|
![]() |
#1 |
مشرفة ورقآت أدبية
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
![]()
__________________
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#2 |
مشرفة ورقآت أدبية
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
![]()
__________________
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#3 |
مشرفة ورقآت أدبية
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
![]() حصلت تطورات في حكاية صاحبتنا هدى .. هدى الاسم الحركي لرجل لا لامرأة ، قالته علياء ذات يوم والتصق بصاحبه ، كانت للمرة الأولى تحكي لي عن خال صديقتها الذي يود الارتباط بها ، ثم اتفقنا أن تكمل الحكاية لي على الهاتف . في الليل وأثناء المكالمة صارت تشير إليه بصيفة الغائب ففهمت أن هناك أحداً بجوارها وهي تكلمني ، آثرت أن أشاكسها فافتعلت غباء فريداً وأنا أسألها من تقصد حين تتكلم بشكل مبهم ؟ ( كانت تخبرني أنه في الديرة بعد غيبة ست سنين ) وحين أرهقتها قالت : صاحبتنا هدى ، ساعتها ضحكت بقوة ، وغضبت هي ، لكننا صرنا دوماً حين نتحدث عنه ( بحضور أحد أو وحدنا ) نتحدث عن هدى . - بشري ماذا حصل ؟ - بنت أخته كلمتني اليوم ( وهي من فترة طويلة ما اتصلت ) سلَّمت وتكلمت في أمور عامة كثيرة ، وذكرت عرضاً أن خالها هنا ، ولم تنس سؤالي إن كنت قد تزوجت أو على وشك ذلك . - يريد أن يتقدم ، ويفضل أن يكون واثقاً قبل أن يفعلها ، هل يعني هذا أني سأراك زوجة قريباً ؟ - وسمية أشم في كلامك رائحة رضا بالموضوع ، وأعرفك دوماً ناقمة على مؤسسة الزواج !! - أنا أكره المرأة التي تتزوج فيمتص الرجل روحها ، أكره المرأة التي تصبح بعد الزواج شبح امرأة ، كائناً صالحاً للإنجاب والمعاشرة فقط ، ألا تلاحظين أن بريقاً في أعين بناتنا ينطفي بمجرد الزواج . - أنت قلتها من قبل ؛ الزواج عندهن هدف في حد ذاته فإذا تحقق صار من الصعب خلق واحد جديد . - وهذا ما يجعلني أنقم على الزواج ، ولكني أحسب أنك مختلفة حتى في هذا ، وأنك ستستطيعين أن تظلي كما أنت جميلة كيوم عرفتك ، بروح خضراء ، وقدرة على الحُلم . - إن شاء الله . لا أدري لم أحسست في كلمتها هذه شيئاً من خوف ، تجاهلته وباركت لها ، قالت : لم يحصل شيء بعد . - سيحصل غداً ، ألن يكون ردك الموافقة ؟ - لا أعرف ، ومع أني تحدثت معك طويلاً في الموضوع إلا أني لست واثقة من مشاعري تجاه هذا الرجل . - لكني واثقة من مشاعري أنا ، منذ المرة الأولى التي تحدثت فيها عنه كان واضحاً أنه يعني لك الكثير . - وسمية أنت تعرفين ..أنا أحببت فكرة أن رجلاً مشدود إلي ، وأنه ظل كل هذه السنوات ( كما تروي ابنة أخته ) ينتظر فرصة مناسبة ليتقدم لي ، لكن هل هذا كاف لأرتبط به ؟ أعرف أن كلامها وجيه جداً ، لذا تعقلت أكثر وأنا أقول : ألا تعرفين عنه شيئاً يجعلك تقررين بقناعة الموافقة أو..؟ - أعرف رقم جواله . تقولها وتضحك ، فأبادرها أنا : جميل جداً ، أعطني إياه لنتأكد من أخلاقه قبل كل شيء . - هل أنا مجنونة لأفعل ؟! ما زلت أذكر ما فعلت مع نواف ، ولن يكون هذا التالي . ----------------------------------------------------- - استرخي ثم عودي للخلف ..سيري رجوعاً لبيتكم القديم ..بحثاً عن البداية..بحثاً عن الأساس.. على أريكتها / في طريقي كانت صور كثيرة تصطف على الجانبين كلافتات إرشادية .. بعضٌ كثيرٌ من أخطاء أمي التي ظننتُ أني نسيتها : ضربها ، تفضيلها ريماً عليّ،كل كلمة قالتها لي في طفولتي فأوجعتني . أعود مروراً بحديقة البلدية فالسوق..عبر دهاليز حينا القديم وصولاً لبيتنا ، وكما أوصتْ الدكتورة أصغُرُ في كل خطوة . وصلتُ باب بيتنا الخشبي الكبير. استقبلتني نقوشه مهللة ، لكني فوجئتُ إذ لم أقف عنده..ركضتُ . تجاوزتُه ..ظننت أني سأذهب لبيت أخوالي لكني قبل منعطف المحكمة اتجهت يميناً في خط مستقيم حتى تراءت لي بيوت أعمام أمي . تطل من خلفها عمامة النخيل المسودّة .. وقفت مع صغارٍ مثلي نلعب . اثنتان من البنات تتحرشان بي ، تسبانني فأسبهما ..تضرباني و أحاول جهدي .. من وراء أحد الجدران تبزغ أمي يسبقها صغير ما أذكر شكله يشير لي بسبابته " ها هي " أفرح بمرآها ..استمد منها قوة ..تكاد ترجح كفتي بعد أن مرغت البنتان وجهي في الرمل .. تشدني بيدي لتبعدني فأفهم أنها لن تنتصر لي ، لا أطاوعها ..تحاول مرة أخرى ثم تشدني بشعري . البنتان تبتعدان .. تتفرجان..يستمر غضبي فأصرخ ..أتفلّت..تضربني أمامهما وأمام كل المتفرجين ، تضحكان ، ويستمر ضحكهما في أذني حتى نصل المنـزل ، ويظل يخمش أذني في فراشي حتى أنام . أنهض مثقلة بوجع الضرب ووجع السخرية ، مثقلة بروح سوداء تكره أمي.. الدكتورة تمسح رأسي ، تضع يدها على صدري الذي تنتفض فيه عبرات طفلة : عليك أن تتطهري من هذا كله الآن . - كيف ؟ تعيدني للمكان ، أعيش الحادثة كاملة حتى الضرب وآلامه ، رائحة الغبار في أنفي وهن يفركن وجهي في الأرض .. صوت أمي المتسائل : أين هي ؟ فرحتي ، ثم غضبي وهي تنتزعني من المكان دون أن تضربهن ، مقاومتي ، ألم رأسي وهي تشد ضفائري . تتوتر عضلات وجهي ، أريد أن أصرخ ، فتشجعني الدكتورة ، أصرخ ، وأصرخ ، وحين يخفت صوتي قليلاً تضع منديلاً في يدي . - بهذا المنديل الذي تقبضين عليه في يدك امسحي الشاشة التي عليها المشهد حتى تنظف تماماً . يروعني الأحمر الكثير الذي يسيل من المنديل ، أعرف أنه كما قالت الدكتورة غضب ، أحاول ألا يجعلني منظره أفقد استرخائي ،ويأتي صوتها سنداً :تحت أقدامك الآن أرضٌ مروية بالماء وخصبة . هل تحسين برودتها في رجليك ؟ أومئ برأسي فتكمل : احفري حفرة صغيرة ، وادفني المنديل فيها ، ثم امضي . -----------------------------------------------------
__________________
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#4 |
مشرفة ورقآت أدبية
