الرياض: د. عبير مبارك
ربما لا يود عشاق التشمس والـ«صن تان» سماع هذا الكلام الطبي، لكن الباحثين من سويسرا يقولون في دراستهم الحديثة إن أفضل سبل الحماية من الأشعة فوق البنفسجية، المسببة لسرطان الجلد، هو تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس، وارتداء ملابس تحمي منها وتقلل إلى أبعد حد من مساحة الجسم المتعرض لها بصفة مباشرة، وأن الاعتماد على استخدام مستحضرات وقاية البشرة من أشعة الشمس أوما يُعرف بالـ«صن سكرين» Sunscreen، هواختيار ثان وضعيف، لكنه لا يزال أفضل المتوفر حتى اليوم وأفضل من لا شيء.
وتأتي هذه الدراسة لأطباء الجلد في زيوريخ مع اقتراب فصل الصيف لمناطق شمال الكرة الأرضية، والإقبال الشديد من قبل الكثيرين على قضاء أوقات طويلة بالاستلقاء الكسول تحت أشعة الشمس في الشواطئ أو الحدائق أوغيرها، إما للاسترخاء أو لاكتساب بشرة برونزية أكثر جمالاً وجاذبية، وهي تُحاول توصيل رسالة صحية عن أفضل الوسائل للتعامل مع حالات التعرض المباشر للأشعة، لأن الإشكالات الممارسة، في فصل الصيف وغيره، تتراوح بين التمادي في التعرض لأشعة الشمس بدون اتخاذ وسائل للوقاية من التأثيرات الضارة لأنواع من الأشعة فيها، أو الاعتماد بشكل سيئ وخاطئ على دور مستحضرات «الصن سكرين» في الوقاية منها بدون إدراك لمحدودية دورها الفاعل في تحقيق الوقاية من أشعة الشمس. وذلك إما ركضاً وراء تقليعات اكتساب لون البشرة البرونزي، الذي يُوصف من الباحثين الطبيين بأنه وصل لدى البعض إلى حد الإدمان، وإما لتعرض آخرين لأشعة الشمس، ضمن أنشطة حياتهم اليومية، دون إدراك لضرورة اتباع الإرشادات الصحية المتعلقة بالوقاية من تأثيراتها الضارة، على الجلد والعينين.
وسائل الوقاية
* وفق ما نشرته مجلة «لانست» العلمية البريطانية في عدد الأسبوع الأول من شهر مايو (أيار) الحالى، قال الدكتور ستيفن ليوتنشلاغر، طبيب الجلد من مستشفي ترايملي في زيوريخ بسويسرا، إن ارتداء ملابس من نوعية تقي من أشعة الشمس وارتداء القبعة مع تقليل فترات التعرض المباشر لها إلى أقل حد ممكن، هو أفضل من الاعتماد على مستحضرات «الصن سكرين». وأضاف أنه يشعر أن مثل هذه النصيحة غير مقبولة في مجتمع عالمي يتميز بقضاء كثير من الأوقات «خارج المنزل». ولذا، فإنه يُمكن لمستحضرات «الصن سكرين» أن يكون لها الدور المهيمن في وسائل الوقاية من تأثيرات التعرض لأشعة الشمس، عند الرغبة الشديدة في ذلك لأسباب اجتماعية شتي، مثل الاعتقاد بأن اللون البرونزي صحي للبشرة أو للرغبة في الاسترخاء تحت أشعة الشمس، على حد قوله. لكنه استدرك محذراً بالقول إنه يجب عدم التعامل مع مستحضرات «الصن سكرين» بشكل استغلالى سيئ، في محاولات الكثيرين الاعتماد الخاطئ على استخدامها لإطالة مدة تعرضهم لأشعة الشمس إلى أطول فترة ممكنه.
ويتفق الخبراء مع هذا الكلام، إذ يُعلق البروفسور مارتن وينستوك، طبيب الجلد بجامعة براون ورئيس لجنة خبراء مجموعة سرطان الجلد التابعة للمجمع الأميركي للسرطان، بالقول إنه من مؤيدي اقتراحات المجمع الأميركي للتعامل مع التعرض لأشعة الشمس، والتي تُدعي «سليب ـ سلوب ـ سلاب» Slip-Slop-Slap . أي ارتدِ قميصا، وتدثر بـ«الصن السكرين» بصفة فضفاضة، والتصق بارتداء القبعة، وهي الطريقة الآمنة خلال التعرض لأشعة الشمس أثناء ممارسة الأنشطة الحياتية خارج المنزل. ووفق ما تقوله مجموعة الباحثين السويسريين فإن لنوعية الملابس التي نرتديها خارج المنزل دورا مهما في اختلاف مقدار تحقيق عامل الوقاية من أشعة الشمس ( sun protection factor SPF) . وأعطوا أمثلة على أن الملابس المصنوعة من الأقمشة المنسوجة بإحكام، دون ترك ثغرات فيما بين أجزائها، والملابس المصنوعة من أقمشة متينة، مثل الدنيم القطني السميك، أو من الصوف، أو البوليستر، كلها تُوفر حماية أفضل وأعلى. في حين أن الملابس المصنوعة من القطن أو الكتان توفر الحماية الأقل.
أنواع الـ«صن سكرين»
* في ما يختص بأنواع «الصن سكرين»، قال الباحثون إن ثمة نوعين منها، العضوي وغير العضوي. وغير العضوي منها يعمل عبر تشتين حزم الأشعة ما فوق البنفسجية باستخدام الزنك أوالتيتانيوم. وهذا النوع من السهل تقبل البشرة له، ولذا يتسبب في آثار قليلة من الحساسية. وعليه هو الأفضل للاستخدام على بشرة الأطفال. في حين أن الأنواع العضوية من مستحضرات «الصن سكرين» تمتص الأشعة فوق البنفسجية ولا تشتتها. وهي مصنوعة من مواد عضوية معقدة في التركيب، تحتوي على جزيئات تمتلك خواصا للوقاية من الضوء photoprotective ، وهي تتطلب أن تُوضع على الجلد قبل حوالي 15 إلى 30 دقيقة قبل التعرض لأشعة الشمس.
كما قالوا إن ثمة أنواعا مقاومة لتأثيرات الماء في إزالتها عن سطح الجلد، وتُستخدم لتقليل الحاجة إلى إعادة وضع المستحضر، خاصة مع تكرار تجفيف ابتلال الجلد بالمناشف مرات عديدة أثناء أوقات السباحة أوعند ارتداء الملابس واحتكاكها بطبقة كريم مستحضرات «الصن سكرين» الموضوعة على الجلد، أو مع زيادة التعرق أو عند التمرغ بالرمل أو غيرها من الأسباب التي تُقلل من تواجد طبقة «الصن سكرين» التي تم وضعها.
ولا تزال وكالة الغذاء والدواء الأميركية تُؤكد بعبارات صريحة على ضرورة عدم الاعتماد الكلي على مستحضرات «الصن سكرين» في الوقاية من التأثيرات الضارة للأشعة فوق البنفسجية لحزم أشعة الشمس. وترى انه بالرغم من أن استخدامها هو إستراتيجية مهمة للحماية إلا أن الوكالة تستمر في نصح الناس بوقاية أنفسهم من التعرض المباشر لأشعة الشمس وتقليل وقت ذلك، وارتداء ملابس تحمي منها، إضافة إلى استخدام المستحضرات تلك. ولذا، فإن المصادر الطبية تُحذر من كثرة التعرض للشمس في الصيف اعتماداً على استخدام تلك المستحضرات فقط. وترى أن ثمة مشكلة في أن الناس يُقدرون بايجابية عالية وغير واقعية فاعلية تلك المستحضرات، إضافة إلى أنهم لا يستخدمونها بالطريقة الصحيحة للوقاية من تأثيرات أشعة الشمس على الجلد.
«عامل الوقاية» * مما لا شك فيه أن وجود هذه المستحضرات بصفة عامة أفاد كثيراً من الحد من انتشار موجات وبائية لسرطان الجلد في مجتمعات العالم كافة. لكن أحد أهم الأخطاء، الاعتقاد بأن كل ما يجب على الإنسان فعله هو استخدامها ووضعها على جلده. كما أن الخطأ الآخر هو الاعتقاد بأنه كلما ارتفع مقدار قوة المواد فيها وفق معيار تقويم قوتها، كان بإمكان الإنسان البقاء لمدة أطول تحت أشعة الشمس الحارقة. والملاحظ أن وكالة الغذاء والدواء الأميركية باتت لا تسمح لمنتجي المستحضرات تلك إلا بالكتابة عليها أن قيمة القوة تصل إلى حد 30 أو كتابة أن قوتها أعلى من 30 فقط، دون ذكر أرقام أكبر، كي لا يتم تضليل المستخدم بأن ممن الممكن له حال استخدامها أن يظل تحت أشعة الشمس مدة طويلة. ومُصطلح عامل الوقاية من الشمس «Sun Protection Factor SPF» هو معيار يُستخدم بالأصل في المختبرات لقياس المدة الزمنية التي تستغرقها الأشعة فوق البنفسجية في حرق الجلد حينما يتعرض لها. ومعلوم أن ما ينطبق في المختبرات على جلد بعض الناس ليس بالضرورة شبيهاً لما يحصل مع جلد أناس آخرين، خاصة عند التعرض لكميات مختلفة من الأشعة فوق البنفسجية للشمس مباشرة. ويستطيع الإنسان عملياً أن يُحدد المدة الزمنية اللازمة لكي يبدأ احتراق الجلد لديه وظهور أولى علامات ذلك وهي الاحمرار. ولو كانت 10 دقائق، فإن استخدام مستحضر بقوة 30 مثلاً يعني أن بإمكانه البقاء تحت أشعة الشمس لمدة 300 دقيقة قبل بدء ظهور الاحتراق على جلده. لكن الحقيقة ليست كذلك، إذْ ان احتراق الجلد قد يحصل قبل ذلك بمراحل. بالإضافة إلى أن قوة عامل الوقاية من الشمس تتلاشى بسرعة مع مجرد نشر المستحضر على الجلد، أو بالعرق، أو التعرض للماء أثناء السباحة، مما يعني أن الحماية التي سيحصل الإنسان عليها قد لا تتجاوز ساعة.