمور التي يمكن التكيف معها هي إحدى السلبيات التي تقدمها لأسرتها ، على الرغم من أن الزوج يتحمل أيضا المسؤولية.
الفحوصات الكثيرة والعلاجات المتعددة وغير المستمرة تسبب هدرا في الطاقات والأموال العامة.. فمن الشائع عندنا أن نقوم بكثير من الفحوصات المتكررة في أماكن متعددة للتأكد- من غير سبب منطقي أو صحي.
كان العمل بعدئذ مع السيدة التي تعاني مزيدا من الغربة والوحدة هو الاهتمام بالأولويات والتأكد من الحاجة الواضحة للفحوصات قبل الإقدام عليها. ثم يتم تناول المشكلة التي تعاني منها من وجهة نظرها لتفهم الأسباب وتخفيف الأثمان المدفوعة- نفسيا وجسديا- بسبب عدم مواجهتها للمشكلة مع نفسها ومع زوجها. حاجتها النفسية للتواصل مع العالم والاهتمام بها جعلها تتعلم بصورة لا واعية أن الزيارات المتكررة للعيادات والمستشفيات فيها ما يروي عطشها لهذه الحاجة النفسية. سلوكنا كثيرا ما تفسره الحاجة النفسية وإن لم نقتنع به.
الاهتمام بالفرد وحاجاته وخصوصياته في التقييم والتشخيص النفسي مهم جدا لتجنب أخطاء هدر الطاقة والأموال وتضييع وقت المراجع وأسرته.
سؤال وجواب:
"ولدي عمره 12 سنة وبدأ يتغير في السلوك. بدأ فجأة يهتم بالناس خارج البيت ويتكلم عنهم بدرجة مملة وكأنهم فقط هم الموجودون بالدنيا ويزعلني كلامه,... رغم أني قريب منه وأقضي وقتا معه. هل في مشكلة في ولدي ؟؟ وكيف أعالجه"؟
- محمد زهران- الرياض
جواب:
"أعتقد أن هناك أفرادا آخرين بالأسرة وعلاقات ولدك بالآخرين جيدة. كما أفترض أن صحة أبنك بخير والحمد لله. ولنفهم السلوك يجب أن نضعه في السياق الذي يحدث فيه. فإن صدر منك هذا السلوك الآن فقد يكون هناك مشكلة نفسية.. لكنه عندما يصدر من فتى في بداية المراهقة- المراهقة في عصرنا تبدأ مبكرا- فإن الأمر لا يعني بالضرورة مشكلة كبيرة. فهذا السلوك الذي تلاحظه على ابنك إن كان لا يؤثر عليه سلبا من ناحية الصحة والسلامة والمدرسة.. فلا تقلق عليه. فاهتمام المراهق بخارج البيت جزء من نموه...لأنه يجد نفسه مستقلا ومساويا لأقرانه عكس البيت- حيث يجد نفسه تابعا وأقل من الآخرين.بمزيد من الدعم وزرع الثقة والتواجد النفسي مع ابنك فإن المرحلة ستمر بسلام بإذن الله".
__________________
أناَ ليْ قلبُ ماَيحُــقـَـدْ.., ولاَيحُسَد.., ولاَ
يغَـــتُـــاَبـ ..
لإنْ النَاسْ مَن تُخطيْ لهاَ رب يجُاَزيـــٌــهـاَ..
ولاَ اندُمْ علَىْ البَايـُعْ ولاَ احُــزَنْ عـُـلىْ اللَعــُـاَبـ ..
وناَس ٍ ماَتقُـــدرَنيْ
أطنَــشُهاَ..واجُاَفيـهُـــــُـاَ }..