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
![]() لماذا ؟ - الدكتورة قالت لي يا علياء أن الأرض رحم ، تعيد إنتاج الأشياء ، وأني بدفني المنديل فيها ستزول المشاعر السلبية التي مسحتها فيه ، وسيعاد لي بمشاعر إيجابية . - وسمية لا تصدقي ذلك عن نفسك ، أنت أجمل من أن يختزن داخلك سوأة صغيرة كهذه ليشوه علاقتك بأمك . أنا حتى لا أصدق ما تقولينه عن إحساسك تجاهها ، هذا كله حين أحاول ضمه لصورتك في عيني ترتبك كلها ، لا يمكن أن تكوني هذه التي يصفها لسانك . حين تبتلع سماعة الهاتف آخر كلمات علياء وهي تودعني تشوشني أسئلتي ، أظل أترصدها ، ثم حين أعجنها في استفهام وحيد أسلمه سجل يومياتي وأنام محاولةً نسيانه . بعد اليقظة أجد سجل الخبايا ينتظرني فارداً أحشاءه على صفحة البارحة ويواجهني مردداً أحرفي : " هل أحب أمي ؟ ما أصعب السؤال ، ما أبعد الإجابة !" أهرب منه ، أخرج فيطالعني وجه أمي أتأمله ، لا أدري إن كان يجب أن أفرح أو أحزن لأنها تجهل كل ما في خاطري . أحياناً كانت تردد أني أحسبها تكرهني ، مرات بعد تعليقات جارحة لي على سلوكها معي ومع سواي من إخواني كانت تحلف أني الأغلى.. مرة بكت..كرهت نفسي و تألمت جداً..وددت لو أحلف لها أني أحبها..أن أبكي مثلها..وددت لو أحضنها لتسكت . قبل أن أتزوج كانت تردد لي أني لن أعرف ..لن أفهم تماماً إحساسها تجاهي إلا حين أتزوج وأنجب.. مع نادر منذ يومه الأول تلح في السؤال إن كنتُ أحبه وكم أحبه ؟ وهل يسعدني أن يتأذى ؟ نادر هل تعرف أمي ماذا يعني ؟ أنا لم أقل ، فهل لو قلت تفهمني ؟ نادر هذا الـ "من أحشائي طلع.." ليتني أفهم أنا هل أحبه أم لا ؟ الصغير الذي لم أحلم به كما كل الفتيات ، لأن الزواج جاء قبل أن تزهر فيَّ الرغبة في الإنجاب ، قبل حتى أن تتفتق تباشير الأمومة ميلاً للأطفال وشوقاً لملاعبتهم..لمداعبتهم.. هل كان يجب أن أقبل اختلافي هذا أيضاً؟ أن أظل أتأمله ..أتفحص أسبابه بحياد ؟ بعد أربعة أشهر من زواجي كان نادر نبتة في أحشائي ، يتشرنق حبه في بطني بطيئاً ، يتحرك ، يولد بعده بأشهر ، أرضعه مثله ، أحضنه ، أناغيه فيتأتئ . يصير نادر صبياً يطوِّق عنقي في كل لحظة ، يقبِّلني ، يردد أنه يحبني ، وأتأمل أنا تأكيداته بشك . -------------------------------------------------------- " أنا ... من أمي ، لأنها ... " كتبت الدكتورة ذلك ، ومدتني بالورقة ، قالت : الآن اكتبي أنت . - ماذا أكتب ؟ - ضعي كلمات مناسبة في الأماكن الخالية ، ثم اكتبي كل ما في خاطرك . أمسك القلم ، ورغم أني لم أخجل من الدكتورة من قبل وأنا أعرض عليها جوانب كثيرة سيئة فيَّ إلا أني هذه المرة ترددت كثيراً . قلت لها : دكتورة ..