كيف تحلبين البقرة ؟!
أسهل طرق قتل الموهبة أن تُسأل سؤالاً استفزازياً في وقت غير مناسب وأمام حشد ألتف للتعبير عن مواهبه وتفعيل العصف الذهني في حدوده الدنيا .
أو هذا ما وقع فيه أحد القيمين على الشأن التربوي بإحدى محافظات المنطقة الغربية ، عندما قام بزيارة أثناء البرنامج المسائي للموهوبين في تلك المحافظة . إذا ابتدرهم بسؤالهم عن كيفية صعود النخلة ، فجاوبه البعض وصمت البعض الآخر ، ودون أدنى تقدير أو ارتجاع ذهني اتبع سؤاله بعبارة : هل هؤلاء طلاب موهوبون ؟!
فما كان من أولئك الطلاب إلا أن تقدموا بشكوى لإدارة التربية والتعليم في المحافظة ؛ احتجاجاً على ما تركه من أثر سلبي في نفوسهم واستنكاراً لردة فعله تجاه إجابات بعضهم وسكوت البعض الآخر ، وانتهى الخبر بأن هناك تحقيقاً فيما حدث وسيتم اتخاذ الإجراء اللازم !
ولكن بعد ماذا ؟! بعد أن ضرب المسمار الأول في الخزان المعرفي لأولئك النشء ، وأي نتيجة بعدها قد لا يخفف من وقع ما حدث بالنسبة لهم إلا أن يعود ذلك التربوي فيعتذر أولاً ثم يشكرهم على أنهم أكثر فطنة منه ، وأن الشكوى التي تقدموا بها تعبر عن موهبتهم ، عندما لم يكن هو في سنهم قادراً لأن يدافع عن موهبته إلا بتلك الطريقة التي ظهرت منه أمامهم !
وفي الشأن الحياتي ، الكثير من تلك الصور التي توأد فيها المواهب بكل تعمد وعدم اكتراث لما قد يتركه ذلك التقزيم من أثر نفسي يستمر مع من تعرض له باقي حياته ، هذا إذا لم يدفع به لأن يمارس نفس الأسلوب متى أصبح قيماً على شأن يرعى الموهبة ، أو ينحرف بموهبته إلى مجال آخر لا علاقة له بنفع البشرية ، فكما ندفع بالموهوبين إلى فضاءات أرحب من نفع الإنسان والوطن ، يأتي من يغذي فيهم نزعة التدمير والانتقام .
وعلى نحو آخر من تدمير الإبداع الحياتي البسيط على مستوى الأسرة ، كأن تبتدر شريكة العمر أثناء انهماكها في تهيئة المنزل ، أو إعداد وجبة جديدة تختبر فيها قدراتها على إجادتها الطبخ ، أو تقابلك بوجه ضحكوك وعطر نفاذ ، وإذا بك تسألها ، كيف تحلبين البقرة ؟!
فكم من موهوب أو موهوبة ، انتهت بهم كلامات غير محسوبة إلى عصف ناقم ، ومع ذلك لتكن كلمات مشجعة لإثبات الموهبة ، وبقليل من الصبر تداوى العقول المجروحة .
الرياض 2/6/1430هـ
ملحوظة : ماورد أعلاه لايلغي ما أكنه للمعلم والمعلمة والتربوي من دور في تنوير المجتمع منذ نعومة أجياله .