07-26-2010, 03:07 PM | #1 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
روحها الموشومة به..( روآية)
__________________
|
07-27-2010, 12:53 PM | #2 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
__________________
|
07-28-2010, 04:49 PM | #3 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
__________________
|
07-31-2010, 07:35 AM | #4 |
كاتب ذهبي
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 135
|
روآيه في قمـة الـروعـه...
__________________
|
08-02-2010, 02:10 PM | #5 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
__________________
|
08-02-2010, 02:11 PM | #6 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
__________________
|
08-02-2010, 02:12 PM | #7 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
__________________
|
08-02-2010, 02:13 PM | #8 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
__________________
|
08-02-2010, 02:16 PM | #9 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
__________________
|
08-02-2010, 02:17 PM | #10 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
حصلت تطورات في حكاية صاحبتنا هدى .. هدى الاسم الحركي لرجل لا لامرأة ، قالته علياء ذات يوم والتصق بصاحبه ، كانت للمرة الأولى تحكي لي عن خال صديقتها الذي يود الارتباط بها ، ثم اتفقنا أن تكمل الحكاية لي على الهاتف . في الليل وأثناء المكالمة صارت تشير إليه بصيفة الغائب ففهمت أن هناك أحداً بجوارها وهي تكلمني ، آثرت أن أشاكسها فافتعلت غباء فريداً وأنا أسألها من تقصد حين تتكلم بشكل مبهم ؟ ( كانت تخبرني أنه في الديرة بعد غيبة ست سنين ) وحين أرهقتها قالت : صاحبتنا هدى ، ساعتها ضحكت بقوة ، وغضبت هي ، لكننا صرنا دوماً حين نتحدث عنه ( بحضور أحد أو وحدنا ) نتحدث عن هدى . - بشري ماذا حصل ؟ - بنت أخته كلمتني اليوم ( وهي من فترة طويلة ما اتصلت ) سلَّمت وتكلمت في أمور عامة كثيرة ، وذكرت عرضاً أن خالها هنا ، ولم تنس سؤالي إن كنت قد تزوجت أو على وشك ذلك . - يريد أن يتقدم ، ويفضل أن يكون واثقاً قبل أن يفعلها ، هل يعني هذا أني سأراك زوجة قريباً ؟ - وسمية أشم في كلامك رائحة رضا بالموضوع ، وأعرفك دوماً ناقمة على مؤسسة الزواج !! - أنا أكره المرأة التي تتزوج فيمتص الرجل روحها ، أكره المرأة التي تصبح بعد الزواج شبح امرأة ، كائناً صالحاً للإنجاب والمعاشرة فقط ، ألا تلاحظين أن بريقاً في أعين بناتنا ينطفي بمجرد الزواج . - أنت قلتها من قبل ؛ الزواج عندهن هدف في حد ذاته فإذا تحقق صار من الصعب خلق واحد جديد . - وهذا ما يجعلني أنقم على الزواج ، ولكني أحسب أنك مختلفة حتى في هذا ، وأنك ستستطيعين أن تظلي كما أنت جميلة كيوم عرفتك ، بروح خضراء ، وقدرة على الحُلم . - إن شاء الله . لا أدري لم أحسست في كلمتها هذه شيئاً من خوف ، تجاهلته وباركت لها ، قالت : لم يحصل شيء بعد . - سيحصل غداً ، ألن يكون ردك الموافقة ؟ - لا أعرف ، ومع أني تحدثت معك طويلاً في الموضوع إلا أني لست واثقة من مشاعري تجاه هذا الرجل . - لكني واثقة من مشاعري أنا ، منذ المرة الأولى التي تحدثت فيها عنه كان واضحاً أنه يعني لك الكثير . - وسمية أنت تعرفين ..أنا أحببت فكرة أن رجلاً مشدود إلي ، وأنه ظل كل هذه السنوات ( كما تروي ابنة أخته ) ينتظر فرصة مناسبة ليتقدم لي ، لكن هل هذا كاف لأرتبط به ؟ أعرف أن كلامها وجيه جداً ، لذا تعقلت أكثر وأنا أقول : ألا تعرفين عنه شيئاً يجعلك تقررين بقناعة الموافقة أو..؟ - أعرف رقم جواله . تقولها وتضحك ، فأبادرها أنا : جميل جداً ، أعطني إياه لنتأكد من أخلاقه قبل كل شيء . - هل أنا مجنونة لأفعل ؟! ما زلت أذكر ما فعلت مع نواف ، ولن يكون هذا التالي . ----------------------------------------------------- - استرخي ثم عودي للخلف ..سيري رجوعاً لبيتكم القديم ..بحثاً عن البداية..بحثاً عن الأساس.. على أريكتها / في طريقي كانت صور كثيرة تصطف على الجانبين كلافتات إرشادية .. بعضٌ كثيرٌ من أخطاء أمي التي ظننتُ أني نسيتها : ضربها ، تفضيلها ريماً عليّ،كل كلمة قالتها لي في طفولتي فأوجعتني . أعود مروراً بحديقة البلدية فالسوق..عبر دهاليز حينا القديم وصولاً لبيتنا ، وكما أوصتْ الدكتورة أصغُرُ في كل خطوة . وصلتُ باب بيتنا الخشبي الكبير. استقبلتني نقوشه مهللة ، لكني فوجئتُ إذ لم أقف عنده..ركضتُ . تجاوزتُه ..