لا أستطيع ، أحس أني سأكتب شيئاً سيئاً جداً عني الآن . تضحك هي بقوة : يا حبي لك يا وسمية . بعد كلمتها أبدأ الكتابة : أنا أكره أمي لأنها ضعيفة ، مترددة ، لا تعرف ماذا تريد ، لا تملك الجرأة على أن تفكر حتى في أنها لا تريد ما تحياه الآن . أمي امرأة شخصيتها مهزوزة ، زواجها تعيس جداً ، ورغم ذلك فهي مستمرة فيه . أمي تفلسف ضعفها بطريقة غبية ، مذ عرفتها ( في دوريها الخالدين زوجة وأماً ) لم أسمعها تقول " لا " لأي أحد ، لم توقف أحداً أهانها عند حده . حين أضع نقطة بعد آخر اتهام لأمي أمد الدكتورة بالورقة بخجل . تتأملها مبتسمة ، ثم تعيدها إلي : الآن يا وسمية أريد أن تُسمِعِيني المكتوب بصوتٍ عال ، وكلما مررت بكلمة أمي في ثنايا كلامك اقلبيها ، اجعليها " أنا " بارتياع أتفحص الورقة التي صارت عريضة اعتراف الآن ، ألتفت للدكتورة : ماذا جعلتني أفعل ؟ يعلو ضحكها هذه المرة ، وهي تقول : هيا أسمعينا ماذا سجلت . " أنا أكره وسمية لأنها ضعيفة ، مترددة ، لا تعرف ماذا تريد ، لا تملك الجرأة على أن تفكر حتى في أنها لا تريد ما تحياه الآن . وسمية امرأة شخصيتها مهزوزة ، زواجها تعيس جداً ، ورغم ذلك فهي مستمرة فيه . وسمية تفلسف ضعفها بطريقة غبية ، مذ عرفتها في دوريها الخالدين زوجة وأماً لم أسمعها تقول " لا " لأي أحد ، لم توقف أحداً أهانها عند حده " حين أنتهي تصبح الورقة مجعدة الحواف ، لولا هيبة الدكتورة لكنت مزقتها ، ألوذ بها : دكتورة ، ماذا يعني هذا ؟ أأنا أكره أمي لأنها تذكرني بي فترة زواجي ؟! تهز الدكتورة هناء رأسها ، ويبين في عينيها شيء كالزهو بنجاحها ، زهوٌ تجعله محتشماً بحديثها عما فعلت ، قالت : أكثر ما يضايقنا في صفات الآخرين تلك الصفات التي تشبهنا جداً ، نكرهها فيهم ، ونكرههم لأنهم يعكسون صورنا التي لا نريد أن نراها ، هناك معالجة نفسية غربية علاجها كله بالكتابة ، كلما زارها مريض جعلته يكتب ، وعبر الكتابة يعي نفسه ، ويتغير . - الكتابة التطهير ؟ - والكتابة المعرفة أيضاً . أعيد لها الورقة ، وأسألها : ماذا بعد ؟ - بعد أن تم فك الارتباط بين صورة أمك في عقلك الباطن وبين صورتك أنت أظن أن علاقتك بها ستكون أفضل جداً ، لكن يجب أن تعيدي النظر في فترة زواجك ، خففي جلدك لذاتك ، هي تجربة عشتها وخرجت منها أفضل مما لو كنت بقيت فيها ، وأفضل مما لو كنت لم تدخليها ، إذن يجب أن تمتني لها لا أن تختزنيها بكل هذا الألم . ----------------------------------------------
__________________
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#5 |
مشرفة ورقآت أدبية
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
![]()
__________________
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#6 |
مشرفة ورقآت أدبية
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
![]()
__________________
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#7 |
مشرفة ورقآت أدبية
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
|
