" فضل البنات"
قال تعالى ( لله ملك السموات والأرض يهب لم يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور* أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير ) سورة الشورى: ( 50،49).
قال بن كثيرـ رحمه الله ـ في تفسيره ـ يخبر تعالى أنه خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما ، وأنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه يعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ولا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، وأنه يخلق ما يشاء ، ( يهب لمن يشاء إناثا (أي : يرزقه البنات فقط ـ قال البغوي: ومنهم لوط، عليه السلام ) ويهب لمن يشاء الذكور( أي: يرزقه البنين فقط. قال البغوي: كإبراهيم الخليل، عليه السلام -لم يولد له أنثى،. ( أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ) أي: ويعطي من يشاء من الناس الزوجين الذكر والأنثى ، أي: من هذا وهذا. قال البغوي: كمحمد ، عليه الصلاة والسلام ( ويجعل من يشاء عقيما) أي: لا يولد له. قال البغوي: كيحيى وعيسى ـ عليهما السلام ـ فجعل الناس أربعة أقسام ، منهم من يعطيه البنات ، ومنهم من يعطيه البنين ، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكوراً وإناثا ، ومنهم من يمنعه هذا وهذا ، فيجعله عقيما لا نسل له ولا يولد له ، ( إنه عليم ) أي: بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام ، ( قدير) أي: على من يشاء ، من تفاوت الناس في ذلك"
فالواجب أن يُسلم العبد لربه فيما وهبه وأعطاه إذ الله يعطى لحكمة ويمنع لحكمة , ومن السفه الاعتراض على حكم الله , وعلي العبد شكره جلّ شأنه على عطيته : سواء أكانت ذكرًا أم أنثى, وعدم متابعة أهل الجاهلية في كرههم للبنات , فقد ذمهم الله ـ عز وجل ـ بقوله : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون الآية ) سورة النحل : ( 58،59 (قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن الله كره لكم ثلاثًا : عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات " روى الإمام أحمد والطبراني عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا تكْرَهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات ".
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت . فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار " متفق عليه
وفي إجابة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ على السؤال التالي:
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن كن له حجابًا من النار " هل يكن حجابًا من النار لوالدهن فقط أم حتى الأم شريكة في ذلك ؟ وأنا عندي ولله الحمد ثلاث بنات؟
فأجاب ـ رحمه الله ـ الحديث عام للأب والأم بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من كان له ابنتان فأحسن إليهما كن له سترًا من النار " وهكذا لو كان له أخوات أو عمات أو خالات أو نحوهن فأحسن إليهن فإنا نرجو له بذلك الجنة ، فإنه متى أحسن إليهن فإنه بذلك يستحق الأجر العظيم ويحجب من النار ويحال بينه وبين النار لعمله الطيب ، وهذا يختص بالمسلمين ، وسئل: رحمه الله: ما هو هذا الإحسان المذكور في الحديث ؟ فأجاب : الإحسان للبنات ونحوهن يكون بتربيتهن التربية الإسلامية ، وتعليمهن وتنشئتهن على الحق والحرص على عتهن وبعدهن عمَّا حرم الله من التبرج وغيره ، وهكذا تربية الأخوات والأولاد الذكور إلى غير ذلك من وجوه الإحسان ، حتى يتربى الجميع على طاعة الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والبعد عن محارم الله والقيام بحق الله ـ سبحانه وتعالى ـ وبذلك يعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط ، بل المراد ما هو أعم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا " .
ولنا في الهادي البشير قدوة حسنة فقد كان عليه الصلاة والسلام يحنو على البنات ، ويحمل حفيدته أمامه في صلاته.. وكان ـ صلى الله عليه وسلم إذا دخلت عليه ابنته فاطمة قام إليها فأخذ بيدها فقبلها ، وأجلسها مجلسه... وقد جاء الإسلام بالعدل والمساواة بين الذكر والأنثى في الحب وفي العطاء، وفي تقديم الهدايا والمال ، وفي التثقيف وطلب العلم ، وفي المعاملة سواء، حتى في القُبلة سواء بسواء. عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً كان عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجاء ابن له فقبَّله وأجلسه على فخذه وجاءت بنية له فأجلسها بين يديه ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ألا سويت بينهما ؟!" وكان أبو بكرـ رضي الله عنه ـ يدخل على ابنته أسماء ويقبلها ويسأل عن حالها. قال البراء ـ رضي الله عنه "... فدخلت مع أبي بكر على أهله فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حُمي ، فرأيت أباها يقبل خدها ، وقال : " كيف أنت يا بنية " رواه البخاري .
