إن كشوف العلم ومسيرة التاريخ وحقائق الواقع في مختلف بقاع الأرض كلها تشهد بوضوح تام بأن المجتمع المكبَّل بالتعصب هو ضحية ظروف وأوضاع تاريخية وثقافية وسياسية فهو لا يتعمَّد التعصب بل لا يعرف أنه متعصب ولا يعترف بأنه مغلول بهذا القيد الثقيل وإنما يتوهم أنه الأشد حرصاً على الحقيقة والأكثر امتلاكاً لها بل المالك الوحيد للحقيقة الناصعة المطلقة
؟ إن التعصب كارثة على أهله قبل أن يكون عدواناً على غيرهم وهو انغلاق للعقل وانطماس للبصيرة وحجر على الذات ولكنه ليس اختياراً يختاره الفرد أو المجتمع وإنما ينشأ الناس في بيئة تقوم على التعصب لعرق أو قومية أو مذهب أو طائفة فيتربون عليه ويتبرمجون به ويصبحون أسرى له فبالتنشئة يمتزج التعصب في نفوس الأفراد وينغرس في أعماق وجدانهم تتشرَّبه عقولهم وتتشكّل به طبيعتهم فيصيرون معجونين به: فكراً وعواطف وقيماً وأخلاقاً فلا يخطر على بالهم التساؤل حوله ولا التشكُّك به فهو في نظرهم قمة الكمال فالحماس له هو ذروة الصدق والصفاء والإخلاص فيستميتون في الدعوة إليه والدفاع عنه لأنهم لا يدركون طبيعته فهم مندمجون فيه وليس بينهم وبينه أية مسافة ليتاح لهم إمعان النظر فيه بتجرد والحكم عليه حكماً موضوعياً وبسبب ذَوَبانهم به فإن حماقاته محجوبة عنهم فلا يمكن لهم الانفكاك منه لأنهم لن يسعوا لهذا الانفكاك فهم راضون عنه ومغتبطون به فيستحيل عليهم التخلص منه إلا بمؤثر طارئ قوي جارف من خارج النسق ينتزعهم انتزاعاً من قواقع التعصب ويخرج بهم إلى فضاءات الانفتاح وآفاق التسامح..
إن كشوف العلم ومسيرة التاريخ وحقائق الواقع في مختلف بقاع الأرض كلها تشهد بوضوح تام بأن المجتمع المكبَّل بالتعصب هو ضحية ظروف وأوضاع تاريخية وثقافية وسياسية فهو لا يتعمَّد التعصب بل لا يعرف أنه متعصب ولا يعترف بأنه مغلول بهذا القيد الثقيل وإنما يتوهم أنه الأشد حرصاً على الحقيقة والأكثر امتلاكاً لها بل المالك الوحيد للحقيقة الناصعة المطلقة، إنه ضحية هذا الوهم الوبيل الذي يتشرَّبه الأفراد منذ الطفولة ويتشكلون به فيصبح كل فرد تجسيداً له فلا يصح أن يعامل المتعصب إلا من هذا المنظور العلمي: إخلاصاً له وإشفاقاً عليه ورغبة في شفائه من مرضه العضال وليس تشنيعاً عليه أو شماتة به بل تبصيراً له فتقدم له طاقة فكرية إضافية تنتشله من أنفاق الوهم وتخرجه من خنادق التعصب ليتمكن من الإفلات من قيوده ويتغلب على قصوره الذاتي التلقائي فيجب أن يعامل كمريض مصاب بمرض عضال مزمن يتطلب شفاؤه الكثير من الإخلاص والصدق والمعرفة والجهد والمهارة والمرونة والمطاولة..
ولكن المعضلة انه إذا كان المرضى يسعون لطلب العلاج فإن مرضى التعصب سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات لا يعترفون بمرضهم بل يتوهمون أنهم الأكثر عافية فهم يسعون لضم الآخرين إليهم أما أن يسعوا للتخلص من كارثة التعصب فهو محال لأن المتعصبين لا يدركون تعصبهم ولا يعترفون به بل يرون أنهم على الحق المبين وأن غيرهم في الضلال البواح..
أما النقطة الأخرى المهمة التي يجب التأكيد عليها فهي إبراز أن التعصب هو الأصل في كل الثقافات أما الانفتاح والتسامح والاعتراف بحق الاختلاف وإدراك نسبية الفهم البشري للحقائق فكلها إنجازات إنسانية طارئة لم تتوصل إليها البشرية إلا بعد قرون متطاولة من الغرق في الصراعات القومية والحروب الدينية والعرقية والطائفية والمذهبية والإثنية فاستيقظت بعض الشعوب من سبات الوثوق المغلق وشُفيت من عمى التعصب الأخرق وراحت توسع آفاق التلاقي مع الآخرين وتتخلص من متاريس التعبئة البليدة المزمنة فظن المستنيرون بأن الاستنارة ستمتد لكل الأمم وسوف تتمتع بها كل الشعوب وغابت عنهم فظاعة وقوة العوائق الثقافية المتوارثة..
لقد ساد الظن في عصر الأنوار وفي القرن التاسع عشر بأن تعميم التعليم في كل أقطار الأرض سوف يضيء العقول ويؤدي تلقائياً إلى انبلاج الوعي الإنساني فيقضي على التعصب وتتقارب الأمم وتتآخى الشعوب وتزول أسباب العداوات ويتوقف المختلفون عن الاقتتال فيعترف الجميع بحق الاختلاف وتنتهي ادعاءات امتلاك الحقيقة المطلقة ويدرك الكل سذاجة أوهام الكمال والوصاية على الغير ولكن تجارب الأمم خلال القرنين الماضيين كشفت بأن العقل يحتله الأسبق إليه وأن التنشئة التلقائية تصوغ الأفراد في الطفولة فتتشكَّل عقولهم ونفوسهم وقيمهم واتجاهاتهم قبل مرحلة التعليم لذلك فإن تعميم التعليم الحديث لا يكون مجدياً ما لم يسبقه ويصاحبه التفكير النقدي الذي يؤدي إلى الخروج من متاريس التعصب والانتقال من ظلمة الانغلاق إلى ضياء الانفتاح ومن ضيق التعصب إلى سعة التسامح ومن ثقافة الإخضاع إلى ثقافة الإقناع فلا جدوى من التعليم إلا بحرية النقاش والاعتراف بحق الاختلاف وقبول النقد بل والترحيب به والحث عليه بوصفه مفتاح طاقات العقل وبه تتعرى الأخطاء وتبرز الإيجابيات وتتقلص السلبيات كما انه لكي يكون التعليم مجدياً يجب أن يكون قائماً على احترام خيارات الآخرين والتخلي عن أوهام الامتياز أو الوصاية على الناس والتركيز على طلب الحقيقة وتأكيد صعوبة التحقق منها والتعريف بالعوائق النفسية والثقافية التي تحجبها واحترام نتائج البحث الموضوعي الأمين وإدراك قصور المعرفة الفردية مهما بلغت..
إن توفُّر البيئة العلمية التي ترحب بالشك المنهجي وتتقبَّل النقد وتحفز إلى تحري الحقيقة الموضوعية وتلتزم بها وتتحلى بالتواضع وتعترف بالنقص وترحب بكشف الخطأ ولا تستنكف من إعلانه والاعتراف به إن هذه بعض الشروط الأساسية لفاعلية العلوم واختراق بنية التخلف ونجاح خطط التنمية وتحقيق الازدهار فلا يمكن لأي مجتمع أن يخرج من أنفاق التخلف المظلمة ويتجاوز خطوط الدوران العقيمة إلا إذا هو أفلت من أسر التعصب وأطلق طاقات العقل واكتسب مهارات الفكر والفعل وأدار أموره بوعي وأمانة وشفافية ووضوح وتكامل وفاعلية..