ظننت أني سأذهب لبيت أخوالي لكني قبل منعطف المحكمة اتجهت يميناً في خط مستقيم حتى تراءت لي بيوت أعمام أمي . تطل من خلفها عمامة النخيل المسودّة .. وقفت مع صغارٍ مثلي نلعب . اثنتان من البنات تتحرشان بي ، تسبانني فأسبهما ..تضرباني و أحاول جهدي .. من وراء أحد الجدران تبزغ أمي يسبقها صغير ما أذكر شكله يشير لي بسبابته " ها هي " أفرح بمرآها ..استمد منها قوة ..تكاد ترجح كفتي بعد أن مرغت البنتان وجهي في الرمل .. تشدني بيدي لتبعدني فأفهم أنها لن تنتصر لي ، لا أطاوعها ..تحاول مرة أخرى ثم تشدني بشعري . البنتان تبتعدان .. تتفرجان..يستمر غضبي فأصرخ ..أتفلّت..تضربني أمامهما وأمام كل المتفرجين ، تضحكان ، ويستمر ضحكهما في أذني حتى نصل المنـزل ، ويظل يخمش أذني في فراشي حتى أنام . أنهض مثقلة بوجع الضرب ووجع السخرية ، مثقلة بروح سوداء تكره أمي.. الدكتورة تمسح رأسي ، تضع يدها على صدري الذي تنتفض فيه عبرات طفلة : عليك أن تتطهري من هذا كله الآن . - كيف ؟ تعيدني للمكان ، أعيش الحادثة كاملة حتى الضرب وآلامه ، رائحة الغبار في أنفي وهن يفركن وجهي في الأرض .. صوت أمي المتسائل : أين هي ؟ فرحتي ، ثم غضبي وهي تنتزعني من المكان دون أن تضربهن ، مقاومتي ، ألم رأسي وهي تشد ضفائري . تتوتر عضلات وجهي ، أريد أن أصرخ ، فتشجعني الدكتورة ، أصرخ ، وأصرخ ، وحين يخفت صوتي قليلاً تضع منديلاً في يدي . - بهذا المنديل الذي تقبضين عليه في يدك امسحي الشاشة التي عليها المشهد حتى تنظف تماماً . يروعني الأحمر الكثير الذي يسيل من المنديل ، أعرف أنه كما قالت الدكتورة غضب ، أحاول ألا يجعلني منظره أفقد استرخائي ،ويأتي صوتها سنداً :تحت أقدامك الآن أرضٌ مروية بالماء وخصبة . هل تحسين برودتها في رجليك ؟ أومئ برأسي فتكمل : احفري حفرة صغيرة ، وادفني المنديل فيها ، ثم امضي . -----------------------------------------------------
__________________
|
08-02-2010, 02:18 PM | #11 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
لماذا ؟ - الدكتورة قالت لي يا علياء أن الأرض رحم ، تعيد إنتاج الأشياء ، وأني بدفني المنديل فيها ستزول المشاعر السلبية التي مسحتها فيه ، وسيعاد لي بمشاعر إيجابية . - وسمية لا تصدقي ذلك عن نفسك ، أنت أجمل من أن يختزن داخلك سوأة صغيرة كهذه ليشوه علاقتك بأمك . أنا حتى لا أصدق ما تقولينه عن إحساسك تجاهها ، هذا كله حين أحاول ضمه لصورتك في عيني ترتبك كلها ، لا يمكن أن تكوني هذه التي يصفها لسانك . حين تبتلع سماعة الهاتف آخر كلمات علياء وهي تودعني تشوشني أسئلتي ، أظل أترصدها ، ثم حين أعجنها في استفهام وحيد أسلمه سجل يومياتي وأنام محاولةً نسيانه . بعد اليقظة أجد سجل الخبايا ينتظرني فارداً أحشاءه على صفحة البارحة ويواجهني مردداً أحرفي : " هل أحب أمي ؟ ما أصعب السؤال ، ما أبعد الإجابة !" أهرب منه ، أخرج فيطالعني وجه أمي أتأمله ، لا أدري إن كان يجب أن أفرح أو أحزن لأنها تجهل كل ما في خاطري . أحياناً كانت تردد أني أحسبها تكرهني ، مرات بعد تعليقات جارحة لي على سلوكها معي ومع سواي من إخواني كانت تحلف أني الأغلى.. مرة بكت..كرهت نفسي و تألمت جداً..وددت لو أحلف لها أني أحبها..أن أبكي مثلها..وددت لو أحضنها لتسكت . قبل أن أتزوج كانت تردد لي أني لن أعرف ..لن أفهم تماماً إحساسها تجاهي إلا حين أتزوج وأنجب.. مع نادر منذ يومه الأول تلح في السؤال إن كنتُ أحبه وكم أحبه ؟ وهل يسعدني أن يتأذى ؟ نادر هل تعرف أمي ماذا يعني ؟ أنا لم أقل ، فهل لو قلت تفهمني ؟ نادر هذا الـ "من أحشائي طلع.." ليتني أفهم أنا هل أحبه أم لا ؟ الصغير الذي لم أحلم به كما كل الفتيات ، لأن الزواج جاء قبل أن تزهر فيَّ الرغبة في الإنجاب ، قبل حتى أن تتفتق تباشير الأمومة ميلاً للأطفال وشوقاً لملاعبتهم..لمداعبتهم.. هل كان يجب أن أقبل اختلافي هذا أيضاً؟ أن أظل أتأمله ..أتفحص أسبابه بحياد ؟ بعد أربعة أشهر من زواجي كان نادر نبتة في أحشائي ، يتشرنق حبه في بطني بطيئاً ، يتحرك ، يولد بعده بأشهر ، أرضعه مثله ، أحضنه ، أناغيه فيتأتئ . يصير نادر صبياً يطوِّق عنقي في كل لحظة ، يقبِّلني ، يردد أنه يحبني ، وأتأمل أنا تأكيداته بشك . -------------------------------------------------------- " أنا ... من أمي ، لأنها ... " كتبت الدكتورة ذلك ، ومدتني بالورقة ، قالت : الآن اكتبي أنت . - ماذا أكتب ؟ - ضعي كلمات مناسبة في الأماكن الخالية ، ثم اكتبي كل ما في خاطرك . أمسك القلم ، ورغم أني لم أخجل من الدكتورة من قبل وأنا أعرض عليها جوانب كثيرة سيئة فيَّ إلا أني هذه المرة ترددت كثيراً . قلت لها : دكتورة ..