(( رب السجن أحب إلىّ ))
في موقف قرار لا يصدر إلاّ من أولي العزم والهمة أختار النبي يوسف عليه السلام السجن كملاذ أخير لما تعرّض له من الغواية والامتحان في إيمانه بالحق عزّ وجل ، وفي غريزته البشرية ، وفي انتمائه للأسرة التي اتخذته ولداً لها ، وليضرب لنا نحن البشر العاديون في عبادتنا وحياتنا ، أنموذجاً في اتخاذ القرار الإيماني والحياتي إلى يوم القيامة .
فسبحان القائل : (( قَالَ ربّ السجنُ أحبُّ إلىّ ممّا يَدعُونَنِي إليهِ وإلا تصرف عنّي كيدهنِّ أصبُ إليهنِّ وأكن مِنَ الجاهلين )) (يوسف الآية 33) .
فكم من دعوة غواية توجّه للإنسان اليوم في حياته على نحو ما تجعل من ذلك القرار وسيلة سلمية للدفاع عن الثوابت من العقيدة والانتماء الاجتماعي المختلف .
إذاً المعضلة ليست في دخول السجن هكذا تعسفاً وظلماً ، أو عقاباً مشروعاً أو اختياراً سلمياً ، بقدر ما هي مشكلة الفهم الآدمي لحركة الحياة ، بعيداً عن الوحي الإلهي ، والبيان الصحيح من ورثة الأنبياء ، والتطبيق المتوازن لكل تلك القرارات الملهمة للإنسان في مدافعة الغواية في شتى صورها .
لقد اختلطت الأمور على الإنسان في هذه الفترة من الزمن بعامة وعلى الإنسان المسلم بخاصة وأصبح في جنوحه إلى ظلم نفسه ومجتمعه الإنساني يذهب بعيداً عن الأسلم والأيسر تعبيراً عن موقفه أو تأييداً لحق غيره أو حتى حال نصرته لأمته سلماً وحرباً .
وعلى نحو ما – أيضاً - تتبدى لنا مسؤولية الفرد أينما كان موقعة في العودة إلى الموروث السوي وإعادة تجذيره في نفسه ، وبين أفراد مجتمعه ، وفي ساحات المناشط المختلفة ؛ لكي تنهض الهمم وتعود تلك الومضات الخالدة في الموافقة والمدافعة والغاية من قول كلمة الحق ؛ لتبقى ماثلة للأجيال .
وبين أشياء تباع وأخرى تشترى للبقاء طويلاً في دائرة الامتثال والضوء ليقال ويقال ولو كان في نهاية تلك الخيارات السجن في صوره المختلفة ، تبقى سورة يوسف عليه السلام قرآناً يُتعبد به الإله ، وشاهداً لنا أو علينا .