عندما تقترب الشمس من المغيب ، ويخيم الظلام بأسرابه على أرجاء القرية ، فإن الرعاة يعودون بماشيتهم، والمزارعين بمحصولهم ، حيث يبدأون في إيواء الدواب، وتخزين ما وصلوا إليه، وترتيب ما حصلوا عليه.
يبدأ الليل بإشعال ما يستضيئون به كالاتريك ، أو العدنية، أو القازة ، كما تشعل النار في الحطب لإعداد العشاء ، المكون من خبزه أو قرصان ، مع ثُفى وثفلة وخِلْفه وقُُرّاص،أو عصيدة ،أو تصابيع ،أو عيش.....
تجتمع الأسرة في الليل للتدفئة والمسامرة بجنب المشب، يناقشون ماصنعوا في يومهم، وماسوف يقومون به في غدهم ، وفيهم من يحيي ليله بصلاة القيام ، وفيهم من يستمع إلى المذياع لمتابعة آخر الأخبار ، لكن أغلب السكان يهجعون إلى فراشهم للنوم بعد صلاة العشاء مباشرة، حتى يستيقظون مبكرين ، استعداداً ليوم شاق جديد.
حرصوا من أجل الظلام، وسواد الليل؛ على تعبئة المصابيح بالقاز، وتنظيف الدخان من زجاجة العدنية، ومن زجاجة الاتريك ، وتنظيف البلف ،ونفخ الفتيلة،حتى تصبح كلها بيضاء، وقديماً قالوا: وجهه مثل نور الاتريك.
كان الكشاف من الوسائل الضرورية للتنقل بين المنازل ، وللذهاب لأداء الصلوات الجهرية في المساجد ، فهو معين على إبصار الطرق المظلمة، والمسارب المعتمة، المليئة بالهوام المؤذية للإنسان.
لا تسمع في ليل القرية سوى ثغاء الماعز، ونقيق الضفادع ،ونباح الكلاب، وفحيح الثعابين ، وصفير الرياح ، و خشخشة الورق الذابل.
وأما اليوم ؛ فمساء القرية انقلبت فيه الموازين (لدى البعض)، سهر بالليل، ونوم أغلب النهار، خصوصاً أثناء الإجازات، فخالفنا بذلك المنهج القويم: [وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا].