السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا مقال كتبته في المرحوم - بإذن الله - الكاتب محمد صلاح الدين الذي وافته المنية في آخر يوم من شهر رمضان. المقال نزل اليوم في صحيفة المدينة.
أرجو الدعاء له والله يحفظكم.
رابط المقال:
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
رحمك الله يا أبا عمرو
الثلاثاء 06/09/2011
ودار الفلك، ومضى أمر الله وقدره في رجل عرفناه من زاويته اليومية « الفلك يدور « في صحيفة المدينة.
محمد صلاح الدين لم يكن كاتباً عادياً بل كان رجلاً ملهماً يحمل رسالة عاش من أجلها ونافح في سبيلها إلى أن داهمه المرض وحال بينه وبين ما اعتادت عليه نفسه من تلمّس لمواضع الخلل في أمته ووصف العلاج الناجع لتلك العلل. لقد تابعت مقالاته منذ سنوات طويلة وكنت شغوفاً بشراء صحيفة المدينة يومياً حتى استمتع بقراءة مقالاته لأنني أشعر أنه يعبّر عمّا في نفسي ونفس كل غيور على هذه البلاد الطاهرة وجميع بلاد المسلمين. لم يكن هذا الرجل يستجدي في كتاباته ولا يبحث عن الشهرة الزائفة، ولكنه كان يبحث عن الحق ويدور في فلكه كما حسبناه والله حسيبه. كان جاداً في طرحه، أميناً في نقله ، مستشعراً مسؤولية الكلمة - أمام الله - ودورها في بناء المجتمع.
لقد دفعني الإعجاب به للتواصل معه من خلال الهاتف، ثم الزيارات المتكررة. لم يكن لي به سابق معرفة. لم يعتذر يوماً عن الرد عليّ إذا اتصلت بمكتبه وكان موجوداً، بل إنه أعطاني رقم مكتبه المباشر لتسهيل التواصل معه. لم يعتذر عن المقابلة إذا ذهبت لزيارته. كان طلق المحيا، دائم الابتسامة.
خنقتني العبرة حين تلقيت نبأ وفاته. لقد هوى صرح شامخ من رموز الفكر والأدب والإعلام في بلاد الحرمين. اتصلت ببعض من ظننت أنهم من أصدقائه لأعبر لهم عما في نفسي من مشاعر الألم ولأخفف عن نفسي مما أصابها من الكدر. دعوت الله في صلواتي أن يغفر له ويرحمه. كنت شغوفاً بالاحتفاظ ببعض مقالاته وقد ضاع مني الكثير منها بكل أسف. فتحت الملف الذي به بعض المقالات فكان أول مقال له وقعت عليه عيني بعنوان: « بين شولميت ألوني .. وكولن باول « في العدد رقم ( 14146 ) من جريدة المدينة الصادر في 1 ذي القعدة 1422هـ. أورد – رحمه الله – كلاماً قوياً للوزيرة الإسرائيلية السابقة شولمت ألوني تنتقد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شارون – لا شفاه الله – ووزير دفاعه ورئيس الأركان الذين وصفتهم فيه بالسفاحين وذلك عند هدمهم 124 منزلاً للفلسطينيين وتشريدهم أكثر من 500 فلسطيني من ساكنيها.
ومما ورد في المقال: « لقد اختارت إدارة الرئيس بوش أن تنحاز لأسوأ ما في الصهيونية من جريمة وعدوان وأشنع ما تمثله من عنصرية وإرهاب دموي، وأن تكون صهيونية أكثر من الصهيونية نفسها، وليس يحتاج المرء لسعة اطلاع أو كبير معرفة ودراية سياسية ليدرك أن هذا الانحياز الأعمى للشر الصهيوني والتأييد المطلق للجريمة والإرهاب والاحتلال الإسرائيلي إنما يمثل إضراراً بالغاً بالمصالح العليا للشعب الأمريكي وخيانة لقيمه ومثله فضلاً عن مناقضته لكل قوانين السماء « وقال: « هل أفلحت القبضة الصهيونية في أن تحول الديمقراطية الأمريكية إلى لعبة قذرة تنحني لها أكبر الرؤوس وتدوس في سبيل إرضائها كل المثل والقيم» انتهى النقل من كلامه رحمه الله.
يعلم الله أنه المقال الأول الذي وقعت عيني عليه ولم أبحث عن غيره ليقيني أن كل مقالاته تحمل معاني عظيمة بقدر عظمة كاتبها وسموّ منزلته وأخلاقه.
أدعو كتّابنا الكرام للتأسي بهذا الرجل الذي كرّس حياته لخدمة قضايا أمته. وليعلم كل كاتب أنه سيلقى ربه وأنه مجزي بكل كلمة يقولها.
وما من كاتب إلا سيفنى .... ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيءٍ ... يسرك في القيامة أن تراه
إن رحيل محمد صلاح الدين عبرة للجميع. لقد تألمنا لفراقه ولكنه حكم الله وقدره. اقترح على المسؤولين في جريدة المدينة الغراء أن يعيدوا نشر مقالاته تحت عنوان: « وفاء لمحمد صلاح الدين وقرائه « أو أي عنوان يرونه مناسباً.
رحمك الله يا أبا عمرو رحمة واسعة وجعل جهادك في سبيل الخير رفعة في درجاتك، وجعل ما أصابك من المرض تكفيراً لسيئاتك وزيادة في حسناتك. إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك لمحزونون.
أحمد محمد الغامدي- جدة