لا أستطيع ، أحس أني سأكتب شيئاً سيئاً جداً عني الآن . تضحك هي بقوة : يا حبي لك يا وسمية . بعد كلمتها أبدأ الكتابة : أنا أكره أمي لأنها ضعيفة ، مترددة ، لا تعرف ماذا تريد ، لا تملك الجرأة على أن تفكر حتى في أنها لا تريد ما تحياه الآن . أمي امرأة شخصيتها مهزوزة ، زواجها تعيس جداً ، ورغم ذلك فهي مستمرة فيه . أمي تفلسف ضعفها بطريقة غبية ، مذ عرفتها ( في دوريها الخالدين زوجة وأماً ) لم أسمعها تقول " لا " لأي أحد ، لم توقف أحداً أهانها عند حده . حين أضع نقطة بعد آخر اتهام لأمي أمد الدكتورة بالورقة بخجل . تتأملها مبتسمة ، ثم تعيدها إلي : الآن يا وسمية أريد أن تُسمِعِيني المكتوب بصوتٍ عال ، وكلما مررت بكلمة أمي في ثنايا كلامك اقلبيها ، اجعليها " أنا " بارتياع أتفحص الورقة التي صارت عريضة اعتراف الآن ، ألتفت للدكتورة : ماذا جعلتني أفعل ؟ يعلو ضحكها هذه المرة ، وهي تقول : هيا أسمعينا ماذا سجلت . " أنا أكره وسمية لأنها ضعيفة ، مترددة ، لا تعرف ماذا تريد ، لا تملك الجرأة على أن تفكر حتى في أنها لا تريد ما تحياه الآن . وسمية امرأة شخصيتها مهزوزة ، زواجها تعيس جداً ، ورغم ذلك فهي مستمرة فيه . وسمية تفلسف ضعفها بطريقة غبية ، مذ عرفتها في دوريها الخالدين زوجة وأماً لم أسمعها تقول " لا " لأي أحد ، لم توقف أحداً أهانها عند حده " حين أنتهي تصبح الورقة مجعدة الحواف ، لولا هيبة الدكتورة لكنت مزقتها ، ألوذ بها : دكتورة ، ماذا يعني هذا ؟ أأنا أكره أمي لأنها تذكرني بي فترة زواجي ؟! تهز الدكتورة هناء رأسها ، ويبين في عينيها شيء كالزهو بنجاحها ، زهوٌ تجعله محتشماً بحديثها عما فعلت ، قالت : أكثر ما يضايقنا في صفات الآخرين تلك الصفات التي تشبهنا جداً ، نكرهها فيهم ، ونكرههم لأنهم يعكسون صورنا التي لا نريد أن نراها ، هناك معالجة نفسية غربية علاجها كله بالكتابة ، كلما زارها مريض جعلته يكتب ، وعبر الكتابة يعي نفسه ، ويتغير . - الكتابة التطهير ؟ - والكتابة المعرفة أيضاً . أعيد لها الورقة ، وأسألها : ماذا بعد ؟ - بعد أن تم فك الارتباط بين صورة أمك في عقلك الباطن وبين صورتك أنت أظن أن علاقتك بها ستكون أفضل جداً ، لكن يجب أن تعيدي النظر في فترة زواجك ، خففي جلدك لذاتك ، هي تجربة عشتها وخرجت منها أفضل مما لو كنت بقيت فيها ، وأفضل مما لو كنت لم تدخليها ، إذن يجب أن تمتني لها لا أن تختزنيها بكل هذا الألم . ----------------------------------------------
__________________
|
08-02-2010, 02:19 PM | #12 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
__________________
|
08-02-2010, 02:20 PM | #13 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
__________________
|
08-02-2010, 02:21 PM | #14 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
في طريق عودتنا لديرتنا كنت أفكر في القادم ، أستعيد صوت الدكتورة وهي تودعني ، قالت أن الله يغير أحوالنا حين نتغير ، وقالت أن حياتي ستتحرك الآن أكثر ، وأني تطورت جداً ؛ فأنا لست أبداً تلك التي كلمتها أول مرة ، تلك التي تقول كلاماً سيئاً في حين تريد أن تقول أشياء جميلة . أسألها : لماذا كنت تساعدينني قبل حتى أن تريني ؟! - أنا يا وسمية حاولت أن أُقدِّم لك ما كان يجب أن يقدَّم لي في بداياتي ولم أجد من يقدِّمُه . لا أدري لم بعدها سطعت صورة ماجد ببالي ، آمنت أني يجب أن أساعده ، أن أقدم له ما لم يقدمه أحد له ، ما لم يقدمه أحد لي قبل الدكتورة هناء ، في ورقة صغيرة أنشغل بإعداد برنامج صغير كبداية معه . مع كل كلمة أكتبها يقترب هو أكثر ، وعلى أوراقي تتناثر صوره على سطورها . صورته وهو يحمل رسائلي البريدية الأولى للصحف ليضعها في الصندوق دون أن يتذمر مهما تأخر الوقت ، ودون أن يفشي سرها لأهلي حتى حين أغضبه ، صورته حاملاً الفلة التي سرقها من حديقة البلدية لأجلي حين عرف كم أحبها ، صورته وهو يضع رأسه على كتفي ويبكي معتذراً حين غضبت عليه فقاطعته عشرة أيام . مع كل صورة أحبه أكثر ، وبعدها كلها أكتب بأسفل الورقة " الهدف استعادة أجمل ما في هذا الكائن " ------------------------------------------------------- - هلا وغلا.. الحمد لله على السلامة . - أول شيء فعلته مذ جئت ( مكالمتك ) مازالت عباءتي عليَّ . - أنا سعيدة بشكل لا تتصورينه بعودتك . - غريبتان نحن ؛ في كل الأحوال ( إن كنت هنا أو في الرياض ) مادمنا في إجازة فإن الاتصال بيننا عبر الهاتف فقط ، فلم نحس بالفرق ؟! - كنت أفكر في ذلك أمس ، ولم أجد له تفسيراً ، لكن إحساسي بك يختلف جداً حين تكونين هنا عنه حين كنت هناك . - ستكملين لي حكايتك مع روميو ؟ - كلميني في الليل متأخراً ، وسأخبرك . -------------------------------------------------------- بانتظار صوتها يحكي لي حبيبها ، والجديد في موضوعه يأتيني فاكسها : " مساؤك بوح يا وسمية أردت الورق ينوب عني فيقول ما لن أقوله .. ( أحبه ..لست أدري ما أحب به .. ) حلمت به البارحة مرة أخرى ، كان حلماً غريباً ، وجميلاً .. هل أنا حقاً أحبه ؟ أم أنها أمنيتي القديمة بقيس يخلد ذكري ؟ لِمَ أخجل من مشاعري تجاهه ..وأخفيها ؟! ألأنه ليس جديراً بها حتى الآن ؟! هل أستكثر عليه تلك الخفقات التي استعصت قبله على سواه ؟! لم أهرب من التفكير فيه وأحس أنه قدري ؟! لا أدري ، ولا أدري لم أكتب لك ذلك الآن !! ربما أردت عينك الصقر أو عينك الأم تخبرني عني .. أمس تقدم لخطبتي من والدي ، فهل يجب أن أوافق على الاقتران به أم لا ؟ أحبك ، وأنتظر مد عونك " علياء في اللحظة التي أطوي فيها الورقة مقررة جعل استفهاماتها شاغلي هذا اليوم يدخل أبي : ماجد ذهب لأفغانستان . قالها هكذا ، وكان أول ما رأيته بعدها برنامجي الذي أعددته لمساعدته ، رأيته كومة من تراب يردم ماجداً كله . - في هذا الوقت ؟ وأمريكا تبحث عن كل عربي هناك ، تنبش كل جحر لتصطادهم كالفئران ؟ أقول ذلك ، وأتساءل إن كانت العبارة ذات صلة وثيقة بما قاله أم لا ، أقولها وأنظر في وجه أبي الذي صار شيخاً جداً ، ويسيطر علي هاجس غريب أني لم أنطق هذه الكلمات ، وإنما حكيت له عن علياء وحبيبها . - الولد جنَّ بالتأكيد ، كنت أعرف أن نهايته لن تكون أقل سوءاً من هذا . قالها وانصرف ، وفتحت ورقة علياء مرة أخرى فإذا بعيني تتراكض بشكل محموم على صدرها حتى استقرت على قولتها " أحس أنه قدري " ---------------------------------------------------------- - أفغانستان فيها حرب يا أمي ، أليس كذلك ؟ - فيها يا نادر . - فلم ذهب إليها خالي ماجد ؟! أمي التي منذ الصباح تبكي تنشج الآن وأنا أحاول تقديم كلمات مطمئنة للصغير ولها ، وريم تنظر إلي ، وصوت الدكتورة هناء يتردد في أذني : فليذهب معهم ، لا خطر من المطاوعة عليه ، قد يأتي مدققاً في لبسكن ، قد يكسر التلفزيونات لكنه بعدها سيعتدل . - كيف عرف أبي ذلك ؟ أسأل ريماً وأتمنى أن أجد في الإجابة مجالاً للتشكيك . - اتصل به أحدهم ، وقال أنه حمله سلاماً إلينا وأنه ذهب إلى هناك . - هذا كل ما قاله ؟ - هنأه بابنه البطل المجاهد ، الذي سيشفع له يوم القيامة بإذن الله ، فأغلق أبي الهاتف في وجهه . - ماذا سنفعل ؟ - أخبرينا أنت ..إن كان هناك شيء غير الدعاء . في غرفتي أقلب ألبوم الصور ، أرى آخر صورة له ، بدون لحية ، لأول مرة أكتشف كم كان وسيماً ، أفكر في أن أقبله ، وحين أحس الخاطر فألاً سيئاً أعيد الألبوم محله ، وأبكي . ---------------------------------------------------------- - انتظرت اتصالك ، ولما لم يأت قلت أتصل أنا .. ما أخبارك ؟ - ماجد في أفغانستان . كان صمتها أفضل من أي رد قد تقوله ، ما كنت أريدها أن ترد ، أردت فقط أن أتخفف من وجعي بالحكي ، بعد قليل بدأت تستفهم بشكل دقيق عما حصل فتضايقت .. حين كنت أريد عذراً لأغلق الخط وأهرب لنفسي قالت : أتريدين رأيي ؟ أظنه لأول مرة يفعل الصواب ، هناك يحارب عدو الأمة كلها ، لأول مرة يفعل شيئاً حسناً ، دعوه يفعله وأنتم راضون . لحظتها بدا لي أن في هذه المرأة أفكار لا أعرفها ، لم نتكلم قبلاً في أمور كهذه ، ولا أدري لم اعتقدت أن رأينا فيها متحد . علياء تردد عن الجهاد كلاماً أحفظه ، وأقول : ولكنه ماجد ، فليذهب غيره ، أما هو فنحن أولى به من جهاد لا نعرف إن كان يستحق اسمه أم لا . - لو فكر جميع المسلمين هكذا لما حكمنا نصف الدنيا في وقت ما . في سجل يومياتي بعدها أكتب : " سيحتاج الأمر وقتاً طويلاً حتى نعتاد عدم وجوده ، ولكننا سنعتاد ذلك بلا شك " وفي الأيام التالية كان شبه اتفاق غير معلن على أن لا نتحدث عنه ، كان مسافرنا الذي سيعود إذا لم نخض في موضوع سفره ، لكننا في صلواتنا جميعاً كنا نبتهل إلى الله أن يعيده . ---------------------------------------------------------- - حين أردت أخذه إليها أول مرة قد قلت لها أنه لن شفي فإن كل ما أفعله لن يفيها حقها ، الآن أعرف أن لو صار له الأسوأ فلن أغفر لها ، ربما أظلمها بحكمي هذا ، لكن يجب أن تتحمل نصيبها من مسؤولية ما حصل . - ألا تعرفين التوسط في تصرفاتك أبداً ، هذه التي تقدسينها أمس ، اليوم تحملينها ذنباً ليس لها . - لأول مرة تدافعين عنها !! - لأنها المرة الأولى التي تتجنين فيها عليها . تغادرني ريم ، وأبكي ، ثم آخذه بسرعة : بحث ، د.هناء ، مسح ، تم مسح كل التفاصيل ( د.