لا بأس ، لم يكن ليناسبك على أي حال .
قلتمحاولة الضحك : أتعرفين - يا علياء - أني قرأت اليوم في موقعٍ للأبراج في الانترنتأن أسوأ شريك للقوس هو العذراء ؟
قالت : برجه العذراء ؟
-
أجل .
-
وهلقرأت عنه في كتاب الأبراج الذي أهديتك إياه ؟
-
الكتاب ؟ تصفحته ، لكنيبدو أنهيجب أن أعود له .
-
ستخبرينني إن كان كلامه عن العذراء ينطبق على نواف أو لا .
أصمت متأملة مشاعري حين ذكرت اسمه ، ثم أبادرها : أتصدقين.. أنا لم أحزن بعدعلى ما حدث .
-
لم ؟
-
بعض التزامات تشغلني الآن ، حين أُنهيها سأبكي .
كان ردها هذه المرة ضحكة طويلة ، بدت لي علياء بها غير مقتنعة بما قلت فأكملت : إنه حزنٌ مؤجَّل . أستبقيه خلف غلالته الرقيقة حتى إذا فرغت قلت : هيت لك .
أغلق السماعة وأفكر في اليوم الطويل الذي لن أختمه بصوته ، ثم تفرحني فكرة أنقصتنا لم تطل جداً ، أتساءل : كيف يكون حالي لو أني تعودت عليه ؟
منذ الحاديةعشرة ليلاً وأنا في سريري ، والجوال قرب رأسي ، كلما ألقيتُ عليه نظرة ، أو اصطدتنفسي متلبسة بجرم التأكد من ضبط مستوى رنينه حلفت للمنتظرة بداخلي أنه لن يفعلها ،ثم عدت أتساءل :أحقاً أني ما تعودتُ عليه ؟
بعد الثانية عشرة يأتي صوت علياء ،تسألني إن كنت أُريد أن تنشدني شعراً .
علياء تدللني أكثر حين أكون حزينة ، أوبعد خصامٍ يحصل بيننا . صوتها الملائكي يحلِّق بي في فضاءات لا يستدل لمكانها صوتٌآخر .
أنشدتني " ألف أهواه "
تردد : " ماذا أقول له إن جاء يسألني
إنكنتُ أكرهه أم كنتُ أهواه "
قبل أن أستنجد بها لتعلمني ماذا أقول له في عودة لاتبدو لي ممكنة تجيئني إجابتها في القصيدة الثانية وهي ترتل : " متى ستعرف كم أهواكيا رجلاًأبيع من أجله الدنيا وما فيها "
لا أحد يقرأ قلبي وخواطره كما هي . كنت ملتذَّة بالوجع الجميل الذي يقطِّره لسانها الحبيب .
تسألني إن كنت اكتفيتفأجيب برجاء طفل أن أكملي ، باقٍ من الوجع باق لم تفتح مغاليقه .
بعين قلبهارأت وجعي يسيل فأرادت أن تلملم ما تهاوى من عزيمتي ، قلبت صفحات الديوان الذي تحملثم شَدَتْ : " أيظنُّ أني لعبة في يديه ؟! أنا لا أُفكِّر في الرجوع إليه "
-
علياء ربما يجب أن أعترف أني أُفكر في الرجوع إليه .
-
إياكِ أن تفعلي يا وسمية !
-
بالتأكيد لن أفعل ، إنها فقط أمنية ، كفى بالزمن شافياً .. سأنسى صدقيني .
-------------------------------------------------------
-
أظنهالازالت حزينة يا ابنتي ، لا تبوح بأي شيء لكن انزواءها ، قلة أكلها ، المسجل الذيلا يسكت في غرفتها ..
-
دعيها يا أمي ..وسمية قوية ، لكن ليس من السهل أن تتجاوزما حصل بسرعة ، زواج زوجها السابق ، وخيانة صديقتها .
-
أخاف أن يصير لها شيء ،إنها تذبل بسرعة هذه الأيام ، والناس لا يرحمون ، ماذا ستقول زميلاتها في المدرسةإذا رأينها بعد الإجازة وقد فقدت نصف وزنها ؟ كلميها يا ابنتي ، أرجوك ، أنت تعرفينأنها لا تسمع مني .
-
لو قلت لها أن تنتبه لنفسها لأجل الناس فقد تصوم عناداً ،لكني سأكلمها ، أعدك بذلك .
-
حسبي الله على من في بالي .
-------------------------------------------------------
صباحاًقبل أن يستيقظ البيت وبعد أن أمل مخاتلة نوم لا يجيء أستحضر روح مها ، ومن مثلها ليالآن ، الفتاة التي لا تجزم بشيء ، لا تُخطِّئ أحداً ، التي تفهم كل وجهات النظر ،وتتعاطف مع كل الأطراف استحضرها لأستفتيها ، قالت : ربما بعد أن سرتِ الطريق حتىآخره ما كان أمامك إلا الابتعاد عنه ، ولكنه أيضاً مسكين ، الأكيد أنه ما كان ببالهأن هذه ستكون النهاية ، إنها لعبتكما المجنونة .
-
أتعرفين ليت كل هذا يُمحىويعود نوافي القديم ، سري الذي لا أبوح حتى لك به .
أتساءل : لو سمعت مني مهاهذه العبارة الأخيرة ألن تغضب؟
--------------------------------------------------------
فيالسابعة والنصف يأتي هاتف علياء .
-
كيف يكون حاله الآن ؟
- "
يفرك منالحسرة " قالتها علياء بتشفٍ جعلني أنشغل بها عنه ، أتساءل : لم تماهت مع دوري بهذاالشكل ؟ هل مرتَّ بتجربة مماثلة يوماً ؟
عدت أفكر في كلامها ، هل هو حزين الآنحقاً ؟ لا أدري إن كان يجب أن يسعدني ذلك أو يُحزنني .
بعد أن تغلق السماعة أعودلسريري الذي ليس فيه نوم ، نواف يقف بجانبه يغني بصوت كاظم الساهر شاكياً حاله معيوبعدي :
"
قالت لكل الأصدقاء :
هذا الذي ما حركته أميرة بين النساء،
سيستدير كخاتم في إصبعي ،
ويشب ناراً لو رأى رجلاً معي ،
ويكون بيديأضعف من ضعيف .
ويكون ما بين أقدامي كأوراق الخريف "
أقرر أني بعد شهر منالآن سأجعل واحدة ( لا يهم الآن من تكون ) تكلمه ، تخبره أني أحببت آخر وأنيسأتزوجه ، وهو يبكي ، ثم ..ثم .. أنا أبكي .
بعد سنة على هذه القصة أحكي لصديقة ( كاتبة ) حكايتي مع نواف دون أن أسميه فتتعاطف ، تنصحني بتناسيه .
حس التفهم فيصوتها يجعلني أندفع : ما سألتني من هو !
-
تلك خصوصياتك وليس لي أن أسأل .
لكني أردت أن أخبرها رغم أني أعرف أن علاقتها الرسمية به جيدة جداً .
لمانطقت باسمه صاحت : فعلها معك أنت أيضاً !!
--------------------------------------------------------
أُقلِّبكتاب الأبراج الذي أهدتنيه علياء قبل مدة ، أتذكر صدمتي لما طالعته أول مرةفاكتشفتُ أنه يعرفني أكثر مما أعرف نفسي .
مؤلفة الكتاب ساحرة عجوز ، قبل أن تخطحرفها الأول فيه ظلَّت تمسِّد بلورتها حتى من بين دخانها تكاثفت أنا ، تأملتني ،قلَّبتني طويلاً ، ثم كتبت : " هكذا دائماً القوس ، ذكاؤه حاد ، سريع الخاطر ، صادقوبشوش ، يحب المزاح ، إلا أنه يفتقد لصفة هامة جداً ألا وهي اللباقة رغم أنه يعتبرنفسه نموذج الدبلوماسي .
ثرثار بشكلٍ غير عادي ، وعدم ضبطه لحديثه والتأني فياختيار العبارات كثيراً ما يدفع ثمنه غالياً . لا يوجد لديه ولو جزء بسيط من التملق، يختلف عن الآخرين بشجاعته النادرة ، تجاربه المصيرية الخاصة مرتبطة بشكل أو بآخرباللعب مع الموت ، له روح مرحة ، لكن لأن رمزه النار ( وهي يمكن أن تهب فجأة وتشعلما حولـها ) فإنه ينقلب كائناً آخر عندما يحاول أحد أن يتخطى حدوده أو يظلمه .
لديه استعداد حتى للخروج على طاعة السلطات وفيه رغبة في التمرد على الأنظمةوالقوانين .
يتصرف بالقول والفعل أولاً ثم يبدأ التفكير .
هو في الحبرومانسي لكنه غير ثابت أبداً . أما الجوانب الأقل إشراقاً في طبع القوس فهيالانفعالية البركانية المفاجئة ، التطرف الحاد ، الاستهزاء .
تنهي حديثها هذالتروعني أكثر وهي تصف شكلي ؛ ذو رأس جميل الشكل ، كبير الحجم نسبياً ، جبهته عريضةعالية ، خطوط الوجه ناعمة قريبة للقلب ، سريع الحركة ، كثيراً ما يستخدم الإشاراتوالإيحاءات في حديثه .