إن التعصب يناهض العلم ويحارب التقدم ويعادي الحقيقة ويقاوم المبادرة الفردية ويستريب بالريادة المغايرة للمألوف ويخاف الأفكار الجديدة ويُدين الشك ويرفض التساؤل وينبذ النقد ويوهم أهله بالكمال والامتياز ويملؤهم بأوهام الاكتفاء ويمنع التغذية بالأفكار من خارج البيئة وهو بذلك يكتفي بالاسترجاع والاجترار ويغلق قابليات العقل ويخنق فاعليات العلم وينمي منابع الجهل ويزكي الدوران مع المسارات المعهودة ويملأ النفوس غبطة بالجهل المركَّب وخوفاً عليه وارتياعاً من نقده ويدفع المبرمجين به إلى الاستماتة دفاعاً عنه ودعوة إليه وإخلاصاً له..
إن المجتمعات المتخلفة قد أمضت أكثر من قرنين وهي مأخوذة بوهم أن تعميم التعليم سوف ينقل إليها قدرات المزدهرين فيحيل الشعوب المكبَّلة الكليلة الخاملة إلى شعوب حرة وعقلانية ومنفتحة ومتسامحة ومتوقدة وماهرة ومنتجة وغاب عن هذه المجتمعات أن التعليم في أي مجتمع محكوم بالثقافة السائدة السابقة له وليس العكس فالعلم ليس ترديداً لمعلومات جاهزة أنجزها الآخرون وإنما هو طريقة جديدة ودقيقة ومنضبطة في التفكير وهو مشاركة بالفاعلية الإنسانية المتحررة من التعصب إن العلم نتاج منظومة قيم تحترم الإنسان وتدرك فداحة الجهل المركب ورسوخه وقوته واستحالة استئصاله فالعلم بمفهومه الحديث تحقق شديد ومراجعة دقيقة وتمحيص مستمر واستعداد دائم للتدارك والتصحيح إنه انتقال إلى اهتمامات جديدة تستهدف رفع مستوى الحياة إن مهارات الفكر والعقل لا تُكتسب إلا بالممارسة والمعايشة..
إن المجتمعات المأخوذة بالتعصب وبالثقافات المغلقة قد استوردت علوم المزدهرين وتقنياتهم ومناهجهم وعمَّمت التعليم ونشرت المدارس وأقامت الجامعات وأنشأتء معاهد البحوث وأوجدت وزارات للبحث العلمي وأغدقت الإنفاق ولكنها لم تحقق ما كانت تتوقع تحقيقه بل إن الأمم شرقاً وغرباً تتواثب وتزدهر بينما هذه المجتمعات الكليلة ظلت قابعة في سراديب التخلف والجهل والفقر والقهر والهوان وذلك لأنها مأسورة بالتعصب لما ورثته من الأوضاع والتصورات والمفاهيم وطرق التفكير ومنظومة القيم فعقل المجتمع قد احتلته الثقافة الموروثة أما المعلومات الحديثة التي يتلقاها الدارسون في المدارس والجامعات فيستحيل التزاوج بينها وبين الثقافات السائدة وذلك لوجود اختلافات نوعية تحول دون هذا التزاوج وتمنع هذا الاندماج فتبقى المعلومات الحديثة قشرة سطحية مفصولة عن ثقافة المجتمع وعن البنية الذهنية للأفراد لأن ثقافة المجتمع تكونت خلال التاريخ أما البنية الذهنية للأفراد فقد تشكلت أثناء مرحلة الطفولة فجرى امتلاؤها بوعي زائف مستمد من ثقافة الارتجال والمشافهة وحين يلتحقون بالتعليم ويتلقون المعلومات الحديثة لا يكون لها منفذ الى بنياتهم الذهنية الناجزة فتبقى طلاء خارجيا لا تأثير له على سلوك الفرد ولا على طريقة تفكيره ولا على منظومة قيمه.
إن التعصب كارثة على المأخوذين به فهم ضحايا البيئة التي برمجتهم بهذا الوباء الفظيع إن التعصب من أغزر منابع الجهل وأقوى عوامل التخلف إنه السبب الأسوأ والأحط للتنافر بين الأفراد والفئات داخل المجتمع الواحد وهو الباعث الأقوى للحروب الأهلية كما أنه المحرض الأكبر للتناحر بين الشعوب والأمم إنه المرض العضال الذي استطاعت بعض الشعوب أن تتخلص منه فتقدمت وازدهرت ولكن شعوباً كثيرة ما زالت مأخوذة به فأوصد عليها أبواب التخلف وحجب عنها أسباب التقدم واستبقاها مرتهنة للجهل المزدوج والوهم المستحكم كما أبقاها مندفعة للتنافر والتناحر والاقتتال.