هناء ) أعرف وأنا أعيد جوالي مكانه أنها لم تكن غلطتها ، لكني منذ البداية قررت أني لن أغفر لها ضياعه إن ضاع . ----------------------------------------------------------- - مقرفٌ هو يا أمي ، وعائلته شنيعة .. أحياناً أحس أني أشفق على وسمية التي عاشت معهم سنتين كاملتين ، وأحياناً أحقد عليها لأنها لم تحذرني منهم بشكل كافٍ . - زوجك خير من كثير من الرجال ، هل أعدد لك بعض من لاشك أنك تعرفينهم وأخبرك بصفاتهم ، وصبر نسائهم معهم . - ليس من بينهم يا أمي من تزوج صديقة زوجته ليقهرها ، وليتحسس أخبارها . - ما هذا الكلام يا مها ؟ - هذه الحقيقة يا أمي كلما جلس يتحدث معي ونادراً ما يفعل يظل يدور حول سيرتها ليرغمني على الحكي عنها . - هي أفكارك أنت فقط ، تعوذي من الشيطان وتجاهليها ، وارضي بنصيبك يا ابنتي ، ولا تشمتي بنا . معها حق أمي ، يجب أن أرضى بنصيبي ، أنا دوماً راضية بنصيبي ، فلماذا لا أقبل به الآن ؟! ------------------------------------------------------------ " جوانتا نامو " هو في جوانتا نامو ، حين كان طفلاً تمنى أن يزور سوريا ، كان يعتبرها بعيدة جداً ، لكنها الأمنية التي لم تتحقق ، أقول له : اهنأ يا ماجد أنت الآن في جوانتا نامو ، أبعد كثيراً مما حلمت .. كان أحدهم قد اتصل بي البارحة لينقل لي الفاجعة ، قال أنه حين خرج خرجته الأخيرة أملاه رقم جوالي ليبلغني إن لم يعد ، وأنه هناك الآن . ليلة عجيبة هذه التي أقضيها أرتب خطاباً لوالدي لا يوجعهما كثيراً ، ماذا أقول لهما ؟ ماذا يجب أن أقول ؟ كنت أبكي قليلاً ، وأعود لترتيب الكلمات حيناً آخر . أتصل بعلياء فلا ترد ، وحين أنظر للساعة أكتشف أنها الثالثة صباحاً ، أبكي مرة أخرى وأنام . في الصباح أجلس مقابلةً الشيخين على قهوتهما ، أمي التي صارت صامتة أغلب الوقت كانت تشرب قهوتها بعيون مبللة والتلفاز يعرض صور أشلاء الأفغان العرب وأجسادهم المنتفخة تحت شمس لاهبة ، أبي الذي يسترق نظرات لجهاز الشؤم تحت أقدامه أكثر من جريدة ، والراديو يعلن فيه عربي متأنق الصوت أن نشرة أخبار إذاعة لندن بعد دقائق معدودة . قال أبي الذي يتوتر كلما قارب موعد الأخبار وهو يمد فنجانه لأمي : لماذا لم تذهبي للعمل يا وسمية اليوم ؟ أردت أن أخبره أني أعرف سبب توتره ، وأنه لم يعد من ضمن المشاعر التي يجب أن تسيطر عليه الآن ، أتأمله وأفكر : هل سيبكي ؟ - متعبة قليلاً ، ولا حصص مهمة عندي اليوم . أقولها وأغادرهما ، ثم أتصل بريم ، أخبرها وأطلب منها إخبارهم ، وألجأ لغرفتي مرة أخرى . ------------------------------------------------------------ أعتكف في حجرتي محتشدة بأكثر من وجع ، وطوال النهار أسمع نحيب أمي ، وحوقلات أبي . في الليل أتذكر حديثاً قديماً مع الدكتورة هناء . - ما أخبارك يا وسمية ؟ هل هناك أحلام جديدة ؟ - أبداً يا دكتورة . - لماذا ؟ - ربما لأني كنت مشغولة الأيام الماضية . - هذا هو لقد حجبت أحلامك عنك . - فكيف أعيدها وأعود لها يا دكتورة ؟ - ارفعي الستارة عنها . أتمدد ، أركّز على عضلات رجلي ، أرخيها ، عضلات يدي ، كتفيّ ، بطني ، ظهري ، وجهي ،عنقي ، جبيني ، ثم أتنفس بعمق : شهيق ..زفير .. شهيق . ستارة سماوية اللون بيني وعالم الحلم ، أدنو منها ، أحس دفء الأرواح وراءها وأتسمع صخبها ، برفق أزيح الستارة و.. أنام . في الصباح يعود الحلم القديم ، لا أعرف منذ متى كانت زيارته الأولى لي ، أحياناً أحسه أزلياً ، كانت السيجارة بطلته الدائمة ، كل فترة تطل في مشهد يعاد إنتاجه مئات المرات ، كنت أحكيه لها : دائماً يا دكتورة أرى نفسي أبحث عن سيجارة ، حتى إذا وجدتها انقطع الحلم . قالت لي يومها : الحلم الذي يتكرر رسالة مهمة . هنا رغبة مكبوتة ، وأنا أستطيع مساعدتك لتحقيقها لكن يجب أن نعرف بشكل جازم هذه الرغبة . استشعرت في خاتمة الكلام سؤالاً طُرح ضمناً ، قلت : لا أعرف ، السيجارة نفسها حلم بالنسبة لي ، لكن بما أنك قلت أنها رمز لرغبة مكبوتة فقد تدل على أشياء أعمق ، لكني لا أعرف . - هل تريدين التدخين ؟ - أريد أشياء كثيرة لا تحصل . - هنا المشكلة ، هذه الرغبة المكبوتة قد تكون خيراً أو شراً ، لذا ربما يجب أن لا نتسرع في التعامل معها . أحسست ترددها ، قلت : ربما استشعرتْ مسؤولية تجاهي أكبر ، خافت أن تدفعني لتحقيق ما لا يجب تحقيقه ، لذا أمرتني بانتظار حلم آخر أوضح . كنت أنتظر الحلم الآخر ، وكانت السيجارة نفسها تعود كل مرة ، في البداية كانت عقب سيجارة ( مستخدمة ) ثم حلماً بعد حلم كانت تكبر حتى صارت سيجارة كاملة . بعد ذلك تمكنت من رؤية علبة كاملة . بعد عدة أعوام وعدد كبير من الأحلام صرت أصل بالسيجارة لأماكن شبه آمنة ، ولكني قبل أن أشرع في التدخين يأتي من يبدد خلوتي ، فأخفيها لوقت آخر ، وينتهي الحلم دون أن أدخنها . البارحة حلمت أني ( بعلبة سجائر شبه ممتلئة ) أنزوي في مكان ما وأدخن . في فترات يقظة طويلة كنت أفكر فيما سأحسه لو دخنت ، أحاول تخيل تلك النشوة ، غير أني بعد حلم البارحة خرجت بقناعة أن طعمها ليس جيداً ، حتى أن شفتاي كانتا مسودتان بشكل مقرف . ------------------------------------------------------------