عند هذا الحد أنظر في المرآة لأتأكد ثم أعود لها : عيونهمشرقة ساطعة فيها كثير من الحيوية وشيء من المكر ، في فترتي الطفولة والشباب تتدلىعلى جبينه عادة خصلة من الشعر ، وبعد أن يكبر ويغير تسريحة شعره ، أو يصاب بالصلعتبقى عنده عادة رد رأسه للخلف .
بالنسبة للمرأة القوس لن يعجبك ما تنطق بهأحياناً ، فقد تقول أشياء تجعل شعر رأسك يقف من شدة الانفعال . وإذا ما أحسستْ أنحديثها ليس لائقاً ولا في محله ستحاول أن تنسيك إياه بطرفة أو قبلة . على الرغم منأنها متطرفة السلوك ، لكنها تنظر إلى الحياة بتلك النظرة الثاقبة والحادة كثيراً .
هذه المرأة صادقة إلى درجة أنها ترغب ولو لمرة واحدة أن تحيد قليلاً عن الصوابلأن الجميع لا يهوون سماع الحقيقة المجردة .
إنها تحب الاستقلالية ولا تكترثللروابط الأسرية ، وتفضل العيش بمفردها . إذا أردت منها أن تنفذ لك أمراً فلا تحاولإصدار الأوامر إليها بل اطلب منها بلطف لأنها حتى في طفولتها لم تسمح لأمها بإصدارالتوجيهات والتعليمات لها .
المرأة القوس قد تصاب بجرح عميق في قلبها ، لكنها لاتُظهر ذلك أبداً على الملأ وإنما ستتظاهر بالمرح ، بينما هي حقيقة ستملأ الوسادةبالدموع تحت أجنحة الظلام .ولن يشعر بذلك حتى أقرب المقربين إليها ، وسيعتقدون بأنهلم يتبدل لديها شيء .
القوس الزوجة لا تنـزع أو تميل للزواج . لذا عليك أنتُحْسن اختيار أسلوب التعامل معها كي تنجذب إليك وتتعلق بك ، فمثلاً قد لا ترغب فيترك عملها واعلم أن الكلام معها في هذا الخصوص لن يُغيِّر في الأمر شيئاً ، لأنهابمطلق الأحوال ستفعل ما يحلو لها وعلى طريقتها .
أما ما يخص مواهبها كربة بيتفالأمور معقَّدةٌ بعض الشيء . هي لا تحب القيام بأعمال التنظيف والغسيل وبقيةالأعمال المنزلية الأخرى ومع ذلك ستحاول الإبقاء على نظافة بيتها قدر الإمكان .
ومع أنها تقوم بتحضير الطعام فهي ليست مغرمة بهذا العمل كثيراً لأنه غير محببإليها .
أطفالها يحبونها ، وبيتها أشبه بالسيرك ، هناك اللهو والمرح والضحكوالتفاؤل الكبير . بيئة ممتازة لتربية الأطفال . زد على ذلك الأمانة والإخلاصوالعقل النيّر .
المرأة القوس مثالية جداً دون أي جدال ، وستدرك أنت ذلك فيوقتٍ ما ، إذ تأتيك في يومٍ هادئ سعيد لتعترف لك بأنها فتشت عنك أنت بالذات منذطفولتها . ويا لسعادتها لأنها وجدتك في النهاية "
-
يا إلهي حتى هذه عرفتها ، " فتشت عنك أنت بالذات منذ طفولتي . ويا لسعادتي لأني وجدتك في النهاية "
ماأدراها هذي العجوز أني كلما تخيلتُ رجلي الحلم ، كلما أقعدته بجواري قلت له ذلك ؟!!
-------------------------------------------------------
في سجليومياتي أدون : اليوم فقدت غموضيالساحر ؛ لم تُبقِ فيَّ أية غموض ذي التي حتى شكليتعرفه ، حتى الحركة الملازمة ( رد الخصلة النافرة على الجبين للخلف ) ذكرتها !!
أتجه عارية لصوت الدكتورة : هل أنا برجي يا دكتورة ؟ أقصد ..أكره القيود .. أن أكون أسيرة أي شيء حتى صفاتي ؟ هل أنا هو ؟
-
لا يا وسمية ..أنتِ تبدئين منبرجك كي لا تنتهي به ، خذي من برجك أفضل ما فيه ثم ارتفعي عليه ، مري بالأبراجالباقية واحداً تلو الآخر ، خذي محاسنها واحداً واحداً حتى تكوني زهرة الأبراج كلها .
كلام الدكتورة أسعدني جداً ، أطلقني مرة أخرى ، ومرة أخرى حمَّلني همَّ نفسي .
قلت : يجب أن أكونها زهرة الأبراج هذه ..