المؤمنون إخوة : ـ
من خصائص الإسلام انه دين محبة و تكافل وتراحم وتعاطف ، ربط بين المسلمين ، وجعلهم إخوة ، وعلى هذا شرع الله ورسوله للأمة ما يؤلف بينها ويقوي وحدتها ويحفظ كرامتها وعزتها ويجلب المودة والمحبة ويطرد البغضاء والفرقة , قال بعض أهل العلم : " قد وثّق الله صلاتِ المسلمين خاصّة بلُحمةٍ أقوى من النسب ، هي وحدة العقيدة ، بما ينشأ عنها من وجدان مشتركٍ وتآلُف وتعاطُفٍ وتعاون وإخاء ، لأنّ صلةَ الدم أو الجنس قد يمسّها فتور وهي أشدّ ما تكون قرابة ، أما وحدة العقيدة فإنها قرابة قويّة دائمةٌ متجسِّدة ، يذكرها المسلمون وهم ينطقون بالشهادتين في سرهم وجهرهم ، ويذكرونها في صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجهم ، ويذكرونها في طاعتهم لله وخضوعهم له واستعانتهم به ، ويذكرونها في كلِّ لمحة عين أو خفقة قلب أو تردُّد نفَس " قال الله تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأ صلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) سورة الحجرات من الآية (10) وقال تعالى : ( فأصبحتم بنعمته إخواناً ) سورة آل عمران من الآية (103) وقال سبحانه : ( فمن عفي له من أخيه شيئٌ ( سورة البقرة من الآية (178) , وقال تعالى : (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا ) سورة الفتح: من الآية ( 29 ) ، وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " وفيهما عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه " وقال صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " ومع هذا فإنه من المؤسف حقا ما أصبح عليه في زماننا هذا حال معظم المسلمين من قلة محبة بعضهم لبعض في وقت هم فيه أحوج الناس إلى بعضهم وهذا بلا ريب سببه خلل في الإيمان والعقيدة فدخول الجنة مرتبط بالإيمان ، والإيمان الحقيقي مرتبط بمحبة المسلمين بعضهم لبعض قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " أفشو السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " وإفشاء السلام مفتاح القلوب وبه تحصل الألفة والمودة والمحبة وقد جعله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ علامة المصالحة فقال " لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ".
قال عمرين ألخطاب ـرضي الله عنه ـ في الإخاء : " والله إنه ليطول عليَّ الليل إذا تذكرت أخي في الله فأتمنى الصباح فإذا أصبح الصباح ، عانقته شوقاً إليه " وورد في ترجمته ـ رضي الله عنه ـ "أنه تذكر معاذاً في الليل , ومعاذ يصلي معه دائماً , فما نام عمر من الشوق حتى صلَّى الفجر حتى قال : أين أخي معاذ ؟ قال: أنا عندك , فعانقه وبكى.."
وقد بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن المحبة من الخصال التي يستحق أهلها أن يكونوا من أهل الظلال يوم القيامة في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " رجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا على ذلك " يعني : اجتمعا في الدنيا على أنهما متحابين في الله ولم يفرق بينهما إلا الموت ، وفى الصحيحين من حديث أنس أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار " وقد نظم دين الإسلام علاقة الإنسان بخالقه وعلاقته بأخيه الإنسان , فبيَّن حقوقه وواجباته بحيث لا يدع مجالاً لسيطرة الغني على الفقير أو القوي على الضعيف أو الكبير على الصغير ، أو الأبيض على الأسود ، فهم عند الله سواء . و يجب أن تسود المحبة والمودة كل أمورهم وفقا لمراد الله قال جل شأنه مادحًا للأنصار ومبينًا فضلهم وشرفهم وكرمهم وعدم حَسَدهم وإيثارهم مع الحاجة :( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) سورة الحشر: ( 9) .
وعن أنس قال : كنا جلوسا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " فطلع رجل من الأنصار تنظف لحيته من وضوئه ، قد تعلق نعليه بيده الشمال ، فلما كان الغد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى . فلما كان اليوم الثالث قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثل مقالته أيضا ، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى فلما قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ فقال : إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت . قال : نعم . قال أنس : فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا ، غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ، ذكر الله وكبر ، حتى يقوم لصلاة الفجر . قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا ، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله ، قلت : يا عبد الله ، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ولكن سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول لك ثلاث مرار : " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " فطلعت أنت الثلاث المرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به ، فلم أرك تعمل كثير عمل ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ ؟ قال : ما هو إلا ما رأيت . فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت ، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه . قال عبد الله : هذه التي بلغت بك ، وهي التي لا تطاق ..
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :( إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي ).
وأخرج الترمذي بسند صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : قال الله عز وجل : (المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ) والمحبة في الله هي المحبة الدائمة الباقية إلى يوم الدين ، فإن كل محبة تنقلب عداوة يوم القيامة إلا ما كانت من أجل الله وفي طاعته ، قال سبحانه : (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) سورة الزخرف (67) ، وقد روى الترمذي أن أعرابياً جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا محمد ، الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( المرء مع من أحب (.
ومن وسائل المحبة بين المسلمين التي بينها نبي الرحمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يلي:.
1. عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه فإن الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة " .
2. عن انس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك أسره الله عز وجل يوم القيامة ".
3. عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " كل سلامى من الناس عليه صدقة ، وكل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه عليها صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة " .
4. روي عن عبد الله بن عمرـ رضي الله عنهما ـ أن رجلا جاء إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله فقال " أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهرا ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام ".
5. عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حق المسلم على المسلم خمسٌ : رد السلام ، وعيادة المريض ، وإتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس " متفق عليه . وفي رواية لمسلم : " حق المسلم ست إذا لقيته فسلم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا استنصحك فأنصح له ، وإذا عطس فحمد الله فشمته ، وإذا مرض فعده ، وإذا مات فاتبعه"
6. عن ابن عباس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه " .
وأخيرا فإن التزام المسلمين بهذه المبادئ العامة والقواعد الشاملة ، له فوائد لا تحصى منها بناء مجتمعٍ قوي عادل ، متعاونٍ على الخير وفعل المعروف ، خال من الحسد والحقد ، يرحم القويُّ فيه الضعيفَ ، ويعطف الغنيُّ على الفقير ، ويعطي القادرُ ذا الحاجة .
قال سيد قطب ـ رحمه الله ـ في كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام " أن العدالة في الإسلام هي عدالة إنسانية شاملة لكل جوانب الحياة الإنسانية... وليست مجرد عدالة اقتصادية محدودة ، لأن الحياة في الإسلام ليست علاقات مادية مقطوعة ، وإنما هي تراحم وتواد وتعاون وتكافل... بين المسلمين على وجه خاص ، وبين جميع أفراد الإنسانية على وجه عام ".
اللهم يا حي يا قيوم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك وألف بين قلوب المسلمين ، واجعلهم إخوة متحابين متناصرين بالحق ، إنك ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ،،،،،،
جمعه وكتبه الراجي عفو ربه
عبد الهادي بن عبد الوهاب المنصوري
جدة في 23/5/1431هـ