: 2/3 تابع الاستغفار :
فضل الاستغفار
1ـ الاستغفار: سبب لمغفرة الذنوب , ونزول الأمطار ، والإمداد بالأموال والبنين , ودخول الجنات : يقول الله عز وجل على لسان سيدنا نوح ـ عليه السلام ـ ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدرَاراً * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا ) سورة نوح ( 9ـ 12) قال القرطبي : قوله تعالى ( فقلت استغفروا ربكم ) أي : سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان ، ( إنه كان غفاراً ) أي : لم يزل كذلك لمن أناب إليه . وقال تعالى: ( ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما ) سورة النساء : آية (110) قال بن عباس ـ رضي الله عنه ـ أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وكرمه ، وسعة رحمته ومغفرته ، فمن أذنب صغيرا كان أو كبيرا ، ثم يستغفر الله ، يجد الله غفورا رحيما ، ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال . وخرج الإمام احمد من رواية أخشن السدوسى قال : دخلت على أنس فقال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول " والذى نفسى بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم و جاء رجل الى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال ( يا رسول الله أحدنا يذنب ، قال : يُكتب عليه ، قال : ثمّ يستغفر منه ، قال : يُغفر له ويُتاب عليه ، قال : فيعود فيذنب ، قال : يُكتب عليه ، قال : ثمّ يستغفر منه ويتوب ، قال : يُغفر له ويُتاب عليه ، ولا يملّ الله حتّى تملّوا " وقال ـ صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يذنب ذنبا فيقوم فيتوضأ فيحسن الوضوء ، ثم يستغفر الله ، إلا غفر الله له ".
2ـ إغاظة الشيطان ، ففي حديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه أن رسول الله قال " إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم , فقال الرب تبارك وتعالى " وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" قال الحسن رحمه الله تعالى : بلغنا أن إبليس قال : سوّلت لأمّة محمّد المعاصي ، فقصموا ظهري بالاستغفار. وعن عليّ قال : " خياركم كلّ مفتّن توّاب ، قيل : فإن عاد ؟ قال : يستغفر الله ويتوب ، قيل : فإن عاد ؟ قال : يستغفر الله ويتوب ، قيل : فإن عاد ؟ قال : يستغفر الله ويتوب ، قيل : حتّى متى ؟ قال : حتّى يكون الشيطان هو المحسور " . وقيل للحسن " ألا يستحي أحدنا من ربّه يستغفر من ذنوبه ثمّ يعود ثمّ يستغفر ثمّ يعود ؟ فقال : ودّ الشّيطان لو ظفر منكم بهذه ، فلا تملّوا من الاستغفار " .
3ـ زيادة قوة الجسم وصحة البدن والسلامة من العاهات : قال تعالى ( ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ْ) سورة هود (52) .
4ـ أمانٌ من العذاب : قال تعالى ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) سورة الأنفال (33) ، وقد روي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال " كان في الأرض أمانان من عذاب الله وقد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به.. أما الأمان الذي رفع فهو رسول الله ، وأما الأمان الثاني فهو الاستغفار" ، وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أنس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله يقول إني لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في وإلى المتهجدين والمستغفرين بالأسحار صرفت عنهم العذاب بهم "
5ـ تكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفع الدرجات ( وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ) سورة البقرة من الآية (58) وقال تعالى ( للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد * الذين يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار* الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار) سورة آل عمران (15ـ17) .
6ـ الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات يزيد الحسنات , قال النبي ـ صلي الله عليه و سلم ـ " من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن و مؤمنة حسنة ".
7ـ الاستغفار يُنال به المتاع الحسن وبه تُفتّح مغاليق الأمور , قال الله تعالى ( استغفروا ربكم ثم تتوبوا اليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضلة ) سورة هود من الآية (3).
صيغ الاستغفار واوقاته:
الاستغفار كما ورد درجات :
أولاها : الاستغفار المقرون بالتّوبة وهي أعلاها .
الثّانية : الاستغفار بالقلب واللسان من الذّنب ، لكن دون أن يقترن به توبة أو عزم على الإقلاع ، وهذه أدنى من الّتي قبلها لكنّها محمودة به .
