العبادة: ـ
العبادات تطلق على معنيين:
المعنى الأول : التعبد ، يعني فعل العبد ، فيقال : تعبد لله عبادة .
والثاني : المتعبد به ، وقد عرف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- العبادة تعريفاً جامعاً مانعاً ، يقول: ( العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة وأمثال ذلك من العبادة).
وهي شاملة لجميع حياة الإنسان، قال الله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون* إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) سورة الذاريات ( 56--58 ) وقال تعالى (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين* لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).سورة ألأنعام: (162-163)
ولا بدَّ في قبول العبادة من شرطين : ألأول الإخلاص. الشرط الثاني: متابعة سنة النبي صلى الله عليه وسلم. دل على هذين الشرطين قوله عز وجل
(فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) سورة الكهف (11)، فإذا اختلَّ أحَدُ هذين الشرطين بأن فُقد الإخلاصُ ، أو فُقدت المتابعةُ ، أو فُقِدَا معاً فإنَّ العملَ مردودٌ على صاحبه ، ولا يقبل عند الله عز وجل ، قال تعالى في بيان ردّ العمل بسبب عدم الإخلاص: ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) سورة الفرقان (23) ، وقال الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيان ردِّ العمل إذا كان مبنياً على بدعة : " مَن أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ "
ومن أعظم غايات العبادات التي شرعها الإسلام ـ وجوبا أو استحبابا ـ تزكية النفوس وتهذيبها . وهذه الغاية نلمسها في كل شعيرة من شعائر الإسلام وكل ركن من أركانه:
فالصلاة من أعظم وسائل تزكية النفوس ، قال الله تعالى : ( اتل ما أوحي إليك من ربك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) سورة العنكبوت(45) ، و لما قيل للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن فلانا يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق . قال : " سينهاه ما تقول" أو قال : " ستمنعه صلاته " . فكأن حقيقة الصلاة أنها تزكية للنفس وتطهير لها من الأخلاق الرديئة والصفات السيئة .
والصيام تتحق به التقوى قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) سورة البقرة ( 183) وقد جمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين الوصية بالتقوى والوصية بحسن الخلق حين قال : " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " . وذلك لأن بعض الناس يظن انه بإحسانه عبادة الله يمكنه أن يتخلى عن المعاملة الكريمة الحسنة مع الخلق فوجههم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى ضرورة الجمع بين تقوى الله وحسن الخلق .كما وجه ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصائم إلى ضرورة التحلي بالحلم وحسن الخلق حين قال مخاطبا الصائمين : " فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله ، فليقل : إني صائم...." .
والزكاة من وسائل تطهير النفس من البخل والشح والأنانية ، وزرع معاني الفضيلة والألفة والرحمة والشفقة ، ولهذا قال الله عز وجل: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم به ) سورة التوبة ( 103) .
والحج له أثر الكبير في إصلاح الأخلاق وتهذيب السلوك قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمّه ) وقد جاء في القرآن آياتٌ كثيرة ، وفي السنة النبوية أحاديث عديدة ، تدلّ على أنَّ تقوى الله عز وجل والأعمال الصالحة يترتب عليها سعادة الدنيا وسعادة الآخرة منها قول المولى جلّ شأنه ﴿ من عمل صالحا من ذكر أوأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجز ينهم أجرهم بأحسن ماكاموا يعملون )سورة النحل :( 97 ) وقال تعالى: ( ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون﴾ (1) سورة الأعراف(96) . وقال تعالى ( لا إكراه في الدين قد تبن الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) سورة البقرة (256 ) . وقال تعالى ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة إلا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) فصلت آية (30) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : ( اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم ). وقال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ( إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً.وإن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة: الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون».قالوا: يا رسول الله ما المتفيهقون ؟قال: «المتكبرون ) وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ).
وختاما. فإن من العباد من ترقى إلى مستوى الكمال في إقامة فرائض الله و أصبح بتوفيق من الله من أحسن الناس أخلاقا وأنبلهم سلوكا وأكرمهم شيما ، و منهم من أشرك وكانت الدواب أحسن منه. والعياذ بالله ,ولو أن المسلمين استشعروا آثار العبادة في كل أحوالهم لنعم المجتمع المسلم بعلاقات ملؤها الحب والمودة والرحمة قال رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " ، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه ) . وقال ـ صلي الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره ، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ) .
اللهم وفقنا لأحسن الأقوال والأعمال. و زَكِّ نفوسنا، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. واجعلنا من عبادك الصالحين، ومن ورثة جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
جمعه وكتبه الراجي رحمة ربه
عبدالهادي بن عبدالوهاب المنصوري
جدة16/10/1431هـ