__________________
|
08-02-2010, 02:22 PM | #15 |
مشرفة ورقآت أدبية
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
تابــع - هل تحدثت معها ؟ - وليتني لم أفعل ..لعلك سمعت بعضاً من صراخها علي . - ماذا حصل ؟ - سألتها : لماذا لم تذهبي اليوم أيضاً للمدرسة ؟ فقالت : تأخرت في النوم ، وفاتني موعد السيارة . وأحسست أنها لا تريد الكلام في هذا الموضوع فكلمتها عن ماجد . - وبدت وكأنها لا تسمعك ، أليس كذلك ؟ - أجل ، قلت لها : هل تعتقدين أنهم سيفرجون عن ماجد ورفاقه قريباً ؟ فمطت شفتيها ، وقالت لتنهي الحديث : لا أدري . عند هذا الحد لم أحتمل برودها ، وقفت أمامها وقلت : وسمية لماذا تبدين هكذا ؟ قلتها فصرخت في وجهي : كيف أبدو ؟ هل أبدو كمجنونة ؟! كيف يجب أن أبدو ؟! هل هناك مظهر محدد وتصرفات معينة يجب أن أكون في نطاقها حتى لا تتفحصني شقيقتي العزيزة هكذا وكأنني سأنفجر بين دقيقة وأخرى . - لا أعرف ما الذي يحصل معها هذه الأيام يا ريم ، أنا وأمك قلقان عليها ، لأول مرة لا تهتم بما يحدث ، لا تتكلم وهذه غريبة أيضاً من التي اعتدنا ألا تكف عن الثرثرة ، لم تعد تقرأ منذ الحادثة ، ولا تكتب ، ولا تطيل في مكالماتها الهاتفية ، تلازم سريرها أغلب الوقت ، لا تتحدث عن ماجد ، وتبدو غير مهتمة حين نتحدث ، لا تغادر كعادتها حين لا يعجبها أي حديث ، فقط تنزوي وكأنها لا تسمع كل ما يقال ..نحن قلقون عليها جداً ، لقد خسرنا واحداً ، ولا نريد أن نخسر آخر بهذه السرعة . حاولت أن أطمئن أبي ، لذا وجدت أن من غير المفيد إخباره عن حبوب الموتيفال التي رأيتها في غرفتها ونحن نتحدث . ---------------------------------------------------- - وسمية أريد أن أحدثك عن صاحبتنا " هدى " تقولها ونضحك ، ثم تكمل : حددنا موعد الزواج ، وأردت أن تكوني أول من يعرف . ضممتها بقوة ، كنت سعيدة بشكل لا يمكن تصوره ، هي نظرت في عيني طويلاً ، ثم قالت : لم تسأليني أين يعمل ؟ - هل هو سؤال مهم ؟ بان حزن في عينها ، وهي تقول : مهم ..مهم .. اصطفت الوظائف التي تليق بمن سترتبط به علياء : أستاذ جامعي ، طبيب ، طيار ، ضابط برتبة كبيرة . قالت هي : دبلوماسي . كانت الكلمة رنانة ، حتى أني غضبت من نفسي : كيف لم تطرأ ببالي هذه الوظيفة التي تليق بقرينها ؟! أرفع بصري إليها وهي ترصد كل جزء فيَّ بحزن فأتفكر : ما المؤلم في هذه الوظيفة ؟ ما الذي يقلقها هكذا ؟ ثم قليلاً قليلاً بدأت أستوعب .. - علياء ، هل تعنين أنه ..؟ - خارج البلاد ، لا يهم أين ..فمعه لن أكون قريبةً أبداً .. كانت رياحٌ يابسة تنهبها ، تأخذها مني ، دون كلمة كنت أتشبث في كمها ، أضمها ، ومع أول دمعة على خدي أغادر عليتها . ------------------------------------------------------ - هل تبكين مثلهم يا أمي لأني خالي ماجد سيموت ؟ أضم صغيري غير عارفة ما يجب أن يبكيني ، أقول له : لا يا نادر ، ماجد بخير . - لكنك تبكين ! على باب الغرفة يقف ماجد ، وراءه علياء ومها ، أتأمل ثلاثتهم ، ثم أضم صغيري مرة أخرى وأبكي . تدخل ريم فتبدد جمعهم ، وتجلس : هل عرفت ما حصل مع مها ؟ - ماذا ؟ - ضربها ثورك السابق بعد مشادة بينهما . - هل هي بخير ؟سأتصل بها لـ.. - لماذا ؟ - إنها مها .. - مها الآن غير مهاك القديمة ، منذ ارتبطت به انفصلت عنك ، وأنت تعرفين ، لو هاتفتها ستظن أنك تفعلين لتشمتي بها . - مها أعقل البنات ، لن تظن ذلك . - لن تظن غيره ، في هذه الأيام تحديداً فانسي الأمر . - إنه يتطور للأسوأ . - الحمد لله الذي خلصك منه ، أما هي فقد حذرتها من البداية لكنها أرادت أن تجرب . - هل تشمتين بمها يا ريم ؟ - أبداً ، لكني أردت تذكيرك حتى لا تندفعي ، هي مجروحة الآن بسبب ضربه لها ، ولأنها تعلم أن الخبر مادام ذاع في الديرة فسيصلك بالتأكيد ، لذا فإن اتصالك سيعتبر عندها وعند أهلها نوعاً من التشفي ، وقد تسمعين ما لا يرضيك ، إلا إن كنت تريدين أن تتشفي حقاً فذلك أمر آخر . حين تخرج أُقعد نفسي على جهاز كشف المشاعر : هل أريد حقاً الاطمئنان عليها أم التشفي ؟ --------------------------------------------------- قالت زميلتي بعد أن تلفتت كثيراً : وسمية سأخبرك بأمر خطير ، على أن تعديني بأن لا تخبري أحداً . أحاول أن أظهر اهتماماً أكبر حتى لا أضحك من طريقتها المكائدية : ماذا ؟ - أمس كانت المديرة تكتب تقريراً سرياً عن علياء ، ونتائجه ستكون سيئة جداً ، أرجو أن تنبهيها لتتصرف ، وأستحلفك الله ألا تعلم أني أخبرتك . أضع يدي على كتفها ، أطمئنها ، أريد أن أضحك بقوة هذه المرة وأخبرها أنها تأخرت جداً في تقريرها ، وأنها لن تنال من ورائه إلا عقاب الله تعالى . أتجه لعلية علياء وأنا أردد " نتائجه سيئة " ما الأسوأ من أن تغادر البلاد كلها ؟! تتأملني ، تضمني حين أدنو منها ، صارت تفعل ذلك كثيراً منذ خبر زواجها وسفرها ، على مكتبها أطالع مسودة استقالتها ، أردت إخبارها بفعلة المديرة ثم سكت مقتنعة أني لن أكسب من ذلك إلا إيلام علياء . معها أجمع أشياءها ، وأبلع دموعي ، أسوأ الحزن ذلك الذي يجب أن تغلفه بابتسامات التشجع . كنا نعمل ونبكي بصمت ، كل لحظة كانت إحدانا تلتفت للأخرى فتضمها بسرعة ، وبسرعة تبتعد لتكمل العمل . في لحظة نشوة لا أعرف كيف غزتني تذكرتني وأنا أسمعها كلمات نوال : " لقيت روحي بعد ما آنا لقيتك بعد اللقا أرجوك لا لا تغيبي صعبٍ علي أبقى وأنا ما نسيتك إحساسي كني بين ربعي غريبي " أردت أن أغنيها ، لكنه صوتي النشاز يمنعني ، وكم الجنائزية في الكلمات يرعبني . على المقعد الذي جلست عليه أول مرة قبل عام أجلس ، أعرف أن الدموع فات أوان ردها فأنشج ، وحين تهبط يدها على كتفي يتفجر كل ما في من وجع . " باكية " أتساءل : هل أخطأت الدكتورة تقدير الأزمنة ؟ قالت أن حزناً اختطف روحي ، كان يجب أن تقول أنه سيختطفها . علياء نوارة عالمي الجديد تروح الآن ، بعد أن فقدت مها ، يأخذهما الألم مني باسم الزواج . --------------------------------------------------------- في الليل أخاتل النوم ، وكالعادة يأتي أهوج يغمض جفني ليروعني بالصور التي يعرضها ، وفي اللحظة التالية ينصرف كله ويتركني . في السادسة صباحاً أقرر الاستيقاظ ، أتأمل سقف غرفتي ، نقوشه بدا لي أني لو منحتها إصغاء أفضل فستنطق ، أتركها وأفتح النافذة ، فتطالعني شمس طفلة بدلال تمسُّ زرقة السماء فتجلوها . قلت : الله يغير أحوالنا إن اجتهدنا ، عدت لسريري ، حاولت استعادة الأوجه القديمة التي كنت أراها قبل سنوات ، قلت سأنظر فيها بقلب رجل وعقل امرأة . بعد عدة دقائق بدأت الوجوه تفد ، جاءت متحجرة ، ومتهدمة ، فقدت طراوتها القديمة ، وجاءت كأنما تيبست . عرفت أني أتيت بعد فوات الأوان ، وأني لن أستطيع دخول هذا العالم . -------------------------------------------------------- المدرسة كلها تستعد لإقامة حفلٍ توديعي لعلياء ، وأنا أخربش في أحد دفاتري : غريبة لغتنا هذه التي قالوا أنها ثرية جداً حتى أنها لتتكرم على الكلب بسبعين اسماً ، أما ولدت كلمة تليق بوجع المغادرة غير أن تستخدم كلمة " حفل " التي هي مفردة نزقة متباهية ؟! صوبها أذهب تاركة الترتيبات لمن يعددنها . - " هلا باللي عجزت ألقى عذاريبه === هلا باللي تحبه كل أسبابي " كانت ذي تحيتها لي كلما أشرق مزاجها ، وأعرف أنها الآن تقولها فقط لتمنعني من البكاء . أتشجع ، وأتحدث معها قليلاً وأنا أتأمل المكتب الذي بدأ هو الآخر مظلم البال . حين أصافحها لأغادر تشد على يدي : ستأتين غداً ؟ - إن شاء الله . - لن تفعلي أنا أعرف..ودعيني الآن . أضمها وأخرج . السيارة يعمها سكون غريب ، كأنهم جميعاً صامتون احتراماً لألمي . هذا الصمت تبدده نغمة رسالة قصيرة في جوالي ، بدا وكأنها أذكرتهم الكلام فبدأت همهماتهم ، أفتحها لأجدها منها " انظري ماذا يوجد في حقيبتك " في الحقيبة أجد ظرفاً سماوي الطلعة مطرز الحواف بغيوم الصيف الخفيفة ، فيه خاتمها ورسالة . " وسمية يا أغلى وأحلى العُمر نحن نلتقي لا لنسعد بل لنتذوق الفراق بطعم أكثر مرارة اليوم فقط أعرف معنى هذه المقولة ، التقيتك يا الغالية فسعدت ..وسعدت ..وها أنا ذي أفارقك لأتذوق الفراق كما لم أتذوقه من قبل ..لكني رغم ألمه ممتنة للعمر الذي كنت زهرته .. أتخيل لو أنني غادرت دون أن أعرفك ؟ لا تحزني يا وسمية ، فغدك جميل بي ودوني ، هو جميل بك ، سأغيب وأغيب وتظلين في عمري أملاً وشمساً لا تغيب .. أحبك حتى أعود وحينها سأحبك من جديد " علياء ---------------------------------------------------------- أصرخ في الفراغ الممدود بيننا بسلك الهاتف : راحت علياء يا ريم .. - ... أنتظر ردها رغم أنها حذرتني مراراً من جر كلامٍ من فمها لا تستطيع نطقه ولا هو ( كما قالت ) يفيدني . حين أسمع ارتباكها صمتاً أواصل : غداً إلى أين أذهب حين أدخل المدرسة ؟ مع من أشرب قهوة الصباح ؟ كيف أقضي نهاري إذا لم أحجَّ لعلِّيتها كل يومٍ مرتين ؟ كيف أذهب للمدرسة وعلياء ليست فيها ؟ كيف أعرف أنها مدرستي إذا لم أجدها ؟ - وسمية ، حين ذهبت للمدرسة أول مرة لم تكوني تدرين أنها فيها ، لم تذهبي لأجلها . كانت علياء قد قالت لي نفس الكلام قبل وداعها ، وكما رفضته أرفض أن تكرر ريم بقيته التي انسابت من لسان علياء " إذا كان المكان قد منحك جميلاً فهو قادر على منحك الأجمل غداً " أريد أن أقول لهما أني لا أريد إلاها . ريم تحاول أن تكون مقنعة وهي تقول : المدرسة ستظل هي المدرسة وهي .. - مدرستي علياء . أقول ذلك لي وحدي ، وريم التي لم ينبت لها بعد اللسان الذي يمكن أن تواسيني به تسكت ، لا تحاول أن تعاود الاتصال . في الليل ( في كل الليالي التالية ) أبكي حتى ما يرحمني النوم فيأخذني لدياره . في بعضها أخاتل الوجع ، أتلهى بالقراءة ، ألعب الورق ، أشاهد كل الأفلام القديمة ، ثم أندس بصمت في سريري ، وفي آخر الليل أقوم شرقانة بدموعي . تعودني ككابوس جملة علياء الجُرح ، في آخر لحظة في المكان تلفتت وخاطبته : " بعد قليل سأصبح فيك من الذكريات " كل ليلة أتحسس وجه علياء في صورتها التي أهدتني إياها قبل أن تغيب ، أتذكر أني زمان وجعها هي كنتُ بيقين أردد لها أن الغد أجمل ، وأني كأنما أرى ذلك اليوم الذي ترتفع فيه على هذا المكان ، وتغادره صوب السعادة . ها هو غدها الأجمل يأخذها مني ، ما كنت أدري أن ذي ستكون ضريبته ، ما كنت أدري أني على مهلي ووحدي سأسدد فاتورته . تقول لي علياء قبل أن تغادر أن فراقي سيوجعها أكثر ، وأعرف أن وجع المغادر تمحوه الأيام ووجع القارِّ يظل ينكؤه المكان بساديته . تقول لي ريم : أنتِ علمتني أن علينا أن " نسعد بالأصدقاء ولا نحتاجهم " وأصيح : تباً لكل ما قلته إن كان لا يحميني من الألم . ---------------------------------------------------------- البارحة أضم زاهي لصدري ، ثم أضع مطير ومارق في حجري ، وبجوارهما أضع الثلاثة الباقين دون أسماء ، أتحسس وجوه الجميع ، أناديهم بصدق ، أطلب منهم أن يخرجوا من الدائرة ، أن يأخذوني لأخرجهم ، ثم أحاول النوم . هذا الصباح أقلب ذاكرتي فلا أجد حلماً . أجد الأوجه الحبيبة : علياء ، مها ، وماجد تملأ شاشة أفكاري ، ثم تجذبها قوة سحرية للخلف ، للعمق ، حتى تختفي . أومن أن لذلك كله معنى ، وإلا فكيف يمكن تفسير مغادرة كل من يشغلونني وأحبهم ، لابد أن لذلك هدف ، ربما الهدف أن أتفرغ لأخرج الأولاد وأقف مع الولد وأمه وأحميهما من الوحش ، ربما الهدف أن أقتل الوحش لأتحرر أنا . النهار كله بلا حلم ألازم سريري بحثاً عن بادرة تقربني منهم . فجأة سطع وجه الدكتورة في بالي بقوة ، أحسستها منقذي الوحيد . أحمد الله أن هواتفها مازالت في الذاكرة ، أضغط الأرقام ولا أعيد تخزينها في الجهاز ، وكل مرة قبل أن يرن هاتفها أقطع الاتصال ، وأهرب من غرفتي . ---------------------------------------------------------- ساطعٌ كنبوءة ، واضح كإشارات الفأل السيئ ؛ وسمية في عيادتي تحاول ارتداء معطفي . الغريب أنها مختفية من فترة ، غيابها علامة أخرى سيئة ، يجب أن أتصرف بسرعة . على أريكتي أستلقي ، أسترخي ، شهيق ، زفير ، وجه وسمية بدأ يظهر بشكل واضح . - وسمية اتصلي بي الآن . بعد أن أنتهي من جلسة التخاطر هذه أفكر فيها ، لقد أحببت هذه الفتاة حقاً ، لكن هل يجب أن يجعلني هذا الحب أُغفل تنبيهاً كهذا ؟! - د. هناء وسمية على الخط ؟ - حسناً اذهبي أنت ، سأرد عليها من هنا . أرفع السماعة : هلا وسمية ؟ ما أخبارك ؟ - أخباري أكثر تنوعاً من أن تحكى الآن ، دكتورة أريد أن تساعديني ، أريد إخراج الأولاد الثلاثة الباقين من الدائرة ، أحس أني هكذا فقط سأتطور ، وتتغير حياتي بشكل أقوى . أفكر قليلاً ، البنت تعرف طريقها أكثر مني ، يبدو أن انطلاقتها ستكون من هذا الحلم تحديداً . أستجمع ما يمكن أن أحشد به صوتي من ثقة وأقول : يا وسمية ربما يجب أن نتكلم بعقلانية أكبر ، الأحلام ليست حكايات ، ليس شرطاً أن تكون لها نهايات سعيدة ، بل ليس شرطاً أن يكون لها نهايات . - دكتورة هناء هل فقدت قناعتك بأحلامي ؟ أم بالأحلام كلها ؟ - لم أفقد قناعتي ، لكن لا يجب أن ننتظر من الأحلام أن تترك عالمها الأثيري ، وتنزل لعالمنا لتحل مشاكلنا ، أحياناً يجب أن نتصرف نحن ، ونتحمل مسؤولياتنا . أحسست وهي تودعني أنها مازالت مصدومة ، أشفقت عليها جداً هذه البنت المختلفة . أتنفس مشاعري كلها مفزوعة من لونها البني الكثيف ، ثم أنادي الخادمة . - لا أريد أن أسمع صوت وسمية مرة أخرى . - ok مدام . تمـــــــــــــــــــــــــتـــ ,,,,,
__________________
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر) | |
|
|