إن التعصب يمسخ البشر ويعطل عقولهم ويميت ضمائرهم ويفسد أخلاقهم ويملؤهم بالانفعال والاندفاع ويسلبهم قابلياتهم الإنسانية العظيمة ويحيلهم إلى كائنات كئيبة تكره الحياة وتمقت الأحياء ويجعلهم مخلوقات متفجرة بالكره مملوءة بالحقد طافحة بالتجهم زاخرة بالرعونة تنطلق طاقاتهم الهدامة كما تنطلق مياه الفيضانات الكاسحة إن نفوسهم تغلي غليان البراكين فهي متهيئة دوماً للانفجار ومستعدة أبداً لقذف اللهب وإحراق الحياة والأحياء.
إن التعصب معضلة بشرية مزمنة صاحبت الإنسان منذ آلاف السنين وهي معضلة مازالت واسعة الانتشار وفظيعة الضرر وعصية العلاج إنها معضلة ثقافية ونفسية ومعرفية وأخلاقية لذلك اهتم بها الفلاسفة والمفكرون وعلماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء الإنسان ونالت عناية الدارسين من مختلف الاتجاهات إن التعصب ليس طارئاً على الحياة البشرية بل هو الأصل في كل الثقافات وعند جميع الأفراد والجماعات والفئات والأمم فهو الذي حال دون التقارب الإنساني وهو الذي أوقف إزدهار الحضارة آلاف السنين وارتهنها ضمن مسارات ثابتة لا تتجاوزها إنه العائق الأكبر لانطلاق العقل واتساع العلم وتقدم الحضارة أما تجاوز هذا الأصل فهو انتقال استثنائي هائل إنه وثبة مدوية تؤدي إلى تغير ثقافي نوعي لذلك لا يتحقق هذا التجاوز على مستوى الأمة إلا بقفزة ثقافية هائلة تتغير بها الرؤية العامة للأمة وتتبدل مكانة الفرد ومنظومة القيم وعلاقات السلطة وطريقة التفكير وأسلوب الحياة ونمط التعامل وتركيبة المجتمع ومكونات الثقافة.
إن المجتمع المتعصب يعتقد جازماً بأنه هو وحده على الطريق الصحيح أما الذين يخالفونه فهم تائهون وحمقى وضالون وتافهون ولا يكتفي المجتمع المتعصب بأن يحجر على نفسه داخل هذا الوهم الفظيع وإنما يتوهم أن المخالفين له خطر عليه وعلى الحق وأنه لا بد من استئصالهم ومنعهم من التعبير عن أنفسهم وكانت أوروبا في العصور الوسطى والمظلمة غارقة في التعصب ثم شفيت منه بعد مخاضات عسيرة ولم تكتف بأن تكف عن الاقتتال الأرعن وإنما حزمت أمرها بأن تتحد فحققت بذلك أكبر إنجاز بشري غير أننا لن ندرك عظمة هذا الإنجاز العجيب الباهر حتى نقارنه بما يجري في العالم الثالث أو بحالة أوروبا في العصور الوسطى كما يصفها غبريال بونه في كتابه (حروب العصيان والثورة): "إن التعصب يؤدي حتماً إلى اضطرابات خطيرة وجرائم مروعة فإذا انطلق دون وازع أخذ يغترف من الجهل غذاء للضغائن والأحقاد. إننا لا نجد في التاريخ ما هو أكثر منه تسبباً بالمجادلات العنيفة والخصومات المشؤومة والحوادث المفجعة فكل من المتخاصمين يعتبر خصمه عدو الله فتهرق دماء الأبرياء في غمرة ضجيج النقمة والتشويش. إن الحروب الصليبية التي أعلنت في فرنسا على طائفة (الطاهرين) نشرت الذعر والدمار إذ مشى سيمون دي مونفور على رأس خمسين ألف مقاتل وأخذ يشن حملات ساحقة ماحقة لاتبقي ولا تذر فقد بدأ القتال في تموز عام 1209م في مدينة بيزييه حيث قتل عشرون ألف إنسان منهم سبعة آلاف ذبحوا في كنيسة واحدة وتجددت الحوادث الرهيبة في كركسون ثم في لافور حيث سادت أعمال الذبح والشنق والتمثيل وأخيراً انطلقت موجة الارهاب المشؤوم فملأت البلاد رعبا وهولاً ودماراً ولجأت البقية من (الطاهرين) الى منطقة أرياج وهناك حاصرها الصليبيون وأفنوها عن بكرة أبيها في شهر آذار عام 1244م.." وهكذا تؤكد سجلات التاريخ بأن التعصب هو الأصل في كل الثقافات وأن الشفاء منه يتطلب مصابرة هائلة فإذا أفاق المجتمع من عمى التعصب أخذه العجب من وقوعه في ذلك العمى المطبق وكأنه بهذا الخروج اكتسب عقلاً جديداً لا يمت بأية صلة لعقله السابق!!.