وهنا نقول لكل أب وكل أم : إن البنات حجاب من النار وعلى المسلم أن يشكر الله على عطيته : سواء أكانت ذكرًا أم أنثى و يبتعد عن العادات الجاهلية والتقاليد التي تفضل الذكر على الأنثى. فإن كثيراً من الآباء يتضايقون من إنجاب البنات ، وعندما تُولد لأحدهم البنت ينزعج ، ويصل الأمر إلى سخط قدر الله وقضائه واضعا اللوم على عاتق المرأة وكأن سبب إنجاب البنات يخصها هي ، وكم من مشكلة حدثت بسبب ذلك ، كتطليق الزوجة ، أو تهديدها بالزواج من أخرى ، أو تعييرها بالبنات ، وغير ذلك من الممارسات المنافية لشرع الله , حتى أصبحت المرأة تخاف من شبح ولادة الأنثى ، وإذا علمت قبل الوضع ربما أغمي عليها أو أجهشت بالبكاء ، الأمر الذي يؤثر على نفسيتها ، ومن ثم على صحة الجنين وصحتها أيضاً. مع أن الأطباء والعلماء قالوا إن المرأة لا علاقة لها بتحديد جنس الجنين علميا.
وقد كان على الأب أن يشكر الله ويرضى بقضائه وقدره ففي ذلك الخير كل الخير قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من عال جاريتين حتى تدركا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين " وضم أصابعه . قال ابن بطال: " حقٌّ على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة , ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك" وقال محمد بن سليمان : "البنون نعم والبنات حسنات , والله عز وجل يحاسب على النعم ويجازي على الحسنات" .
وقال صالح بن أحمد: كان أبي إذا ولد له ابنة يقول: " الأنبياء كانوا آباء بنات " ويقول: " قد جاء في البنات ما قد علمت " وقال يعقوب بن بختان: ولد لي سبع بنات فكنت كلما ولد لي ابنة دخلت على أحمد بن حنبل فيقول لي: "يا أبا يوسف الأنبياء آباء بنات فكان يذهب قوله همي " وقَالَ الإمام قتادة ـ رضي الله عنه ـ : "رب جارية خير من غلام قد هلك أهله على يديه.."
وقال منصور الفقيه :
أحبّ البنات ، فحبّ البـنـات فرضٌ على كلّ نفسٍ كريمه
لأن شعيبا لأجل الـبـنـات أخدمه الله موسى كلـيمـه
وأخيرا فإن لحسن التربية مردوداً جيداً , و لئن كان من واجب الأب الحرص على تربية أولاده وتنشئتهم تنشئة إسلامية صحيحة ويتحقق ذلك بتوفيق من الله أولا ثم بتعاون الأم إلا انه من المعلوم أن مسؤولية تربية البنات تقع بصفة خاصة على عاتق الأم أكثر من الأب ، لأنها أكثر التصاقاً بهن وإدراكاً لشؤونهن ، والبنت غالباً تميل لمحاكاتها في تصرفاتها وأخلاقها ، لهذا ينبغي أن تكون الأم قدوة حسنة لبناتها في جميع شؤونها والحرص على تأديبهن بأدب الأنثى ، فكلما زاد حياء وحشمة الفتاة كلما زاد علوها ومقدارها.
نسال الله العظيم الكريم أن يلهمنا الصواب وأن يصلح نياتنا وذرياتنا وأن يجمعنا جميعا مع والدينا في جنات النعيم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
جمعه وكتبه - عبد الهادي بن عبد الوهاب ا المنصوري
جدة في 17/4/1431هـ