![]() في طريق عودتنا لديرتنا كنت أفكر في القادم ، أستعيد صوت الدكتورة وهي تودعني ، قالت أن الله يغير أحوالنا حين نتغير ، وقالت أن حياتي ستتحرك الآن أكثر ، وأني تطورت جداً ؛ فأنا لست أبداً تلك التي كلمتها أول مرة ، تلك التي تقول كلاماً سيئاً في حين تريد أن تقول أشياء جميلة . أسألها : لماذا كنت تساعدينني قبل حتى أن تريني ؟! - أنا يا وسمية حاولت أن أُقدِّم لك ما كان يجب أن يقدَّم لي في بداياتي ولم أجد من يقدِّمُه . لا أدري لم بعدها سطعت صورة ماجد ببالي ، آمنت أني يجب أن أساعده ، أن أقدم له ما لم يقدمه أحد له ، ما لم يقدمه أحد لي قبل الدكتورة هناء ، في ورقة صغيرة أنشغل بإعداد برنامج صغير كبداية معه . مع كل كلمة أكتبها يقترب هو أكثر ، وعلى أوراقي تتناثر صوره على سطورها . صورته وهو يحمل رسائلي البريدية الأولى للصحف ليضعها في الصندوق دون أن يتذمر مهما تأخر الوقت ، ودون أن يفشي سرها لأهلي حتى حين أغضبه ، صورته حاملاً الفلة التي سرقها من حديقة البلدية لأجلي حين عرف كم أحبها ، صورته وهو يضع رأسه على كتفي ويبكي معتذراً حين غضبت عليه فقاطعته عشرة أيام . مع كل صورة أحبه أكثر ، وبعدها كلها أكتب بأسفل الورقة " الهدف استعادة أجمل ما في هذا الكائن " ------------------------------------------------------- - هلا وغلا.. الحمد لله على السلامة . - أول شيء فعلته مذ جئت ( مكالمتك ) مازالت عباءتي عليَّ . - أنا سعيدة بشكل لا تتصورينه بعودتك . - غريبتان نحن ؛ في كل الأحوال ( إن كنت هنا أو في الرياض ) مادمنا في إجازة فإن الاتصال بيننا عبر الهاتف فقط ، فلم نحس بالفرق ؟! - كنت أفكر في ذلك أمس ، ولم أجد له تفسيراً ، لكن إحساسي بك يختلف جداً حين تكونين هنا عنه حين كنت هناك . - ستكملين لي حكايتك مع روميو ؟ - كلميني في الليل متأخراً ، وسأخبرك . -------------------------------------------------------- بانتظار صوتها يحكي لي حبيبها ، والجديد في موضوعه يأتيني فاكسها : " مساؤك بوح يا وسمية أردت الورق ينوب عني فيقول ما لن أقوله .. ( أحبه ..لست أدري ما أحب به .. ) حلمت به البارحة مرة أخرى ، كان حلماً غريباً ، وجميلاً .. هل أنا حقاً أحبه ؟ أم أنها أمنيتي القديمة بقيس يخلد ذكري ؟ لِمَ أخجل من مشاعري تجاهه ..وأخفيها ؟! ألأنه ليس جديراً بها حتى الآن ؟! هل أستكثر عليه تلك الخفقات التي استعصت قبله على سواه ؟! لم أهرب من التفكير فيه وأحس أنه قدري ؟! لا أدري ، ولا أدري لم أكتب لك ذلك الآن !! ربما أردت عينك الصقر أو عينك الأم تخبرني عني .. أمس تقدم لخطبتي من والدي ، فهل يجب أن أوافق على الاقتران به أم لا ؟ أحبك ، وأنتظر مد عونك " علياء في اللحظة التي أطوي فيها الورقة مقررة جعل استفهاماتها شاغلي هذا اليوم يدخل أبي : ماجد ذهب لأفغانستان . قالها هكذا ، وكان أول ما رأيته بعدها برنامجي الذي أعددته لمساعدته ، رأيته كومة من تراب يردم ماجداً كله . - في هذا الوقت ؟ وأمريكا تبحث عن كل عربي هناك ، تنبش كل جحر لتصطادهم كالفئران ؟ أقول ذلك ، وأتساءل إن كانت العبارة ذات صلة وثيقة بما قاله أم لا ، أقولها وأنظر في وجه أبي الذي صار شيخاً جداً ، ويسيطر علي هاجس غريب أني لم أنطق هذه الكلمات ، وإنما حكيت له عن علياء وحبيبها . - الولد جنَّ بالتأكيد ، كنت أعرف أن نهايته لن تكون أقل سوءاً من هذا . قالها وانصرف ، وفتحت ورقة علياء مرة أخرى فإذا بعيني تتراكض بشكل محموم على صدرها حتى استقرت على قولتها " أحس أنه قدري " ---------------------------------------------------------- - أفغانستان فيها حرب يا أمي ، أليس كذلك ؟ - فيها يا نادر . - فلم ذهب إليها خالي ماجد ؟! أمي التي منذ الصباح تبكي تنشج الآن وأنا أحاول تقديم كلمات مطمئنة للصغير ولها ، وريم تنظر إلي ، وصوت الدكتورة هناء يتردد في أذني : فليذهب معهم ، لا خطر من المطاوعة عليه ، قد يأتي مدققاً في لبسكن ، قد يكسر التلفزيونات لكنه بعدها سيعتدل . - كيف عرف أبي ذلك ؟ أسأل ريماً وأتمنى أن أجد في الإجابة مجالاً للتشكيك . - اتصل به أحدهم ، وقال أنه حمله سلاماً إلينا وأنه ذهب إلى هناك . - هذا كل ما قاله ؟ - هنأه بابنه البطل المجاهد ، الذي سيشفع له يوم القيامة بإذن الله ، فأغلق أبي الهاتف في وجهه . - ماذا سنفعل ؟ - أخبرينا أنت ..إن كان هناك شيء غير الدعاء . في غرفتي أقلب ألبوم الصور ، أرى آخر صورة له ، بدون لحية ، لأول مرة أكتشف كم كان وسيماً ، أفكر في أن أقبله ، وحين أحس الخاطر فألاً سيئاً أعيد الألبوم محله ، وأبكي . ---------------------------------------------------------- - انتظرت اتصالك ، ولما لم يأت قلت أتصل أنا .. ما أخبارك ؟ - ماجد في أفغانستان . كان صمتها أفضل من أي رد قد تقوله ، ما كنت أريدها أن ترد ، أردت فقط أن أتخفف من وجعي بالحكي ، بعد قليل بدأت تستفهم بشكل دقيق عما حصل فتضايقت .. حين كنت أريد عذراً لأغلق الخط وأهرب لنفسي قالت : أتريدين رأيي ؟ أظنه لأول مرة يفعل الصواب ، هناك يحارب عدو الأمة كلها ، لأول مرة يفعل شيئاً حسناً ، دعوه يفعله وأنتم راضون . لحظتها بدا لي أن في هذه المرأة أفكار لا أعرفها ، لم نتكلم قبلاً في أمور كهذه ، ولا أدري لم اعتقدت أن رأينا فيها متحد . علياء تردد عن الجهاد كلاماً أحفظه ، وأقول : ولكنه ماجد ، فليذهب غيره ، أما هو فنحن أولى به من جهاد لا نعرف إن كان يستحق اسمه أم لا . - لو فكر جميع المسلمين هكذا لما حكمنا نصف الدنيا في وقت ما . في سجل يومياتي بعدها أكتب : " سيحتاج الأمر وقتاً طويلاً حتى نعتاد عدم وجوده ، ولكننا سنعتاد ذلك بلا شك " وفي الأيام التالية كان شبه اتفاق غير معلن على أن لا نتحدث عنه ، كان مسافرنا الذي سيعود إذا لم نخض في موضوع سفره ، لكننا في صلواتنا جميعاً كنا نبتهل إلى الله أن يعيده . ---------------------------------------------------------- - حين