إن المجتمع المتعصب يدعي الكمال ضمناً حتى لو لم يعلن ذلك صراحة فهو واثق من صحة تصوراته وآرائه ومواقفه ثقة مطلقة مع أن كل جيل لم يكون ثقافته بنفسه وإنما ورثها عن الجيل الذي قبله فكل جيل يتلقى التعصب من سلفه وكل فرد في هذا المجتمع المجتر المغلق لم يصل الى هذه التصورات والآراء والمواقف عن طريق الدراسة والبحث والاستقصاء وانما تبرمج بها انسياقاً مع السائد فقد اخذها تقليداً ومحاكاة وامتصها من البيئة امتصاصاً دون اية مراجعة فاحصة.
ان المتعصب لا يرى ولا يسمع ولا يقرأ ولا يحس الا ما يؤكد تصوراته المطلقة ولا يتقبل الا ما يرسخ قناعاته المتحجرة لذلك لا يطبق رؤية المخالفين ويصاب بالرعب والانفعال اذا سمع او قرأ ما يخالف شيئاً مما لديه ومع وثوقه المطلق بتصوراته الا انه يرتجف خوفاً عليها فيتوهم ان العقائد الراسخة يمكن ان تهتز لمقالة ناقدة وان تنهار بصدور كتاب يناقش المسكوت عنه او يحلل الواقع ويبحث عن الجذور التي تغذيه لذلك فهو في حالة توفز دائم انه مملوء بالتوجس والتحسس والاستشعار انه يتوهم المؤامرات ويترقب المكائد وينتظر الغدر.
ومع ان التعصب من افتك الامراض الانسانية واشدها استعصاء على العلاج الا انه ليس محالاً شفاؤه فلقد سيطر التعصب على اوروبا قروناً فغرق الاوروبيون في الاجترار والصراعات والحروب والمذابح ولكنهم بفتح ابواب النقد والنقاش والتساؤل انتقلوا من ثقافة التعصب الى ثقافة التسامح ومن ثقافة الاخضاع الى ثقافة الاقناع انهم حين تعرفوا على ثقافات الآخرين وعاينوا الاختلافات الكبيرة في طرق التفكير وفي العادات وفي القيم لم يدفعهم ذلك رغم تفوقهم الهائل الى السخرية من هذا الاختلاف والزهو بالذات واعتبار رؤيتهم معيار الحكم وانما رأوا ان هذا الاختلاف فيه اثراء للفكر البشري وكما يرى جاك مونود ان التناقض في الرؤى يوجب علينا الاهتمام بهذا التناقض والاستفادة منه واغناء حياتنا من ايجابياته ويقول: "فنحن جميعاً متباعدون ومتمايزون بثقافاتنا وافكارنا وبروحنا وشعورنا وهذا التباعد هو الذي يسمح لنا بمحاولة التعرف على هذا الكون وطرح التساؤلات عنه" ان المقارنة بين ثقافات الامم تكشف عن نسبية ادراك الحقيقة وعن اخطاء العقل وتباينات الفهم وضلالات التصور وهي كافية لحماية الانسان من المغالاة في تقييم فهمه وتمنعه من التعصب له.