الثّالثة : الاستغفار العام باللّسان دون القلب ، قال عنه القرطبي : " قال علماؤنا : الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان لا التلفظ باللسان ، فأما من قال بلسانه : استغفر الله ، وقلبه مُصِرٌّ على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار وصغيرته لاحقةٌ بالكبائر " وقد يكون الإصرار مانعا من الإجابة .
ومن أفضل أنواع الاستغفار :
أن يبدأ العبد بالثناء على ربه , ثم يثنى بالاعتراف بذنبه , ثم يسأل الله المغفرة . كما فى حديث شداد بن أوس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " سيد الاستغفار أن يقول العبد " اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوأ لك بنعمتك على وأبوأ بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها فمات قبل أن تُصبح فهو من أهل الجنة " ( خرجه البخاري )
والاستغفار من الأذكار المطلقة ، ليس له زمن محدد ، و يختار العبد لنفسه ما يناسب مقام الاستغفار ويشرع في كل وقت وبخاصة عند فعل الذنوب ، و بعد الأعمال الصالحة ، وفي مقدمتها الصلاة فهي من أعظم مواطن الاستغفار وأحراها بنيل المغفرة ، وفي الأسحار حيث وعد الله المستغفرين بالأسحار وعداً كريماً فقال: ( إن المتقين في جنات وعيون * آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين * كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون) الذاريات (15-18 ) ذكر بعض المفسرين رحمهم الله تعالى أن يعقوب عليه السلام قال لبنيه ( سوف أستغفر لكم ربي ) أي: أخرهم إلى وقت السحر , وفي أوقات الصباح والمساء وقد أمر الله عز وجل به رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: (واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار (سورة غافر )55 ) ، و بعد الحج قال تعالى: ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) البقرة (199) وغير ذلك. قال الحسن: " أكثروا من الاستغفار في بيوتكم ، وعلى موائدكم ، وفي طرقاتكم ، وفي أسواقكم ، وفي مجالسكم ، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة ) . ومن أهم ما يسأل العبد ربه مغفرة ذنوبه وما يستلزم ذلك كالنجاة من النار ودخوله الجنة.. قال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لرجل : " كيف تقول في الصلاة ؟ قال: أتشهد وأقول اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ حولها ندندن " وقال أبو مسلم الخولانى " ما عرضت لي دعوة فذكرت النار إلا صرفتها إلى الاستعاذة منها وقد كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ ينوع في طلب المغفرة ، ويعدد الذنوب بأنواعها ، فيقول" اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي جدي وهزلي ، وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير" .و قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ منْ قال " استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو ِالحي القيوم وأتوب ، غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف " و قال " ـ صلى الله عليه وسلم ـ " من قال حين يأوي إلى فراشه : استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ـ ثلاث مرات ـ غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ، وإن كانت عدد ورق الشجر ، وإن كانت عدد رمل عالج ، وإن كانت عدد أيام الدنيا " .وكان يكثر أن يقول قبل موته : ( سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه ) و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " ما رأيت أحدًا أكثر أن يقول أستغفر الله وأتوب إليه من رسول الله ـ صلى عليه وآله وسلم ـ " و قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً غُفر له ذنبه ".وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " من جلس مجلسا كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك " .
و روي عن لقمان عليه السّلام أنّه قال لابنه " يا بنيّ عوّد لسانك : اللّهمّ اغفر لي فإنّ لله ساعات لا يردّ فيها سائلاً .
أسـتغفر الله مما يعلم الله إن الشقي لمن لا يرحم الله
ما أحـلم الله عمن لا يراقبه كل مسيء ولكن يحلم الله
فاستغفر الله مما كان من زلل طوبي لمن كف عما يكره الله
طوبي لمن حسنت منه سريرته طوبي لمن ينهي عما نهى الله
اللهم آت أنفسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها.. اللهم اجعلنا من الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه،،، يتبع3/3 بأذن الله.
جمعه وكتبه الراجي عفو ربه عبدالهادي بن عبدالوهاب المنصوري
جدة13/6/1431هـ