أردت أخذه إليها أول مرة قد قلت لها أنه لن شفي فإن كل ما أفعله لن يفيها حقها ، الآن أعرف أن لو صار له الأسوأ فلن أغفر لها ، ربما أظلمها بحكمي هذا ، لكن يجب أن تتحمل نصيبها من مسؤولية ما حصل . - ألا تعرفين التوسط في تصرفاتك أبداً ، هذه التي تقدسينها أمس ، اليوم تحملينها ذنباً ليس لها . - لأول مرة تدافعين عنها !! - لأنها المرة الأولى التي تتجنين فيها عليها . تغادرني ريم ، وأبكي ، ثم آخذه بسرعة : بحث ، د.هناء ، مسح ، تم مسح كل التفاصيل ( د.هناء ) أعرف وأنا أعيد جوالي مكانه أنها لم تكن غلطتها ، لكني منذ البداية قررت أني لن أغفر لها ضياعه إن ضاع . ----------------------------------------------------------- - مقرفٌ هو يا أمي ، وعائلته شنيعة .. أحياناً أحس أني أشفق على وسمية التي عاشت معهم سنتين كاملتين ، وأحياناً أحقد عليها لأنها لم تحذرني منهم بشكل كافٍ . - زوجك خير من كثير من الرجال ، هل أعدد لك بعض من لاشك أنك تعرفينهم وأخبرك بصفاتهم ، وصبر نسائهم معهم . - ليس من بينهم يا أمي من تزوج صديقة زوجته ليقهرها ، وليتحسس أخبارها . - ما هذا الكلام يا مها ؟ - هذه الحقيقة يا أمي كلما جلس يتحدث معي ونادراً ما يفعل يظل يدور حول سيرتها ليرغمني على الحكي عنها . - هي أفكارك أنت فقط ، تعوذي من الشيطان وتجاهليها ، وارضي بنصيبك يا ابنتي ، ولا تشمتي بنا . معها حق أمي ، يجب أن أرضى بنصيبي ، أنا دوماً راضية بنصيبي ، فلماذا لا أقبل به الآن ؟! ------------------------------------------------------------ " جوانتا نامو " هو في جوانتا نامو ، حين كان طفلاً تمنى أن يزور سوريا ، كان يعتبرها بعيدة جداً ، لكنها الأمنية التي لم تتحقق ، أقول له : اهنأ يا ماجد أنت الآن في جوانتا نامو ، أبعد كثيراً مما حلمت .. كان أحدهم قد اتصل بي البارحة لينقل لي الفاجعة ، قال أنه حين خرج خرجته الأخيرة أملاه رقم جوالي ليبلغني إن لم يعد ، وأنه هناك الآن . ليلة عجيبة هذه التي أقضيها أرتب خطاباً لوالدي لا يوجعهما كثيراً ، ماذا أقول لهما ؟ ماذا يجب أن أقول ؟ كنت أبكي قليلاً ، وأعود لترتيب الكلمات حيناً آخر . أتصل بعلياء فلا ترد ، وحين أنظر للساعة أكتشف أنها الثالثة صباحاً ، أبكي مرة أخرى وأنام . في الصباح أجلس مقابلةً الشيخين على قهوتهما ، أمي التي صارت صامتة أغلب الوقت كانت تشرب قهوتها بعيون مبللة والتلفاز يعرض صور أشلاء الأفغان العرب وأجسادهم المنتفخة تحت شمس لاهبة ، أبي الذي يسترق نظرات لجهاز الشؤم تحت أقدامه أكثر من جريدة ، والراديو يعلن فيه عربي متأنق الصوت أن نشرة أخبار إذاعة لندن بعد دقائق معدودة . قال أبي الذي يتوتر كلما قارب موعد الأخبار وهو يمد فنجانه لأمي : لماذا لم تذهبي للعمل يا وسمية اليوم ؟ أردت أن أخبره أني أعرف سبب توتره ، وأنه لم يعد من ضمن المشاعر التي يجب أن تسيطر عليه الآن ، أتأمله وأفكر : هل سيبكي ؟ - متعبة قليلاً ، ولا حصص مهمة عندي اليوم . أقولها وأغادرهما ، ثم أتصل بريم ، أخبرها وأطلب منها إخبارهم ، وألجأ لغرفتي مرة أخرى . ------------------------------------------------------------ أعتكف في حجرتي محتشدة بأكثر من وجع ، وطوال النهار أسمع نحيب أمي ، وحوقلات أبي . في الليل أتذكر حديثاً قديماً مع الدكتورة هناء . - ما أخبارك يا وسمية ؟ هل هناك أحلام جديدة ؟ - أبداً يا دكتورة . - لماذا ؟ - ربما لأني كنت مشغولة الأيام الماضية . - هذا هو لقد حجبت أحلامك عنك . - فكيف أعيدها وأعود لها يا دكتورة ؟ - ارفعي الستارة عنها . أتمدد ، أركّز على عضلات رجلي ، أرخيها ، عضلات يدي ، كتفيّ ، بطني ، ظهري ، وجهي ،عنقي ، جبيني ، ثم أتنفس بعمق : شهيق ..زفير .. شهيق . ستارة سماوية اللون بيني وعالم الحلم ، أدنو منها ، أحس دفء الأرواح وراءها وأتسمع صخبها ، برفق أزيح الستارة و.. أنام . في الصباح يعود الحلم القديم ، لا أعرف منذ متى كانت زيارته الأولى لي ، أحياناً أحسه أزلياً ، كانت السيجارة بطلته الدائمة ، كل فترة تطل في مشهد يعاد إنتاجه مئات المرات ، كنت أحكيه لها : دائماً يا دكتورة أرى نفسي أبحث عن سيجارة ، حتى إذا وجدتها انقطع الحلم . قالت لي يومها : الحلم الذي يتكرر رسالة مهمة . هنا رغبة مكبوتة ، وأنا أستطيع مساعدتك لتحقيقها لكن يجب أن نعرف بشكل جازم هذه الرغبة . استشعرت في خاتمة الكلام سؤالاً طُرح ضمناً ، قلت : لا أعرف ، السيجارة نفسها حلم بالنسبة لي ، لكن بما أنك قلت أنها رمز لرغبة مكبوتة فقد تدل على أشياء أعمق ، لكني لا أعرف . - هل تريدين التدخين ؟ - أريد أشياء كثيرة لا تحصل . - هنا المشكلة ، هذه الرغبة المكبوتة قد تكون خيراً أو شراً ، لذا ربما يجب أن لا نتسرع في التعامل معها . أحسست ترددها ، قلت : ربما استشعرتْ مسؤولية تجاهي أكبر ، خافت أن تدفعني لتحقيق ما لا يجب تحقيقه ، لذا أمرتني بانتظار حلم آخر أوضح . كنت أنتظر الحلم الآخر ، وكانت السيجارة نفسها تعود كل مرة ، في البداية كانت عقب سيجارة ( مستخدمة ) ثم حلماً بعد حلم كانت تكبر حتى صارت سيجارة كاملة . بعد ذلك تمكنت من رؤية علبة كاملة . بعد عدة أعوام وعدد كبير من الأحلام صرت أصل بالسيجارة لأماكن شبه آمنة ، ولكني قبل أن أشرع في التدخين يأتي من يبدد خلوتي ، فأخفيها لوقت آخر ، وينتهي الحلم دون أن أدخنها . البارحة حلمت أني ( بعلبة سجائر شبه ممتلئة ) أنزوي في مكان ما وأدخن . في فترات يقظة طويلة كنت أفكر فيما سأحسه لو دخنت ، أحاول تخيل تلك النشوة ، غير أني بعد حلم البارحة خرجت بقناعة أن طعمها ليس جيداً ، حتى أن شفتاي كانتا مسودتان بشكل مقرف . ------------------------------------------------------------
__________________
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر) | |
|
|